د. عيدروس النقيب يكتب:
في حضرة مجلس القيادة الرئاسي
كانت الدعوة التي وجهها الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي لأعضاء اللجنة البرلمانية لدراسة موازنة الدولة، التي كان كاتب هذه السطور أحد أعضائها، فرصة للاستماع إلى ماذا تريد القيادة الجديدة للشرعية، وإلى طريقة تعاطيها مع التحديات التي جاءت لمواجهتها، أما الاهتمامات والهواجس السياسية والميول والتوجهات للمشاركين ولرئيس وأعضاء مجلس القيادة فهي معروفة سلفاً وقد تحدثت عن رأيي فيها عدة مرات.
لم أكن أتوقع حضور كل أعضاء المجلس الرئاسي هذا اللقاء لكنني توقعت أن يحضر ممثل واحد على الأقل عن كل جناح سياسي فيه وهو ما لم يحصل.
حمل حضور الرئيس ومعه نائبه اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عددا من المدلولات والمعاني جرى تصريفها على أوجهٍ متعددة حسب أهواء الصرافين والمصرفين؟
وقد نال الرئيس العليمي سيلاً من الشتائم والمقذوفات الكلامية من قبل المراكز والوسائل الإعلامية الموجهة والممولة من قبل نائب الرئيس سابقاً علي محسن الأحمر؛ وهذا ليس موضوعنا.
بيد أن غياب ممثلي حزب الإصلاح وممثلي الرئيس الأسبق (صالح) عن هذا اللقاء يحمل العديد من علامات الاستفهام لن يفككها ولن يجيب عنها إلا المعنيون أنفسهم.
تركز حديث الرئيس العليمي على الوضع المعيشي والاقتصادي ومشكلة الموارد وتصريفها!
واتضح أن موارد البلد في واد، وسلطة الدولة (المفترضة) في واد آخر وتبين من وثائق وزارة المالية أن محافظات إيرادية كبيرة لا تورد عائداتها المالية إلى خزينة الدولة، ومنها محافظتا المهرة ومأرب، كما اتضح أن عدن وحضرموت هما العماد الرئيسي لموارد الحكومة.
الحقيقة أن حديث الرئيس العليمي إلى لجنة الموازنة أثار لدي الشعور بالشفقة على الحالة التي تمر بها البلاد؛ مع أنني شخصيا كنت أتوقع الأسوأ مما سمعته، بعد ما لمست بيدي ورأيت بعيني الحالة التي يعيشها أبناء عدن وكل الجنوب، لكنني كنت أتوقع أن أسمع حديثا مبشرا من الرجل الأول في الدولة (المفترضة).
بعد نهاية الكلمة وأثناء مصافحة الرئيس العليمي ونائبه الزبيدي لأعضاء اللجنة استمر الاثنان في الحديث إلى المصافحين حول الوضع وتعقيداته وحينما صافحت الرئيس العليمي كان يتحدث عن أهمية دعم الحكومة ومساعدتها من قبل أعضاء البرلمان (ذي العشرين خريفاً)، ولما مددت يدي للتحية استمر بنفس السياق مبتسماً ثم مشيرا: ادعمنا بمقالاتك يا دكتور عيدروس!
في حقيقة الأمر إنني لا أتصور أن د. العليمي قد قرأ موضوعاتي التي كتبتها بعد توليه مهمة الرئيس، لكن من المهم في هذا المقام التأكيد بالنسبة لي على ثلاثة أمور:
أولها: إن مطالب الشعب الجنوبي باستعادة دولته هي قضية لا تقبل المساومة أو التأجيل أو الخداع أو التاويل، وإنه مهما كانت التحديات التي تنتصب أمام الجميع ومهما كانت الدسائس والمكائد التي يزرعها البعض في طريق تحقيق هذه الغاية فإن كل هذا لن يثني شعب الجنوب عن التمسك بحقه في استعادة دولته.
الثاني: إن دماء شهداء الثورة السلمية والمقاومة الجنوبية الذين سقطوا منذ بارجاش وبن همان حتى شهداء عتق بشبوة منذ أسبوع هي أمر لا يسقط بالتقادم وإن المطالبة بإنصاف هؤلاء الشهداء ورفاقهم من الجرحى والمصابين والمعوقين وضحايا الاعتقال التعسفي والمحاكمات الصورية هذا الأمر لا يقبل المساومة وإن من مصلحة الرئيس العليمي إنصاف هؤلاء الضحايا وتعويضهم وأهاليهم.
وفي هذا السياق أدعو أهالي شهداء وجرحى ثورة الحراك السلمي والمقاومة الجنوبية ومعهم جميع الحقوقيين الجنوبيين إلى استكمال الملف الذي كان قد بدأه الفقيد الخضر الميسري ورفاقه في منظمة "حق" للحقوق والحريات لتحقيق الحل المنصف والعادل لهؤلاء الأبطال.
الأمر الثالث: إن صفقة مشاورات الرياض وما انتجته بما في ذلك تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بغض النظر عن رضانا أو عدم رضانا عنه، تجعلنا جميعا شركاء في مواجهة المشروع الإيراني وهزيمة حامليه على طريق استعادة الدولتين الجنوبية والشمالية فهل سيفعل الآخرون ما يحقق هذه الغاية أم أنهم سيحافظون على الجماعة الحوثية للهروب من الاستحقاقات التي تلي إسقاطها.
سندعم سلطة الشرعية الجديدة بما يحقق العدل والإنصاف وبما يرفع المعاناة عن المواطنين الجنوبيين وكل المواطنين الواقعين في مناطق وجودها، لكننا سندعمها أيضاً بنقد عيوبها وتبصيرها بما يرتكبه البعض باسمها من جرائم تبلغ مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وأهمها جريمتا التجويع وحرب الخدمات التي يمارسها متنفذو هذه الشرعية ضد أبناء الجنوب، في محافظات وجود ونفوذ هذه الشرعية.