وليد ناصر الماس يكتب لـ(اليوم الثامن):
الأمة العربية...بين الدولة المدنية والثيوقراطية
تحدثت قبل مدة من الزمن ليست بالقصيرة على إن أميركا وبقية دول الغرب الاستعمارية، يحاربون الأنظمة اليسارية والقوى المدنية المعتدلة في بلداننا العربية، وبنفس الوتيرة يدعمون الأنظمة الدينية المتزمتة، والجماعات المتطرفة، والحركات الأصولية سنية وشيعية. قوبل حديثي يومها بعدم الارتياح من مختلف الأطياف الثقافية في المجتمع، إذ عدَّ أكثرهم ذلك ضربا من الخيال والجنون، لم يُطاق تناول هذه الأفكار ولو من زواية النقاش العابر، كانت الحجج تدور في حلقة لا نهاية لها، تتردد على مسامعي عبارات وصيغ مكررة تداولتها الأجيال عبر الأزمنة المتعاقبة منها: الغرب الكافر لن يرضى عن المشرق المسلم، وإن هناك حرب لا تتوقف لحظة بين الحق والباطل، وإن المسلمين يمثلون الحق في هذه الفرضية، ولن تهدأ هذه الحرب إلا بغلبة هذا الحق مع ظهور صاحب الزمان (المهدي المنتظر) التي أجمعت على ظهوره مصادر الجماعتين الإسلاميتين الكبيرتين السنة والشيعة، مع اختلاف في شكل كل رواية.
سأتوقف هنا كما سبق لي حينها عند جملة (الحق المبين والباطل الأثيم)، فأقول كما سبق لي ذلك، الغرب الصليبي يعادي النموذج الإسلامي الصحيح، ذلك النموذج الذي إن تحقق وظهر سيجعل من العرب تحديدا أمة واحدة قوية ومتماسكة، ويدفعها للبحث عن سبل النهوض بشعوبها وأوطانها، كي تصبح خير أمة في هذا الكون الشاسع، تدين لها بقية الأمم، وتتأسى بها الشعوب الأخرى.
غير أننا بطبيعة الحال أمام نسخ ونماذج لا تحصى ولا تعد للإسلام، تحمل من الإسلام الاسم، وتبتعد أكثر عن روحه وجوهره المكرسة لقيم الأخوة والمحبة والتسامح.
لقد تحدث نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام بوضوح عن واقعنا اليوم، في حديث صحيح عن تلك الفرق التي ستبلغ ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وفي ذلك تأكيد بالغ الدلالة على ابتعاد الغالبية الساحقة من الجماعات المتأسلمة السائدة اليوم عن الطريق القويم.
*لماذا يشجع الغرب الأنظمة المتطرفة والجماعات المتشددة؟.*
*وما مصالح أعداء الأمة العربية في وصول أنظمة دينية لسدة الحكم؟..*
رغم التجانس الكبير بين أبناء هذه الأمة وهذا شيء معروف، إلا إن هناك تنوع ديني ومذهبي وعرقي واسع، هنالك المسلمين والمسيحيين واليهود والوثنيين، وهناك السنة والشيعة فضلا عن وجود عدة مذاهب في كل طائفة، وهناك العرب والأكراد والأمازيغ وغير ذلك من العرقيات الأخرى، هذا التنوع الكبير يتطلب وجود دولة مدنية متعقلنة وعادلة تحترم الإنسان بقطع النظر عن هويته الفرعية.
حدوث استقرار في بلداننا العربية، يعني بجملة دقيقة حرمان الغرب من الكثير من مصالحه غير المشروعة بهذه المنطقة.
*لكن ما الذي سيضمن للغرب استئثاره بمقدراتنا دون أنفسنا؟.*
الجواب: أنها الفوضى، فهي بحق كفيلة بذهاب خيراتنا إلى أيدي أعدائنا.
*كيف تحدث الفوضى إذا؟..*
الجواب: بتسليم زمام الأمور لأنظمة دينية عبثية لا تؤمن بالآخر ولا تقر بحقوقه، تدير الأمور وفق عقلية متعصبة متعجرفة، قائمة على إقصاء خصومها المختلفين معها في الدين والمذهب والعرق، وذبحهم من الوريد إلى الوريد، هذا السلوك كفيل بتفجير صراع الهويات الضيقة داخل كل بلد، فتعم الفوضى والاقتتال، وتتشرذم الأمة الواحدة إلى كانتونات متناهية في الصغر، تتقاتل مع بعضها إلى آخر نبض، حتى تغدو بلدانها هزيلة راكعة متأخرة على مختلف المستويات، غير قادرة على الانتفاع بمواردها، التي ستذهب حتما لأعدائها.
*كيف يتمكن الغرب من تنفيذ أهدافه دون إن تكون هناك أي ممانعة؟.*
ببساطة المؤامرات الداخلية كانت رأس حربة للمشروع الاستعماري.
بدأ الغرب بإسقاط الأنظمة الوطنية في منطقتنا العربية بالتعاون مع عملائه بالداخل العربي، وأضعف بعضها مما أفقدها القدرة على لعب أي دور معيق لمشروعه.
كما حدث ذلك لليمن الجنوبي والعراق والجزائر ومصر وسوريا وليبيا وتونس والصومال، ثم عمل بتسهيل وتمويل عربي على الدفع بالحركات المتأسلمة نحو السلطة بعدة صور وأشكال.
*ما هي أبرز الأنظمة الإقليمية التي لعبت دور تخريبي في منطقتنا؟.*
سأذكر هذه الأنظمة هنا وفقا لمستوى الضرر الذي ألحقته بأمن واستقرار أمتنا العربية: (النظام السعودي، النظام الإيراني، الكيان الصهيوني)، وللأسف استوحت هذه الأنظمة الثلاثة مسألة وجودها وضرورة بقائها ومد نفوذها تبعا لنظريات دينية تؤمن حصريا بها، إذ ترى وفق منظور متعصب، إن هناك حق إلهي ممنوح لها في ظلم الآخرين وسلب حقوقهم، بل وسفك دمائهم في حال قيامهم بأي فعل سلوكي معيق.
*كيف يمكن اليوم للعرب الخروج من وضعهم المزري؟..*
إغراق منطقتنا بالفوضى حدث من خلال مؤامرة كبرى ومحكمة، جرى التهيئة والإعداد لها منذ عقود، وأُنفقت في سبيل تمريرها أموال طائلة أغلبها عربية، ونعتقد إن قد بلغت ذروتها اليوم، وتجاوز هذا الواقع الأليم يتطلب عمل مدروس ومنسق، في ظل وجود قيادات عربية فاعلة ومخلصة تؤمن بضرورة إنقاذ الأمة من وهدتها، بالقضاء على مسببات الصراعات، وتضييق هوة الفرقة والخلاف بين الجماعات الدينية منعا للمزيد من الانقسام مستقبلا، وتجفيف منابع التمويل التي تتلقاها بعض الجماعات المتأسلمة، مع مراجعة شاملة للمناهج الدينية المتداولة حاليا، وتوظيفها بشكل بناء لا يضر بأمن الأمة وسلمها الأهلي، مع منع بل وتجريم إنشاء الأحزاب والحركات السياسية وفقا لخلفيات دينية وعرقية ضيقة.