رامي الشاعر يكتب:
من الداعم الحقيقي للإرهاب.. روسيا ام أمريكا؟
أكد مدير دائرة أمريكا الشمالية في وزارة الخارجية الروسية، ألكسندر دارتشييف، على أن إعلان واشنطن روسيا دولة “راعية للإرهاب” سيعني عبورها نقطة اللاعودة مع أكثر الأضرار جدية بالنسبة للعلاقات الثنائية.
وكان مجلس الشيوخ الأمريكي قد تبنى مؤخرا قرارا يدعو الخارجية الأمريكية لإعلان روسيا دولة “راعية للإرهاب” بسبب “الأحداث في الشيشان وعملياتها العسكرية في جورجيا وسوريا وأوكرانيا”. كما يعمل مجلس النواب على مبادرة مماثلة، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، رأى أن الإدارة الأمريكية تعتقد أن إدراج روسيا المحتمل على قائمة “الدول راعية الإرهاب” لن يكون له تأثير فعلي، مضيفا أن التدابير التي تم اتخاذها ضد روسيا فعليا يساوي نفس التدابير التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أي “دولة راعية للإرهاب”، لذلك فالتأثير الفعلي هو نفسه. وتابع أن الإدارة الأمريكية لا زالت تدرس هذه المسألة لتحدد ما إذا كان إدراج روسيا على هذه القائمة سيتجاوب مع القوانين الأمريكية.
لقد اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان وزيرتها للخارجية، هيلاري كلينتون، (بالصوت والصورة) بتمويلها للقاعدة والمجاهدين الأفغان في حربهم ضد السوفيت في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي. ثم انقلب السحر على الساحر، وأصبح أسامة بن لادن العدو رقم 1 للولايات المتحدة الأمريكية. كذلك تعاونت أجهزة استخباراتية غربية أخرى مع تنظيمات جهادية في الشرق الأوسط وغيره من المناطق لتنفيذ مهام أخرى خاصة بثورات ملونة وانقلابات وزرع بؤر توتر حول العالم. وبعض تلك التنظيمات مصنفة كـ “إرهابية” من قبل هيئة الأمم المتحدة.
كذلك تتواجد الولايات المتحدة الأمريكية على الأراضي السورية، بشكل غير شرعي بحجة القضاء على التنظيمات الإرهابية، والحقيقة هي عكس ذلك لأن الولايات المتحدة الأمريكية هي من سهلت ونسقت وساعدت على تهريب السلاح إلى الأراضي السورية بشتى الأشكال المباشرة وغير المباشرة، وسهلت عمليات انتقال جميع أنواع السلاح والإرهابيين من مختلف مناطق العالم إلى سوريا، واستخدمت الآلة العسكرية الأمريكية قفازاتها الإرهابية على الأراضي السورية للضغط على دمشق ومحاصرتها بهدف القضاء على الدولة السورية، وهو ما كان على وشك الحدوث لولا تدخل القوات الجوية الفضائية الروسية، التي كان لها الإسهام الرئيسي في القضاء على الإرهابيين وإنقاذ الدولة السورية. وكل ما يشاع عن دور الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة الإرهاب في سوريا غير صحيح، بل هي مسرحية رافقتها حملة إعلامية شارك فيها أخصائيون من هوليوود لتصوير مقاطع قطع الرؤوس والإعدامات، التي كان الهدف منها ترويع الشعب السوري، لتسهيل عملية سيطرة الإرهابيين على دمشق والمدن السورية الأخرى. تلك هي الحقيقة التي يجب أن يضعها الكونغرس الأمريكي نصب عينيه، بينما يقوم بالتصويت على “اعتبار روسيا دولة راعية للإرهاب!”.
أما أن تصدر تلك التصريحات في شهر أغسطس، فذلك هو العجب العجاب، حيث تحتفل اليابان في مطلع أغسطس من كل عام بذكرى الأحداث المأساوية لعام 1945، حينما ألقى الطيارون الأمريكيون قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، وأسفر الانفجار الذري وعواقبه عن مقتل 140 ألف شخص من أصل 350 ألف نسمة في هيروشيما، وعن مقتل 74 ألف شخص ف ناغازاكي.
