فاروق يوسف يكتب:

كان سلمان رشدي يقول الحقيقة

لندن

قبل حوالي عشر سنوات من ولادة هادي مطر أصدر الخميني فتواه التي نصت على هدر دم الروائي الكبير سلمان رشدي الذي أُعتبر من وجهة نظر الخميني مرتدا بسبب روايته "آيات شيطانية". تلك فتوى ملزمة لكل أتباع الامام الغائب الذي تمثله في حينها سلطة الخميني باعتباره وليا فقيها. وفي ما حدث بعد 33 سنة من صدور تلك الفتوى دلالات تشير إلى معاني ارتباط الديني بالسياسي على مستويات عديدة.

هادي مطر، الذي نفذ جريمة الاعتداء على الكاتب رشدي في محاولة لقتله هو ابن لعائلة لبنانية مهاجرة، ولد وتعلم وترعرع في نيوجرسي الاميركية قريبا من ولاية نيويورك، واحدة من أعظم عواصم الحضارة المعاصرة. غير أن ذلك لم يمنع خضوعه لعملية غسل دماغ طائفية جعلته مستعدا لممارسة العنف ضد الآخرين المختلفين عنه فكريا بمعزل عن قدرته الشخصية على التفكير بعد تعطيل حواسه الطبيعية. كان مطر مسيرا من قبل جهات تقع خارج سيطرة القيم الإنسانية.

ذلك حدث ينطوي على نقض صريح لفكرة أن هناك عنفا سنيا هدفه الارهاب يقابله عنف شيعي هدفه المقاومة. تلك كذبة وقع الكثيرون في شباك معادلتها من غير أن يسمحوا لإنفسهم بالقيام بتحليلها وإدراك مواقع الخطأ فيها. فحزب الله يمارس الارهاب والقتل على الاراضي اللبنانية وخارجها أيضا. مَن يصدق أن طريق العنف لا تؤدي إلى الإرهاب فإنه كمَن يضع رقبته تحت سكين زعم الآخرون أنها سكين طيبة.

العنف هو العنف. طريقه الوحيدة تؤدي إلى الارهاب.

لم يفعل هادي مطر سوى أنه وضع نفسه في خدمة خطة موضوعة سلفا هدفها القتل المبرمج. غير أن الإدانات العالمية لعملية الاغتيال خلت من ذكر لإيران أو لحزب الله كما أنها لا تريد أن تقترب من حقيقة أن حزب الله والميليشيات الأخرى التي ترعاها وتمولها إيران لا تقل إرهابا عن تنظيمي القاعدة وداعش، إذا لم تتفوق عليهما.     

المعطيات الواقعية تقول إن مطر هذا هو شاب صغير من عائلة لبنانية شيعية نفذ فتوى الخميني التي كانت أشبه بالوصية. هل نحتاج إلى مزيد ذكاء لكي نتعرف على الجهة اللبنانية التي تقف وراءه؟

اما لماذا يصر الغرب على عدم الزج إعلاميا بإيران وحزب الله في القضية فتلك مسألة تكشف عن ميول وأمزجة سياسية مريبة ويجب تفحصها والعمل على فضحها. غير مرة أعلنت دول في أميركا اللاتينية أن لحزب الله علاقة وطيدة بمافيات المخدرات وغسيل الأموال. تلك مجرد أخبار تمر بسرعة لتختفي من غير أن تهتم بها وكالات الأنباء الغربية.

حين حلت الكارثة بلبنان وانفجر مرفأ بيروت بمخازن سموم حزب الله لم يشر أحد في الغرب إلى مسؤولية الحزب المذكور عما حدث. كل ما حدث فيما بعد يشير إلى تلك المسؤولية غير أن الغرب ظل صامتا.

لطالما اغتال حزب الله سياسيين ومفكرين وزعماء لبنانيين بدءا من رفيق الحريري وانتهاء بلقمان سليم. أما كان في إمكان أجهزة المخابرات الغربية المهتمة بالشأن اللبناني أن تكشف عن حقيقة ما جرى وعن أسماء القتلة وهوياتهم؟

لذلك لا يمكن اعتبار محاولة قتل الكاتب العالمي الكبير سلمان رشدي مجرد الهام إلهي. بمعنى أن الله اختار شابا صغيرا لتنفيذ إرادته في مرتد؟ هل يريد العالم أن يضحك على نفسه فيصدق حكاية تلك البراءة المسحورة؟ ستغلق القضية عند حدود الشخص نفسه فلا يُشار إلى أية جهة تقف وراءه. نهاية بشعة لقصة حزينة ما كان سلمان رشدي يتخيلها لأبطاله.

لا يثق سلمان رشدي بالغرب نظاما سياسيا ولطالما ندد به واقفا مع حق الشعوب في الدفاع عن نفسها وتقرير مصيرها. ولا يثق أيضا بالإعلام الغربي الذي لطالما سخر منه في رواياته ومقالاته وها هو اليوم يثبت وإن بطريقة مأساوية أنه كان على حق. فقاتله كان مدفوعا من جهة لا يريد الغرب أن يشير إليها لتنفيذ وصية الخميني في القتل.

ما أبشعها من وصية. يصر الخميني وهو الذي شبه وقف الحرب مع العراق بتجرع السم على أن يظل رمزا للشر حتى بعد وفاته.    

لقد اعتبرت الصحافة الإيرانية المجرم بطلا وليس من المستبعد أن ندعو إلى تسمية أحد شوارع العاصمة طهران باسمه.

هل ستُتاح لسلمان رشدي فرصة كتابة رواية عن محاولة اغتياله؟ أتمنى ذلك.