رامي الشاعر يكتب:
الجامعة العربية تبحث الإرهاب في أوكرانيا بطلب حكومتها.. والله عيب؟
انطلق يوم الخميس، 11 أغسطس، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، اجتماع لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين بطلب من أوكرانيا.
نعم، من أوكرانيا، لم يكن ذلك خطأ مطبعيا، وإنما بالفعل بدأ الاجتماع بطلب من أوكرانيا وبرئاسة سفير لبنان لدى مصر ومندوبها الدائم بالجامعة العربية، السفير علي الحلبي، والذي ترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس الجامعة، والأمين العام المساعد للجامعة السفير، حسام زكي، وذلك لـ “بحث آخر تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية، وجهود الوساطة العربية لإنهاء الأزمة”.
وقد وجه المبعوث الخاص لأوكرانيا لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، السفير ماكسيم صبح، كلمة إلى الاجتماع، عبر تقنية الفيديو كونفرنس، تناول فيها قضية توريد الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق، وقد توقع خسائر بنسبة الثلث في المحاصيل من أوكرانيا، ودعا الدول العربية إلى الانضمام إلى العقوبات المفروضة على روسيا، مشددا على أن حل الدولتين في فلسطين هو الحل الأمثل، ولافتا إلى ضرورة “استناده إلى قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة”.
إلا أن ذلك يأتي، للمصادفة السعيدة، بالتزامن مع تصريحات للسفير الأوكراني لدى إسرائيل، يفغيني كورنيشوك، قبل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي، وما تبع ذلك من تطورات، عبر فيها عن “تعاطفه كبير مع الشعب الإسرائيلي”، حيث “أصبح الإرهاب والهجمات ضد المدنيين من الروتين اليومي للإسرائيليين والأوكرانيين”!
يأتي ذلك بعد يومين من اغتيال القائد العسكري والقيادي البارز في كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، إبراهيم النابلسي، 9 أغسطس الجاري، وبعد بضعة أيام من عدوان على غزة كانت حصيلته 41 شهيدا من بينهم 15 طفلا و4 نساء، إضافة إلى 311 جريحا، وفي ظل توتر واضح في المشهد السياسي انتظارا لانتقام يشفي الغليل أو حتى جرعة جديدة من الحبوب المهدئة في صورة تصريحات تعد بما لا يحدث، لا بأس! إلا أن الحديث في أروقة الجامعة العربية حول “الإرهاب” الذي تتعرض له أوكرانيا، بالتزامن مع استهداف القوات الأوكرانية الخطير وغير المسبوق لمحطة الطاقة النووية بمنطقة زابوروجيه، وهي أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا، ويمكن ان تهدد القارة الأوروبية كلها بغبار نووي يترك مناطق بأكملها غير صالحة للسكنى لعقود قادمة، يجعل المرء يشك حقا فيما يسمعه ويراه، لربما يكون هناك جزء من المعلومات لا زال مفقودا، يمنع من فهم متسق للأمور والقرارات السياسية للجامعة.
على أي حال، كان ذلك اجتماع على مستوى المندوبين الدائمين، وربما يكون اجتماعا بروتوكوليا عابرا، ونحن بانتظار اجتماعات أكثر أهمية وتأثيرا، وربما تكون كواليس ذلك اللقاء قد حملت في طياتها ما يمكن أن نراه واقعا متجسدا خلال الأسابيع وربما الشهرين القادمين قبل القمة العربية في الجزائر مطلع نوفمبر المقبل.
لا زال الموقف العربي صامدا أمام الضغوط المختلفة والجهود الحثيثة من عدد من الأطراف للخضوع للإملاءات الغربية بالمشاركة في العقوبات ضد روسيا، وهو أمر يستحق الثناء بلا أدنى شك، إلا أن الموقف العربي يحتاج اليوم ما هو أكثر قليلا من الحياد، لا بصدد روسيا، وإنما بصدد إسرائيل، وتحديدا بصدد القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى.
كما أسلفت في مقالات سابقة، فقد نجحت روسيا في تعرية ازدواجية المعايير في المواقف من مختلف القضايا الدولية، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في معرض جوابه عن سؤال حول الاتهامات الغربية لروسيا بـ “خرق ميثاق الأمم المتحدة”، أورد الوزير نصا وصفه بالمثير للاهتمام، يتضمن نصائح لمن “لا يستطيعون النوم بسبب الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وهذه النصائح هي: أولا، تخيلوا أن هذا يحدث في إفريقيا أو الشرق الأوسط، ثانيا، أن أوكرانيا هي فلسطين، وثالثا، أن روسيا هي الولايات المتحدة الأمريكية”.
اليوم لم يعد هناك أي شك، خاصة بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والتي تعتبر نقطة التحول الفعلي من عالم أحادية القطبية إلى العالم متعدد الأقطاب، أصبح من الضروري بالنسبة لنا في العالم العربي أن نتخذ مواقف أكثر جدية وحسما بالدرجة الأولى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، للتوصل إلى حل عادل وشامل وتحرير الشعب الفلسطيني الأسير من الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، وكذلك المساهمة الفعالة في نفس الوقت في حل الأزمات السورية واليمنية والليبية، ومساعدة لبنان في حل مشكلاته الاقتصادية.