أن تقوم هذه الدولة ليس فقط “الراعية” للإرهاب، بل والتي مارسته وتمرّست فيه من رأسها وحتى أخمص قدميها، بالإشارة بأصابع الاتهام إلى روسيا، لدفاعها عن ثقافتها وعن مواطنيها وعن أمنها القومي وسيادتها ووحدة أراضيها، فذلك ما يثير الدهشة حقا.
ربما كان البرلمان الروسي هو من يتعين عليه مناقشة وضع الدولة التي قصفت العراق وليبيا وأفغانستان ودعمت جرائم وفظائع القمع والتنكيل والقتل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل من جانب الاحتلال الإسرائيلي، على قوائم الدول ليس فقط “الراعية الإرهاب”، وإنما “الدول والتنظيمات الإرهابية العابرة للقارات”.
على العكس من ذلك، وبالتعمق في تحليل سلوك الكونغرس الأمريكي بتأييد إسرائيل، ودعم تنظيمات إرهابية دولية حول العالم، والتواصل مع إرهابيين خطرين ودعمهم في أوقات مختلفة من التاريخ، ربما كان الكونغرس يخطئ في بوصلة الحركة، وما تسعى لدعمه الإدارة الأمريكية، ويشد على يدها الكونغرس، هو تشجيع الإرهاب الدولي، ومساندته، ودعمه أينما كان وأينما حل. فواقع ما يجري على الأرض يدفعنا للقول إن مشروع الكونغرس هو واقعيا “دعم سياسة الإرهاب” وليس مكافحته أو محاربته لا سمح الله.
إلا أن المرء يعذر الغرب لفقدانه حمرة الخجل، فمن تعود على الفجاجة في التصرفات، والتغول، وسرقة موارد الشعوب في إفريقيا طوال قرون، وتمددت سيطرته من جدار برلين شرقا حتى وصل إلى جورجيا ومولدوفا وأوكرانيا لا شك يظن أن العالم كله تحت قدميه، ويتوهم أن “المجتمع الدولي” يقف إلى صفه، حتى أنه يعلن ليل نهار أن “معظم العالم” يقف إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا، وذلك محض كذب وهراء، فلا يقف إلى جانب العالم “الغربي” سوى ما يتوهمه الغرب “مجتمعا دوليا”، أما واقع الأمر هو أن كثيرا من الدول التزمت وتلتزم الحياد.
إن ذلك يؤكد أن العملية العسكرية الروسية الخاصة تمضي بوتيرة هادئة لكنها واثقة وتتحرك في اتجاه واحد فقط، وهو ما يدفع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب إلى استخدام القفاز الأوكراني في مهاترات تتعلق بمحطة زابوروجيه للطاقة النووية، وهو لعب بنفس النار التي اكتوت بها هيروشيما وناغازاكي. إن ذلك دليل على الهزيمة لا النصر، فواشنطن تخسر كل ما خططته ونسقته خلال العقود الثلاثة الماضية، وتسعى بكافة الأساليب لإلهاء المجتمعات الغربية وسائر المجتمعات حول العالم، باستخدام سلاح الإعلام والمعلومات المكذوبة والمغلوطة والتضليل لغض البصر عن هزيمتهم. أما روسيا فهي تقوم اليوم بمهمة تحمل المسؤولية عن حماية العالم والسعي إلى التوصل إلى الأمن والاستقرار الدوليين، وربما يكون ذلك هو السر وراء تعاملها بالحكمة والثقة التامة بانتصار العدالة. فالحق فوق القوة.
