محمد خلفان يكتب:
العراق.. الاختلاف لحظة وجب الاتفاق
من مفارقات المشهد السياسي العراقي، أنه في الوقت الذي كان ينتظر فيه العراقيون وغيرهم من محبيه، مزيداً من التضامن والتعاون والتكاتف بين الكتل والقوى السياسية المختلفة، لبناء «عراق جديد»، بعد الانتخابات المبكرة التي أجريت في 10 أكتوبر 2021، فإن الخلافات (بعضها سياسية)، ولكن أكثرها مصالح شخصية، انفجرت بين تلك القوى، وتسببت في انسداد ثم احتقان سياسي، هددت انهيار مؤسسات الدولة، بعدما صار اقتحامها والاعتصام فيها ظاهرة، وبالتالي، انزلاق البلد إلى حرب داخلية.
إن اللافت في هذه الأزمة الحادة، التي يعيشها العراق حتى الآن، رغم المساعي الحميدة لبعض قادته، وعلى رأسهم رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، أنها بين أبناء الوطن الواحد، وقادة سياسيين، انتظر الكثيرون منهم الخروج بحكومة وطنية، تعيد صياغة مستقبل لدولة، هي واحدة من أهم الدول في منطقة الشرق الأوسط مكانة وحضارة، بعد استقالة حكومة عادل عبد المهدي، تحت ضغط ثورة تشرين/أكتوبر2019، لكن يبدو أن الأمر لن ينتهي بسهولة.
فالأمور كلها تشير إلى أن المشهد لن يستتب قريباً، وأن القلق على استقرار العراق، هو الأكثر بروزاً وشيوعاً، لذا، فإن الحديث عن أي مخرج، بعيداً عن الحوار الوطني، الذي ينبغي أن يؤدي إلى تفاهمات حقيقية، ليس إلا من باب ترحيل المشكلة أو الأزمة لوقت آخر لا أكثر.
لمن يراقب تطورات المشهد العراقي، يمكن تسجيل ملاحظتين اثنتين، وهي طبيعية، من واقع أنها باتت ظاهرة تواجهها كل الأزمات في العالم، خاصة في هذا التوقيت، هما، الملاحظة الأولى: أن أغلب دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي شنت حرباً لتغيير نظام العراق في عام 2003، بدأت تتجاهل ما يحدث من عملية انسداد سياسي بين أكبر كتلتين سياسيتين، هما التيار الصدري، والإطار التنسيقي، لأسباب مختلفة، منها: متعلق بانشغال الإدارة الحالية باستفزازات روسيا والصين في صراعها على النفوذ الدولي، وكذلك بسبب التداعيات الضاغطة على الوضع الداخلي لها، وغيرها من دول العالم، مثل ارتفاع أسعار الطاقة، ونقص الغذاء في العالم.
إن مسألة الابتعاد الدولي عن التدخل في المساعدة في معالجة «أزمات العراق» المتكررة، تبدو هذه المرة أكبر عن المرات السابقة، بل تذهب التفسيرات إلى أن حكومات العالم كلها، لا تريد التدخل أصلاً، ولا حتى من باب الوساطة، كيلا يفسر موقفها بأنه ميل أو انحياز تجاه طرف ضد الآخر، مع أن الوضع بات خطيراً، رغم محاولات الكاظمي، الذي يلعب دوراً كبيراً في إقناع كل الأطراف العراقية للجلوس والتحاور، بل وتقديم تنازلات سياسية من أجل الحفاظ على مستقبل البلد.
الملاحظة الأخرى في هذه الأزمة العراقية: هو طغيان المصالح الطائفية والشخصية لدى المتصارعين على مستقبل الدولة العراقية وشعبه، بل إنه في ظل التصارع على المناصب السياسية، تجد هناك حالة من التنصل من مسؤولية الحفاظ على الاستقرار المجتمعي، إلى درجة تعتقد أن الكل يريد أن يشن حرباً ضد الآخر، دون تفكير في تداعياتها، مع أن المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق المتصارعين، فالمسألة تحتاج إلى إرادة وطنية من السياسيين العراقيين.
ظن الكثيرون أن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ستعمل على تغيير الواقع العراقي في فترة ما بعد 2003، إلا أنهم سريعاً ما اكتشفوا أن ذلك كان تقديراً مبالغاً في التفاؤل، وأن لحظة الغضب السياسي، قد تجاوز حدود الخلاف السياسي، بحيث كانت هناك تحركات تهدد بحرب أهلية، ولأسباب شخصية قديمة. وبدلاً من ممارسة دبلوماسية «شعرة معاوية»، لإنقاذ مؤسسات الدولة، أصبح الكل يشد «الشعرة» في اتجاهه، حتى سمعنا قرع طبول الحرب في العراق، لولا تدخل حكمائه.
لا يمكن لأحد أن يدعي أن هناك ما يجب على العراقيين فعله للخروج من المأزق، فالعراق زاخر بقادته وشعبه، وهم أهل حضارة وتاريخ. لكن أزعم بأن البلد يحتاج إلى التحرك إيجاباً من الحكماء، بدلاً من إلقاء كل طرف باللوم على الآخر.