محمد خلفان يكتب:

استنتاجات سياسية في عودة السفير الإماراتي إلى طهران

الاستنتاج الأدق لقرار دولة الإمارات بعودة سفيرها إلى طهران، مؤخراً، يتلخص في: أن الخطوة الإماراتية لم تكن مفاجئة ولا هي بعيدة عن السياق الدبلوماسي العام لها منذ أغسطس من العام الماضي (على الأقل) عندما أعلنت عن مبادئها العشر للخمسين عاماً المقبلة والتي اعتبرت بعضها أن جوارها الإقليمي هو عمق الإمارات الاستراتيجي؛ وبالتالي لا بد من العمل مع بعضنا لتحسين أساليب العيش المشترك والتنمية.

وإذا أردنا أن نعمق من هذا الاستنتاج ونفهمه بشكل أوسع فإننا نستطيع القول: إن العلاقات بين دولة الإمارات وإيران تتطور بوتيرة كبيرة ليس فقط انطلاقاً من نشاط الدبلوماسية الإماراتية الجديدة في الانفتاح على الجميع، وإنما في الحقيقة، وفق معطيات وخطوات عملية من الطرفين شهدتها الفترة الأخيرة تمثلت أبرزها في الزيارة التي قام بها سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات، في ديسمبر من العام الماضي إلى طهران قابل خلالها العديد من المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم الرئيس إبراهيم رئيسي.

كما تمثلت تلك الخطوات في الاتصالات المتبادلة بين المسئولين في البلدين آخرها الاتصال بين سمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي، وأمير حسين عبداللهيان وزير الخارجية الإيراني.

أما عن الفهم الأبعد للخطوة الدبلوماسية الإماراتية، فإنها تشير إلى مرحلة جديدة من العلاقات الخليجية – الإيرانية وربما العربية ويدعم هذا الفهم متغيران.

الأول: قد تكون دولة الإمارات هي أول المبادرين في التحركات الدبلوماسية العربية عموماً والخليجية خاصة تجاه الآخر، ولكن تلك التحركات عادة ما تتم بعد تشاور الإمارات وتنسيقها مع الأشقاء، لأنها تؤمن بأهمية التضامن والعمل العربي المشترك، فكما كان سحب السفير الإماراتي من طهران قبل ست سنوات تضامناً ضد الاعتداءات التي تمت على المقار الدبلوماسية السعودية، فإن علينا أن ندرك أن هناك تفاهمات خليجية عامة مع إيران.

المتغير الثاني: أن هناك حالة عامة إقليمية (وقد تكون دولية) من الرغبة المشتركة في تهدئة الملفات الساخنة في هذه المنطقة الملتهبة دائماً، وهي الأكثر أهمية في الاستقرار العالمي من حيث: أمن الطاقة وأمن الممرات المائية العالمية وهو ما يحتاج إلى إيجاد صيغة من التفاهم بين دول هذه المنطقة.

كما أن هناك قناعة سياسية تتوسع مع مرور الوقت بأن الحوار والتفاوض ينبغي أن يكون هو الأساس والمبدأ في حل الخلافات بين الدول وهذا ما صارت تؤكد عليه وبقوة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وعلى رأسها دولة الإمارات خاصة خلال أزمتي أوكرانيا وتايوان.

بلا شك إن عودة السفير الإماراتي إلى طهران هي تطور مهم على المستوى الإقليمي وهي تأكيد على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية التاريخية التي تربط البلدين والشعبين وبما يخدم مصلحتهم. وهي بادرة دبلوماسية إماراتية لخلق بيئة سياسية تساعد على العمل الإقليمي المشترك.

إلا أنه في مقابل كل هذا لا يعني تجاهل الخلافات الموجودة أو غض الطرف عن القضايا الإيرانية مع الدول الخليجية أو مع الإمارات وإنما هو نهج مختلف وجديد في التفكير بما يخدم مصالح شعوب هذه المنطقة والشعب الإيراني لأن الأزمات والتحديات كما أوضحتها أزمة «كورونا» تحتاج إلى تشارك جهود الجميع وتوحيدها.

الخطوة الإماراتية تجاه إيران مهمة من منطلق اعتبارات كثيرة منها الجوار الجغرافي، إلا أن الدبلوماسية الإماراتية تتحرك مع جميع دول العالم لتحقيق رؤيتها للخمسين عاماً المقبلة حيث حدد مبدأ رقم (3) بأن هدف سياستها الخارجية هو خدمة اقتصاد الدولة من أجل توفير حياة أفضل لشعب الإمارات.