فاروق يوسف يكتب:
رئيسان فائضان على الطريق
سيكون هناك رئيسان جديدان في لبنان والعراق في القريب العاجل بدلا من ميشال عون وبرهم صالح. فهل ذلك مؤشر على أن أزمة الحكم في البلدين ستُحل وستجلس القوى السياسية على طاولة حوار يفضي إلى إقامة حكومتين تكونان قادرتين على وضع حد لتدني الأوضاع المعيشية لدى غالبية السكان وتنهيان الفوضى؟
ليس الأمر بتلك البساطة.
فالرئيسان في البلدين هما رمزان فائضان لدولتين فاشلتين، ما عاد في الإمكان الحديث عن آلية حكم واضحة فيهما ولا السلطة يمكنها أن تجسد قوة القانون ولا القانون قادر على أن يكون مستقلا بحيث يكون في إمكانه أن يقود بثقة نتائج أي انتخابات إلى التنفيذ الواقعي.
واقعيا فإن لبنان والعراق دولتان يحكمهما السلاح المنفلت. القانون فيهما مسيس ولا يخضع السياسيون لسلطته. هناك تمييز في قرارات القانون وطريقة تنفيذها. فهما تخلّيتا عن الخضوع لمبدأ المواطنة. صارت المواطنة فيهما درجات.
ليس المهم هنا ما يُعلن وهو خاضع لما ترغب الطبقة السياسية في أن تقوله، بل الواقع الذي صنعت تفاصيله حرفة السياسة. هناك سياسيون مختلفون في الظاهر ومتفقون في الباطن هم الذين يحددون مواقيت العمل بآلية الحكم التي ستظل معطلة إلى أن يتمكنوا من الاطمئنان إلى أن المرحلة المقبلة ستكون استمرارا للمراحل التي سبقتها. وهو ما يعني أن تغييرا ما لن يقع. ما يأمله الشعب سيظل مرجئا إلى لحظة يكون فيها ذلك التغيير ممكنا.
برهم وميشال إن اختفيا فإن ذلك لن يضر بالمعادلة السياسية القائمة. فهما ليسا رقمين صعبين في تلك المعادلة. سيحل محلهما شخصان يتميزان بأنهما من غير لون ولا طعم ولا رائحة.
ربما يظن البعض أن الرئيسين سيكونان حرين في اختيار رئيسي حكومة سيكلفان بتشكيل الحكومتين القادمتين.
هل كان لميشال وبرهم حضور في ما يحيط بهما من حراك سياسي سوى أن ميشال جلب إلى لبنان كارثة اسمها جبران باسيل، يبدو أن التخلص منه صار صعبا بسبب تبنيه من قبل حزب الله؟
تلك كذبة لا يصدقها عاقل. فالرئيسان لن يختارا، بل سيُفرض عليهما اسمان سيكون من واجبهما الإعلان عنهما. كما يحدث في المسابقات. ربحا رئاسة الدولة وها هما يعلنان عن اسم الرابح برئاسة الحكومة.
في المنطق العادي هما سيئا الحظ إذ يمثلان ذلك الدور الثانوي، ولكن في منطق السياسة العجائبية في لبنان والعراق يكونان كمَن حاز على جائزة اللوتو. سيذهبان إلى القصر الرئاسي ويتمتعان بامتيازات رئيس دولة التي لا حصر لها ولا شبيه لها في العالم وسيعينان أقرباءهما في وظائف افتراضية برواتب خيالية من غير أن يكون عليهما أن يفعلا شيئا. لن يحركا كرسيا واحدا من مكانه.
هل كان لميشال وبرهم حضور في ما يحيط بهما من حراك سياسي سوى أن ميشال جلب إلى لبنان كارثة اسمها جبران باسيل، يبدو أن التخلص منه صار صعبا بسبب تبنيه من قبل حزب الله؟
كانا دائما في مكان آخر. وليس في الإمكان مساءلتهما فهما غير مسؤولين. رمزيتهما باعتبارهما صنمين تدعو إلى الضحك في دولتين ذهبت بهما الطبقة السياسية إلى الحضيض. فالشعب لا يرى فيهما إلا رمزين لرثاثة وكسل وعطالة وهزال الدولة.
كان من شأن ميشال وبرهم أن ينتسبا إلى حشود العاطلين عن العمل. لو فعلا ذلك لكانا اكتسبا شعبية هائلة. فهما لا يعملان شيئا وليس مطلوبا منهما أن يفعلا شيئا. ليس هناك من معنى لاستبدالهما. ذلك لأن النظام الديمقراطي الذي يقومان بتمثيله هو كذبة سيكون من الصعب توقع أنه سينتج شيئا مفيدا.
كان الرجلان يحلمان بالبقاء في قصريهما. ولكن الأحزاب لديها ما تفكر فيه. صورة جديدة للرئاسة سيتوجه إليها الشعب كما لو أنه لم يكتشف الحقيقة بعد. حقيقة الرئيس الذي هو عبارة عن صنم صامت. فالرئيس في العراق ولبنان يلعب دور ملكة بريطانيا السابقة.
ميشال عون وبرهم صالح كانا ملكين ومَن يخلفهما سيكون ملكا أيضا. لن يبدأ عهد جديد بغيابهما.
وبالرغم من أن منصب الرئيس في البلدين لا قيمة له فإنه كان دائما موقع خلاف بين الأحزاب التي تعتقد أن وجوده يمثل واجهة لنفوذها.
فحزب الله مثلا استطاع أن ينتصر على الجميع وفرض ميشال عون رئيسا. وهناك في العراق صراع محتدم بين الحزبين الكرديين على موقع الرئاسة.
وفي كل الأحوال فإن غياب رئيس وحضور رئيس لن يشكل تحولا في الحياة السياسية لبلدين تحيط بهما الفوضى من كل جانب ويعبث بهما الفساد.
دميتان جديدتان في قصر العرائس. ذلك ما سيحدث.