وبنفس الكيفية التي تساعد بها روسيا دونيتسك ولوغانسك، وهرعت لإنقاذ شعوب هذه الجمهوريات، تستطيع الدول العربية، إذا ما توفرت لديها الإرادة السياسية أن تحرر فلسطين، وأن تسهم في فرض أوضاع جديدة تجبر جميع الأطراف المتنازعة، سواء في سوريا أو اليمن أو ليبيا الاتفاق على خارطة طريق تحمل على أجندتها مشاركة جميع الأطياف، دون انتقاص حقوق أي طرف من الأطراف في تحديد مصير البلاد.
وأعتقد أن شعوب هذه الدول قد ذاقت ما يكفي من ويلات الحروب والصراعات والمواجهات، وأصبحت تدرك معنى الحرب الأهلية، وحمل السلاح ضد من يشاركك الأرض والماضي والمستقبل، وربما قد آن الأوان لشعوب هذه المنطقة الغنية أن تنعم بخيرات أراضيها ومواردها وأن تتعلم قيم قبول الآخر والمشاركة والحكم الرشيد.
إن العالم العربي، من خلال إمكانياته وموقعه الاستراتيجي لا يفتقد أيا من مقومات الدول العظمى، وبإمكانه أن يكون فعالا ومؤثرا في السياسة الدولية، وأن تكون له كلمة مسموعة في جميع المحافل الدولية، إلا أن ذلك لن يمر سوى من بوابة تحرير فلسطين، ويجب أن تكون العملية العسكرية الروسية الخاصة إلهاما خاصا لنا في الشرق الأوسط، لا أن نعتبرها “حربا على أوكرانيا” أو “غزوا لها”، فما حدث طوال العقد الماضي، وهو ما يخفيه النظام في كييف، وما أخفاه المبعوث الخاص لأوكرانيا لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، السفير ماكسيم صبح، خلال حديثه إلي الجامعة العربية يوم أمس، هو حرب على الهوية، وتنكيل بجزء من الشعب الأوكراني، لمجرد أن ثقافته روسية، وما حدث طوال هذه السنوات هو تدجيج لأوكرانيا بأنواع السلاح المختلفة، وإعداد العدة لكي تكون خنجرا في خاصرة روسيا، تمهيدا لتقطيع روسيا، وتحويلها إلى عدد من الجمهوريات يسهل التحكم فيها.
أقول إن انتهاء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا يجب أن تدفعنا أن نستغل فرصة التقاط العالم لأنفاسه، وأن نتخذ قرارات تاريخية تغير من وجه المنطقة، وتغير من حياة شعوبها، فلن تستطيع الشعوب العربية أن تنتظر عقدا أو عقودا أخرى بينما يقع أبناؤها شهداء دون يتموا العشرين (كان الشهيد إبراهيم النابلسي من مواليد 2003!)، إن دورا عربيا مصيريا تاريخيا حاسما هو ما تنتظره الشعوب العربية من قياداتها، وكما كانت نكبتنا في فلسطين هي نكبة كل العرب، فإن انتصارنا لها سيكون انتصارا لكل العرب، وستصبح الحرية لفلسطين مفتاحا يفتح كل الأبواب الموصدة أمام تنمية وازدهار ورخاء الشرق الأوسط.
لابد وأن تكون تختلف قمة الجزائر اختلافا نوعيا عن بقية القمم في ظل الظروف الدولية الراهنة، لابد وأن تكون بداية لتحرك عربي على جميع الأصعدة، للشروع فعليا في تحرير فلسطين والحفاظ على المقدسات الدينية في القدس، فلا مستقبل للسلام ولا لأوضاع طبيعية في العلاقات الدولية، ولن تنصت إلينا الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، دون تحرير فلسطين، وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
وليس القممع ولا الحصار الذي تفرضه دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية في الوضع الراهن سوى إهانة واستخفاف بمشاعر البشرية جمعاء، وليس تحديا ضد البلدان العربية فحسب. لهذا فيجب أن يصل إلى علم الولايات المتحدة الأمريكية أن الدول العربية لم تعد تخشى أي تهديدات عقابية ولا ردات فعل من واشنطن وتل أبيب، وأنها اتخذت قرارها الحاسم، الذي يشبه قرار روسيا للدفاع عن الدونباس، ولا رجعة عن ذلك لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.
إن العقوبات التي فرضها الغرب ضد روسيا، والتي جاءت بعكس ما يشتهي الغرب، وأصبحت وبالا عليه وعلى الولايات المتحدة الأمريكية، ستدفع الغرب نحو هوة اقتصادية وسياسية لا يعلم مداها إلا الله. ولن تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى بمعزل عن النيران، التي حتما ستطال الداخل الأمريكي، خاصة بعد واقعة اقتحام مقر الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب. بمعنى أن العالم يمر اليوم بتغييرات جذرية مخيفة، ولا يجب أن نبقى نحن العرب، في ظل هذه التغيرات محلك سر، بل يجب أن نحرك أشرعتنا لاستقبال الرياح القادمة من الشرق، بعد أن أهلكتنا رياح الغرب. فالصين وروسيا والهند هي مراكز قوى عالمية جديدة، سوف تكون مركز النظام العالمي الجديد، ويجب علينا اليوم أن نستعد لهذا النظام العالمي الجديد، وأن نجد لشعوبنا مكانا فيه طالما انتظرته، وطالما استحقته.
فهل تستعد جامعتنا العربية للنظام العالمي الجديد؟