طارق فهمي يكتب:

إسرائيل.. حسابات حذرة من مسارات مفاوضات النووي

تتجه إسرائيل لتصعيد موقفها السياسي والأمني مع دخول المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة مرحلة متقدمة.

إذ إن هناك توقعات بالتوصل إلى اتفاق بصرف النظر عن الشروط الإيرانية الأخيرة، التي أعلنها الرئيس الإيراني، وتركزت في أربعة شروط تتعلق بتحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحصول إيران على ضمانات موثوقة، والتحقق العملي، ورفع دائم للعقوبات الاقتصادية.

والواضح أن إسرائيل على مقربة مما يجري من مسارات ما ستؤدي إليه المفاوضات الراهنة، والتي لا تقتصر على الجانبين الإيراني والأمريكي، وهو ما قد يمثل ضغطًا على الأطراف المتفاوضة بشكل مباشر، خاصة أن فكرة المفاوضات الحقيقية أعلنت عن نفسها في سياق إقليمي ودولي مختلف، ومن خلال مقاربات سياسية واستراتيجية يمكن الوثوق بنتائجها.

الولايات المتحدة لن تذهب بأكثر مما ذهبت في الوقت الراهن من تقديم تنازلات حقيقية وكبيرة ولافتة سيكون لها تأثيرها السياسي والاستراتيجي لاحقا، والذي سيكون مدخلا لما هو قادم من انعكاسات بعد توقيع الاتفاق النهائي.

تعمل إسرائيل في اتجاهات عدة، وتبعث برسائل غير مسبوقة، وتندفع بقوة نحو خِيارات واتجاهات مباشرة، ما قد يكون له الأثر الأكبر في فهم ما سيجري مستقبلا من تحديات وتهديدات على أمنها، فهي تعمل على نقل رسالة بأن مواجهة إيران أولوية متقدمة لديها، ويجب أن تتم في إطار حازم ليس فيه مراوغات.

وتتحدث إسرائيل عن البدائل الكبرى وحدود استخدام القوة ومبرراتها في حال السماح للجانب الإيراني بالحصول على مكاسب، أيا كان شكلها، وهو ما تراه ماسًّا بأمنها في كل الخيارات الواردة، كما ستراهن على مزيد من التعاملات الصعبة، والتي لا يمكن لإسرائيل القبول بها، بل بالعكس الوقوف في مواجهة السياسات الأمريكية والأوروبية، التي تدعو للعمل مع إيران وعدم الاستمرار في النهج التصاعدي حيالها، واعتماد مقاربة معتدلة حال التزام الجانب الإيراني، وهو ما لن يحدث وفقا للتقييم الإسرائيلي.

في مثل هذه الأجواء المعقدة بالفعل، فإن المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل باتا على قناعة تامة بقرب التوقيع على الاتفاق النووي، الذي يعتبرونه "أسوأ بكثير من اتفاق 2015"، ووصفه رئيس الموساد، ديفيد برنياع، بأنه "كارثة استراتيجية"، وأن إيران تخطّت عتبة القدرة على تخصيب اليورانيوم لدرجة صنع سلاح نووي، مع تأكيد  الحل الوحيد لردع القنبلة الإيرانية وهو توجيه تهديد بخيار عسكري حقيقي.

والمعنى المحدد أن إسرائيل لن تكون ملتزمة بالاتفاق النووي، وستستمر في العمل من أجل أمنها ومحاصرة الجهود النووية الإيرانية.. بل إن الإشكالية الكبيرة تكمن في  تفاصيل المشروع العسكري الإيراني، ألا وهو الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، وتفعيل دور الأطراف الوكيلة ضد إسرائيل والإقليم.

تتخوف إسرائيل من أن تدفع المستجدات المطروحة في الساحة الدولية لتقديم مزيد من التنازلات للجانب الإيراني، فعلي سبيل المثال -وفقا للرؤية الإسرائيلية- هناك تناقض كبير في المصالح نشأ منذ الحرب في أوكرانيا، بين إسرائيل ودول المنطقة من جهة، وبين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى.

وتسعى الولايات المتحدة إلى ضخ النفط الإيراني إلى الأنابيب الغربية لتعويض وقف الغاز الروسي، وهي تدرك أن هذه العملية ستؤدي إلى ضخ المليارات إلى الخزينة الإيرانية، كما أن رهانات إسرائيلية بأن الاتفاق سيتيح لإيران نقطة خروج محتمل من الاتفاق بعد عامين ونصف العام، وأن كل ما يحققه الاتفاق الآن هو تمديد ما يتم التوصل إليه حتى الموعد الذي تتمكن فيه إيران من استئناف تسريع خطواتها نحو النووي، وهذه المرة سيتم الأمر برعاية دولية وأممية كبيرة.

إن أكثر ما يزعج إسرائيل قبل توقيع الاتفاق النووي النهائي أنها ليست طرفًا مباشرًا في معادلته، ولن تستطيع القيام بأي عمل لإفشاله برغم استمرار الحوار الإسرائيلي الأمريكي، وتتالي زيارات المسؤولين الإسرائيليين لواشنطن، في ظلّ القناعات الأمريكية والدولية بضرورة عودة الاتفاق النووي مع إيران بالطرق الدبلوماسية، بعيدًا عن رغبة إسرائيل، التي تريد حلا عسكريًّا فقط.. حيث خلصت إسرائيل إلى أن المسودة الأخيرة للاتفاق النووي تعد تنازلا كبيرًا من واشنطن عن خطوط حمراء كانت قد وضعتها سابقًا.

ويستكمل هذه المقاربة تركيز المستوى السياسي الإسرائيلي في رؤيته الشاملة للترتيبات الجديدة المتعلقة بأجزاء البرنامج النووي، التي تقدمت فيه إيران مؤخرا، وهذا ينطبق على مستويات التخصيب العالية، ونتائج ذلك على إزالة المواد الانشطارية خارج حدود إيران.. وكذلك على تشغيل أجهزة الطرد المركزي الجديدة، التي ستبقى على أراضيها.

ورغم التواصل المباشر بين إسرائيل وإدارة بايدن، فإن قدرة تل أبيب على التأثير في المرحلة الحالية من مفاوضات النووي محدودة.. لأن الإدارة الأمريكية لا تزال ترى الحل الدبلوماسي هو أفضل طريقة مع إيران، كما أنه لا ينبغي أخذ مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل على أنها واحدة ومتوافقة، وأنه لن تكون هناك خلافات في الرأي فيما يتعلق بمسارات العمل المطلوبة والمتوقعة.

فمن المتوقع ألا تتوقف إسرائيل عن محاولات عرقلة التوصل إلى اتفاق بين إيران والقوى الكبرى، ليس فقط بشأن البرنامج النووي، ولكن بشأن باقي الملفات، فالمفضل سياسيا واستراتيجيا لإسرائيل أن تظل إيران محاصَرة ومعزولة، سواء إقليميًّا أو دوليًّا، وحتى في حال التوصل إلى اتفاق نووي بين طهران والولايات المتحدة، فستواصل إسرائيل استهداف إيران لإضعاف نظامها الداخلي، وإحباط دعم وكلاء طهران في دول المنطقة، والتي تمثل تهديدًا أيضًا للمصالح الكبرى لإسرائيل في محيطها الإقليمي.