صابر بليدي يكتب:

الجزائريون بين الانتظار والترقب: ماذا تحمل الولاية الثانية للرئيس تبون؟

لم تخرج الانتخابات الرئاسية الجزائرية عن حدود التوقعات التي طبعتها منذ مدة طويلة. الآن، الولاية الرئاسية الثانية هي بين أيدي الرئيس عبدالمجيد تبون والسلطة معا، لتنتقل الأنظار إلى ما سيقدمه الرجل والفريق العامل معه، وحتى آلة الحشد للجزائر في غضون السنوات الخمس القادمة.

لقد شفع وباء كورونا والوعكة الصحية للرجل لتأخر عمل الولاية الرئاسية الأولى، لكن الحصيلة التي ارتكزت عليها السلطة في الترويج لمرشحها، خاصة في شقها الاقتصادي والاجتماعي، بعد ورود شهادات مؤسسات مالية دولية، ليست بذلك اللون الوردي. فهناك من يعتبرها سنوات تفقير الشعب وهروب الشباب عبر قوارب الحرقة إلى الضفة المقابلة، كما أنها سنوات كتم الأصوات المخالفة وبسط هيمنة الرأي الواحد على البلاد.

إلى وقت قريب، صرح رئيس الحكومة السابق وعراب الديمقراطية والتعددية في الجزائر مولود حمروش بأن “النظام يفتقد إلى آليات الاستماع إلى نبض الشعب، ولا يستمع إلا لنفسه.. شيخوخة النظام لا تتواءم مع طموح وتطلعات الجزائريين إلى حاضر ومستقبل أفضل”، وهي مقولة اختزلت مضمون الأزمة السياسية في الجزائر، والتي يتوجب على تبون الالتفات إليها وإيلائها الأهمية اللازمة، خاصة بعد العبر التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

التركة ستكون ثقيلة على كاهل الرجل، وليس كما يعتقد البعض من مريديه بأنها مرحلة إطلاق القاطرة على السكة، لأن الاختلالات الحقيقية بدأت في التجلي ببقاء نفس الأزمة السياسية والشرعية

أبانت السلطة الجزائرية بقيادة عبدالمجيد تبون، منذ انتخابه نهاية العام 2019، عن حزمة من الخيارات والتصورات الداخلية والإقليمية، والبلاد الآن تحصد نتائج تلك السياسات بإيجابياتها وسلبياتها. ولذلك، يتطلع الجزائريون إلى ما يكون الرجل الأول في البلاد قد استوعبه من اختلالات وأخطاء، أم أنه يظل وفيا للخط الذي رسمه منذ خمس سنوات.

منذ مدة، تم حشد الآلة الدعائية والشعبية والسياسية من أجل تمرير الولاية الثانية، على أمل تجاوز عقدة الشرعية الشعبية والذهاب إلى سياسات وخيارات لا يمكن أن يعاتبه عليها أحد داخل دوائر القرار، بما أنه يستند إلى صوت الشعب الذي انتخبه. إلا أن الإفرازات جاءت معاكسة ومفاجئة للجميع، بعدما أثبتت أن 19 مليونا، من مجموع 24 مليون جزائري، مقيدين على لوائح الانتخاب غير معنيين بالاستحقاق الرئاسي، وأن كل الملحقات التي ركبت سفينة السلطة لم تحقق له إلا الجزء اليسير جدا مما حققه هو شخصيا في 2019 و2024.

وهنا تظهر القطيعة وحتى الطلاق البائن بين الشارع الجزائري وبين النخب السياسية والرسمية في البلاد، وهذا هو الذي سيعيق الرجل في ولايته الجديدة، ويجعل المسألة تتعدى مجرد خطاب عن إنجازات اقتصادية واجتماعية وشهادات مؤسسات دولية، إلى عمق الأزمة التي تتطلب إرادة سياسية قوية للقطع بين تكريس الأحادية وإعادة الكلمة للمجتمع ليعبر بحرية عن أفكاره وتصوراته لإدارة وتسيير نفسه.

