فاروق يوسف يكتب:

سلمان رشدي في مواجهة الجهل المقدس

غزة

لا يحتاج سلمان رشدي إلى شهرة فائضة عن طريق عملية الاغتيال التي تعرض لها في نيويورك.

فالروائي الذي لم ينل حتى الآن جائزة نوبل وهو يستحقها عن جدارة، حاز على أعظيم الجوائز وكانت رواياته دائما تقف في مقدمة الكتب الأكثر مبيعا في السوق.

منذ عمله الروائي الأول “أطفال منتصف الليل” لفت رشدي انتباه القراء والنقاد والأكاديميين على حد سواء.

ومَن قرأ روايات رشدي يعرف جيدا أن تلك الأعمال يمكن تداولها شعبيا وفي الوقت نفسه فهي مادة مثيرة في حديث النخب الثقافية المطلعة على الأهداف الخفية التي يسعى الكاتب للوصول إليها وهي أهداف تقع في قلب النظام الرأسمالي - الاستعماري الذي طالما هاجمه ودعا إلى فضح مثالبه والكشف عن صورته القبيحة.

لم يكن رشدي يزدري الأديان، بل كان يسخر من رجالها المتاجرين بها، ولم يقتصر ذلك على دين بعينه، بل شمل جميع الأديان.

كان رشدي أذكى من أن يعلن حربا على دين، يعرف أن المنتسبين إليه صاروا هدفا لبغض الآلة الرأسمالية وكراهيتها وتمييزها بكل ما تحمله من أحقاد عنصرية. وعلينا أن نتذكر أن رشدي روائي وليس عالم اجتماع أو كاتبا سياسيا أو متخصصا في مجال الأديان.

رشدي الذي تعرض لمحاولة اغتيال قبل أيام كان ضحية كذبة انطلت على الخميني وهو رجل دين لا يقرأ الروايات وقد يعتبر قراءتها نوعا من قضاء الوقت بطريقة سخيفة.

ارتكب الخميني جناية كبيرة حين حكم على رشدي بالإعدام بسبب روايته “آيات شيطانية” بالرغم من أن حكاية تلك الآيات قد أقرها المؤرخون الإسلاميون القدامى والجدد.

ولأن الخميني رجل جاهل بعالم الرواية فإنه اعتمد على مَن قرأها وقدم له ملخصها. وعلينا أن نتخيل ما حدث.

قد يكون ذلك القارئ هو الآخر جاهلا بعالم الرواية. هل يكلف الخميني ومَن حوله رجلا ذا ميول مدنية بقراءة الرواية؟ بالتأكيد لا. كان ذلك القارئ أميّا لا يعرف من الكتب سوى تلك المحصورة بإطار ديني طائفي.

قراءة روايات سلمان رشدي يمكن أن تستفز كل إنسان بنى ثقافته على الدين وحده. فهو لن يفهمها ولن يستوعب ما الذي ترمي إليه.

لم يكتب رشدي رواياته للأميين ثقافيا. فهي روايات عالية المستوى معرفيا. لا تُقرأ تلك الروايات على سبيل الترفيه عن النفس إلا من قبل قراء أبرياء.

لقد تم توريط الخميني والضحك عليه في قضية لا علاقة له بها وهو الجاهل بالأدب بالرغم مما يُقال من أنه كان يكتب الشعر. فلا هو ولا المحيطون به ولا القراء الذين كلفهم بقراءة الرواية يمكن أن يفهموا شيئا من عالم سلمان رشدي الذي لا يمكن تبسيطه من خلال النظر إليه باعتباره محاولة لازدراء الدين الإسلامي.

ذلك تبسيط لا يمكن القبول به إطلاقا.

سلمان رشديولكنه مقبول بالنسبة إلى الأميين ممَن يصدقون أن الخميني هو ممثل الإمام الحجة الغائب وأن خامنئي هو خليفة ذلك الممثل وستستمر السلسلة إلى ما لا نهاية لأن ذلك الإمام لن يظهر فهو حسب مؤرخين إسلاميين لا وجود له وهو مجرد تكملة للعدد من أجل أن يكون المذهب الإثني عشري جاهزا للتداول الشعبي.

لقد استعمل الخميني هيبته لدى أتباعه في المكان الخطأ الذي يكشف عن جهله أولا وثانيا عن ميله إلى القتل العبثي والمجاني. ذلك ما أدّى إلى جرائم عظمى كانت محاولة اغتيال سلمان رشدي آخرها وقد لا تكون الأخيرة.

ما فعله الخميني هو عنوان لحرب قديمة ضد العقل. التفكير يُخيف العقول المقفلة على فكر متحجر. لم تكن الحكاية التي تضمّنتها رواية رشدي مهمة بالنسبة إلى الخميني. لم تكن الأفكار التي حملتها الرواية مهمة. لم يكن الأسلوب الروائي مهمّا. كان العنوان وحده يكفي لإثارة الغرائز الوحشية. هذا كاتب يعيدنا إلى واقعة سبق أن واجهناها بالإنكار. سلمان رشدي هو واحد من تلك الشياطين التي فشلنا في طردها من التاريخ. ما فشل الخميني في إدراكه أن الشياطين كانت بدعة انتهى زمانها وأن كاتبا بحجم سلمان رشدي إنما يكتب مدفوعا بقوة المعرفة وحب الوصول إلى الحقيقة. ليس لديه أيّ غرض عدواني مبيّت.

أولا كانت آيات شيطانية عملا أدبيا عظيما.

ثانيا لم يقرأ الخميني ولا أيّ من أتباعه وصولا إلى هادي مطر مرورا بحسن نصرالله تلك الرواية.

ثالثا تؤكد محاولة قتل كاتب الرواية بعد أكثر من ثلاثين سنة على صدور فتوى القتل أن الجهل لم يُهزم بل إنه ازداد قوة ومناعة.