صابر بليدي يكتب:
إسقاط ورقة سوريا من قمة الجزائر.. تفكيك لغم أم زرعه
تضاربت القراءات بشأن الإعلان المفاجئ عن عدم طرح عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية بين من يراه لغما انفجر في طريق القمة العربية المنتظرة في الجزائر مطلع شهر نوفمبر المقبل، وبين من يرى أنه لغم حقيقي لكن تم تفكيكه قبل أن ينفجر.
فوجئت الجزائر بإعلان القيادة السورية عدم طرح مسألة عودتها إلى الجامعة العربية، ولذلك تسعى لاحتواء الموقف المستجد عبر الترويج لقراءة مناقضة للتي ترى بأن الرافضين لعودة دمشق قد فرضوا منطقهم قبل انعقاد القمة، وذلك بالقول إن سوريا قدمت خدمة للجزائر بالموقف المذكور، لأنها سحبت أهم ورقة كان يلوّح بها هؤلاء لإجهاض القمة قبل انعقادها.
لكن ذلك لا يغفل أن الخطاب الذي سوّقت له الجزائر منذ الإعلان عن عقد القمة العربية القادمة على أراضيها تبخر في لمح البصر، فلقد ظلت طيلة الأشهر الماضية تتخذ من عودة سوريا إلى الجامعة العربية أحد أبرز الملفات التي ستطرح في القمة المذكورة، وأن عودة دمشق ستكون فرصة للمّ الشمل العربي، رغم أنها تدرك بأن قوى فاعلة داخل المجموعة العربية لا زالت ترفض عودة النظام السوري.
وتبقى القمة العربية أهم استحقاق تراهن عليه السلطة الجديدة في الجزائر وتسعى لتحقيقه، بغية كسب نقاط جديدة في سلّم الشرعية الشعبية داخليا وإقليميا، ولذلك تروّج الأذرع الإعلامية والسياسية الموالية لها لضرورة إنجاح القمة، رغم علمها المسبق أن حظوظ القمم العربية في تفعيل العمل العربي المشترك ضئيلة جدا، خاصة في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة والخلافات العميقة كما هو الشأن حاليا بين الجزائر والمغرب وبين تونس والمغرب.
النظامان السياسيان في الجزائر ودمشق قد أدركا بأن تشابههما ودعم السلطة الجزائرية لنظام بشار الأسد لم يسمح للأول باستغلال الحلم لتحقيق مكاسب إضافية، وللثاني بالعودة إلى موقعه الطبيعي
وجاء الموقف السوري الأخير ليلغّم مسار القمة المذكورة ويفقد القمة أحد أبرز نقاط جدول الأعمال، ويجعلها فرصة تعارف ومجاملات للقادة الحاضرين في أحسن الأحوال، لأنه إذا لم يتم التوافق على عودة سوريا فإن الملفات الأعقد في الشأن العربي يكون من المستحيل طرحها للمعالجة، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات العربية – الإسرائيلية، والعلاقات العربية – الإيرانية والقضية الفلسطينية والتعاون الاقتصادي والاجتماعي.
ويبدو أن الجزائر، التي تتجاهل فتور علاقاتها مع بعض الأطراف العربية، تصر على عقد القمة المذكورة، وهو ما يثير الاستفهام حول الحضور والتمثيل ونوعيته، وفرص الفشل والنجاح الواردة، وقد يكون النظامان السياسيان في الجزائر ودمشق قد أدركا بأن تشابههما ودعم السلطة الجزائرية لنظام بشار الأسد لم يسمح للأول باستغلال الحلم لتحقيق مكاسب إضافية، وللثاني بالعودة إلى موقعه الطبيعي، وهي فرصة لا تتكرر وقد تكون آخر أمل في عودة سوريا إلى المجموعة العربية.
ورغم ذلك تبدي الدبلوماسية الجزائرية تمسكها باحتضان القمة العربية، وهي تعتزم إيفاد مسؤول رفيع في الدولة قريبا إلى الرباط، يرجح أن يكون وزير الخارجية رمطان لعمامرة، لحمل رسالة الدعوة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، في ذروة الأزمة السياسية والقطيعة الاقتصادية القائمة بين البلدين منذ عدة أشهر.
ولئن كان مستبعدا أن يدور في مخيلتها إمكانية حضور العاهل المغربي، كما جرى في قمة العام 2005 عندما كانت علاقات البلدين على حالة من المرونة، فإنها ترمي من وراء ذلك أداء دورها ومهامها كمحتضن لقمة عربية توجه فيها الدعوة إلى جميع الأعضاء وعدم ظهورها في ثوب المنظم المقصي للآخرين.
كما أعطت الانطباع في تصريحات دبلوماسييها بأن موقف سوريا جاء ليفوّت الفرصة على الأطراف التي كانت بصدد استغلال طرح عودة سوريا إلى الجامعة العربية من أجل إجهاض قمة الجزائر، وأنها بذلك سحبت البساط من تحت أقدامهم وقدمت للجزائر حجة لانتفاء ذريعة أحد أكبر الملفات الخلافية في المجموعة العربية.
ولو أن ذلك لم يضمن لها احتضان القمة وتنظيمها في ظروف عادية، بسبب الخلافات الثنائية وتباعد الرؤى والتصورات في ملف العلاقات العربية – الإسرائيلية والعربية – الإيرانية، وحتى التطمينات التي قدمها الرجل الأول في الهيئة أحمد أبوالغيط، تبقى غير مطمئنة قياسا بتعدد خطاب دبلوماسيي الجامعة العربية.