د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
مفارقات بين الرصاص والورد !!
تابع العالم باهتمام مراسم جنازة الملكة الراحلة اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا التي نقلتها معظم شاشات التلفزة الفضائية الى أكثر من 4 مليار مشاهد في كل أرجاء العالم !!
ورغم مظاهر الوداع الرسمي لجنازة الملكة الذي استمر لساعات طويلة حضرها أكثر من خمسين وفدا رسميا من مختلف دول العالم من ملوك ورؤساء وأمراء ووزراء ورغم ذلك كله فقد لفت انتباهي في المشهد العام عشرات الألوف من البريطانيين الذين انتظموا في طوابير طويلة منذ الصباح الباكر وانتظروا لمدة تزيد عن عشر ساعات ليلقوا نظرة الوداع الأخيرة على ملكتهم الراحلة دون تبرم ولا تدافع ولا فوضى !!َ
كما لفت نظري صرخات البعض من تأثير المشهد وهم يلقون الورود على سيارة الملكة على امتداد طريق طويل من مبنى البرلمان ثم الى كنيسة وستمنستر ومنها الى كنيسة سان جورج بقلعة ويندسور وقد كساهم الحزن والدموع ولعل الحالات المشابهة لذلك المشهد هما في جنازة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وكذلك جنازة نيلسون مانديلا وتلك من الحالات النادرة في دول العالم الثالث الذي غالبا ما يودع حكامه بالرصاص والقتل والانقلابات التي تنقض عليهم فجأة كالبرق ليلا أو نهارا وحتى وهم نيام آمنون مطمئنون أن حراساتهم ومراكزهم وأنصارهم سيحمونهم ويفاجئون بأيدي الغدر تنقض عليهم من أقرب مساعديهم وعندما تشرق الشمس يطل على الشعب رئيس جديد وطاقم جديد ويتم ملاحقة كل أعوان الرئيس السابق الذي تم اغتياله ومصير أعوانه السجون والمعتقلات ثم تتم تصفيتهم جسديا ومن يسأل عنهم يلقى نفس مصيرهم !َ!
وهكذا تدار السلطة والحكم في بلادنا منذ عقود وباقي التفاصيل تتولاها وسائل اعلام الانقلاب التي تلعن عهد الرئيس المغدور وأعوانه ليلا ونهارا ويتم الصاق تهم العمالة والخيانة بهم وبعهدهم البائد ّ!!
وهكذا تتم تصفية معظم النخب السياسية والعسكرية في العالم الثالث في دورات وانقلابات مستمرة وتصفيات جسدية وكلما جاءت أمة لعنت أختها التي حكمت قبلها واختلط الصادق بالكاذب وتجد الشعوب المغلوبة على أمرها مطحونة في كل عهد جديد من تلك الانقلابات المتتالية وسرعان ما نلصق ما يجري في بلادنا من مؤامرات وخيانة بالاستعمار والامبريالية ونبرئ أنفسنا من سفك الدماء والدمار الذي نلحقه ببلادنا في كل انقلاب وأنا أعني ما جرى في الجنوب واليمن أو بينهما معا في العقود الماضية !!َ
وأقول بصدق : أين نحن من تعاليم الإسلام السمحة ؟ وأين نحن من قيم الدين الإسلامي السليم وإرساء العدل والانصاف لكل مظلوم التي نستخدمها لتغييب ذاكرة المواطن الطيب وللاستهلاك وتبرير كل أعمال القتل والجرائم واستغفال الناس الأبرياء البسطاء ؟!!
الديموقراطية لم تفشل في بلادنا لأنها لم تبدا ولا توجد اصلا !! وحتى يكون هناك ديمقراطية حقيقية تمارس لا بد من تأسيس قيمها تدريجيا واحلال الحياة المدنية مكان القبيلة وقد يتطلب الأمر عشرات السنيين، أما جيلنا وربما جيل أحفادنا لا يصلح لممارسة الديمقراطية فهي أجيال تربت على الانصياع والاذعان والسمع والطاعة للعصبية القبلية والمناطقية التي تحتكم الى السلاح لحل نزاعاتها .
الديمقراطية مثل طفل صغير يولد صغيرا ونربيه بالتدريج حتى يكبر. اما ان نأتي فجأة ونطلب من الناس ممارسة الديمقراطية دون مقدمات تمهد لها فهذا سوف يقودنا الى فشل ذريع!!
وفي الغرب لم تقم الديمقراطية فجأة بل تبلورت بعد عشرات السنين في بريطانيا وفرنسا على سبيل المثال لا الحصر !!
ولنأخذ عدن كمثال حي على ذلك ففي زمن الاستعمار البريطاني كان يمنع حمل السلاح داخل عدن وكان مواطنوها يمارسون شكلا من أشكال الديمقراطية حيث كانت توجد انتخابات برلمانية حرة وحكومات تتبادل السلطة والمعارضة بصورة سلمية وكل هذا قد تبلور خلال 130 سنة من الاحتلال البريطاني وبعد الاستقلال دمرنا عدن ولم تشفع لها سلميتها ومدنيتها حتى دمرناها ولا زلنا ندمرها حتى اليوم !!
وبعد تردي الأحوال في بلادنا اليوم أصبح المواطن لا يبحث عن الديمقراطية وانما يريد توفير الأمن والأمان ومستلزمات حياته ، دخل جيد وطعام جيد وتعليم وخدمات صحية جيده ومواصلات متطورة وتقاعد مريح اعطني هذه الاشياء ولتذهب الديمقراطية الى الجحيم وليحكم من يحكم فلا يهم !َ!
د. علوي عمر بن فريد