لقد صدر لي كتاب عن دار التقدم عام 1988، يحمل اسم “السوفيت بين اليوم وغد”، شرحت فيه بالتفصيل مبادرة البيريسترويكا (إعادة البناء) من أجل انتقال العالم من مرحلة المجابهة، وصراع التسلح النووي، إلى مرحلة التعاون والتخلص من الأسلحة النووية. وكتبت آنذاك عن المبادرات شديدة الأهمية التي تقدمت بها روسيا لحل المنظومة الاشتراكية وحلف وارسو العسكري وتغيير النظام الاقتصادي من النظام الاشتراكي إلى اقتصاد السوق والانفتاح على الغرب وحل الاتحاد السوفيتي واستعادة الرؤوس النووية والتخلص من بعضها. إلا أن الغرب، بقيادة واشنطن، مع شديد الأسف حاول طوال الوقت خداع روسيا، على الرغم من توقيع اتفاقات خاصة بتقليص السلاح النووي بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بما في ذلك اتفاقية التسليح في الفضاء. كان عدم التجاوب الجدي، والمماطلة، والتسويف، وتمدد “الناتو” شرقا هو ما واجهته روسيا طوال العقود الثلاثة الماضية، وهو ما كان من المستحيل أن يستمر للأبد، خاصة بعدما وصل “الناتو” إلى عتبة الدار كما يقولون.
لقد صبرت روسيا إلى الحد الذي لم يعد من الممكن تحمله، بعد بناء أكبر قاعدة عسكرية ضد روسيا على الأراضي الأوكرانية، إضافة إلى عمليات القمع والتضييق والتنمر والقتل على الهوية في دونباس، ومنع اللغة الروسية والمدارس الروسية وقطع بث القنوات التلفزيونية والإذاعية الروسية على أراضي أوكرانيا، ما دفع روسيا إلى القيام بعمليتها العسكرية الخاصة والتي أفشلت جميع مخططات “الناتو” ضد روسيا. وما نراه اليوم من تصريحات عنترية من صغار الدول في محيط بحر البلطيق، ومن المهرج الأوكراني ونظامه النازي، والآن من الكونغرس الأمريكي، إنما يعبر بصدق عن روح الهزيمة التي يعجز فيها هؤلاء عن الرد على بسالة وتقدم الجيش الروسي في أرض المعركة، فيرتكبون الحماقات حول محطة زابوروجيه للطاقة النووية معرضين أوروبا بأسرها للخطر النووي الشامل، ويطلقون الترهات والتصريحات التي تؤكد على عدم مهنيتهم الصارخة، على غرار “عدم السماح للروس بالسفر” في انتهاك واضح وصريح لحرية التنقل المنصوص عليها بوضوح في القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث تنص المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حق كل فرد في حرية التنقل داخل الدولة، ومغادرة أي منها والعودة إلى بلده. يتناسى هؤلاء أن القواعد المتعلقة بحرية التنقل، المذكورة كذلك في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 2 من البروتوكول رقم 4 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
إن الحديث يدور هنا عن مستوى ضحل ومتدني من المعرفة السياسية، ومستوى مرعب من الجهل بالحقوق التي يدافع عنها هؤلاء الهواة من السياسيين الجدد على غرار المهرج زيلينسكي ورئيس الوزراء الإستونية وغيرهما ممن يطلقون تصريحات جوفاء تقف دليلا على هزيمتهم وخوائهم السياسي قولا واحدا.
ولا تبتعد الإدارة الأمريكية ولا ما يتم مناقشته في أروقة الكونغرس الأمريكي كثيرا عن ذلك السيرك الأوروبي، الذي يتم إخراجه من قبل محترفين، فما يدور في الكونغرس، وتحفظت عليه الإدارة الأمريكية يعني ببساطة قطع العلاقات الدبلوماسية مع روسيا في الوضع الدولي الراهن شديد الحساسية، وهو يعني كذلك تخلي واشنطن نهائيا عن حلفائها الأوروبيين، ووضع مصيرهم بيد روسيا، القوة النووية العظمى الثانية في العالم.
أظن أن السبب في التصعيد الأخير هو الشعور بفشل العروض الأخيرة للسيرك الأوروبي الهزيل، خاصة عندما ألمحت موسكو إلى تغيير جغرافيا الصراع إذا ما استمرت أوروبا في تدجيج الجانب الأوكراني بأسلحة متطورة، بل وأسلحة بعيدة المدى، يصل مداها من كييف إلى مناطق دونباس أو حتى إلى الأراضي الروسية، وهو ما أعتقد وارد الحدوث.
أما بصدد اعتبار روسيا دولة “راعية للإرهاب”، فتلك خطوة أظن أن إدارة الرئيس بايدن ستفكر مرتين قبل اتخاذها.