لما عُين رئيسا للوزراء في صائفة العام 2017، بعد الانتخابات التشريعية، بدا الرجل أنه عدو الأوليغارشيا الحاكمة آنذاك، ولذلك لم يعمر إلا 80 يوما في قصر الدكتور سعدان، قبل أن تعيده التوازنات والتحالفات إلى الواجهة وتدفع به رئيسا للجمهورية في 2019. لكنه لم يكن وحده في صناعة القرار، بدليل اعترافه في أكثر من مناسبة بوجود لوبيات ودوائر تعمل على إجهاض برنامجه وتأليب الشارع ضده، لكن الشارع كان يقول: أنت الرئيس، إذا لم تقدر عليهم أنت، من يقدر عليهم؟

ولما قدم حينذاك في حملته الانتخابية 54 تعهدا، تبركا بتاريخ اندلاع ثورة التحرير، لم يكشف في حملته الانتخابية الأخيرة عن الأسباب التي جعلته لا يكمل بعض تلك التعهدات، هل كانت طبيعية أم بفعل فاعل، واكتفى بترديد وعود أخرى يبدو أن مرورها على غربال محيطه جعله يفتقد للمعطيات الدقيقة، على غرار رفع الناتج الداخلي الخام من 230 إلى 400 مليار دولار في ظرف عامين، وهو سقف لا يتحقق إلا بتسجيل نسبة نمو خارقة، يجمع الخبراء على أن شروطها ليست متوفرة حاليا بالجزائر.

لقد ظهرت سلطة ما بعد مرحلة الحراك الشعبي بتصوراتها وخياراتها التي فرضت على المجتمع فرضا، لكن النتائج لم تكن موفقة بالشكل اللازم، بدليل بقاء دوامة الأزمة السياسية في دورتها الأولى، بعد امتناع 19 مليون جزائري عن التصويت، وعدم قدرة مؤسسة رسمية على تنظيم استحقاق انتخابي بشفافية ونزاهة، وبقاء نفس أزمة الشرعية الشعبية قائمة في البلاد. ولذلك، فإن الرئيس تبون مطالب بالالتفات إلى هذا الوضع المهدد لبنية الدولة، عبر إطلاق آليات وقنوات الحوار والتعبير والاستماع إلى جميع الجزائريين.

الأزمة شاملة والحلول يتوجب أن تكون شاملة أيضا، والارتكاز على إنجازات اقتصادية لا يمكنه التغطية على توسع دائرة الفقر والغلاء الفاحش، ودعم الرواتب والمنح والمعاشات لا يمكنه معالجة تدهور القدرة الشرائية، مع انعكاساتها على استقرار الجبهة الاجتماعية.

هناك خلل كبير جار تجاهله، وهو فرار الشباب وحتى العائلات والكهول والقصر إلى الضفاف الأخرى عبر قوارب “الحرقة”. ففيما كانت الأنظار مصوبة إلى الانتخابات الرئاسية، كانت قوافل الهجرة السرية في أوج نشاطها، استغلالا لاستقرار البحر ولتركيز السلطات المختصة على الشأن الانتخابي، وتلك رسالة يستوجب أن تقابلها آليات أمل وثقة لبقاء هؤلاء في أحضان وطنهم وعائلاتهم. والرئيس تبون هو الشخص الوحيد الذي يتحمل المسؤولية الأخلاقية والمعنوية تجاه هؤلاء.

ستكون التركة ثقيلة على كاهل الرجل، وليس كما يعتقد البعض من مريديه بأنها مرحلة إطلاق القاطرة على السكة، لأن الاختلالات الحقيقية بدأت في التجلي ببقاء نفس الأزمة السياسية والشرعية، وعدم تطابق بيانات الاقتصاد الكلي على الاقتصاد الجزئي. وهذا ما يتطلب خطة عمل دقيقة ومحكمة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وليس الانصياع وراء طبول الانتهازيين والوصوليين.