محمد خلفان يكتب:

صدى زيارة محمد بن زايد لروسيا

مثلت الزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى جمهورية روسيا الاتحادية مناسبة عملية لوقوف الرأي العام العالمي على الدور الحقيقي الذي تقوم به دولة الإمارات من أجل تحقيق الاستقرار والأمن الدوليين.

فعلى مدى ثمانية أشهر تركز الحديث السياسي والإعلامي كله على أننا مقبلون على حرب عالمية جديدة تشجع على ذلك التطورات الحاصلة على الأرض. ولكن بمجرد انتهاء لقاء الشيخ محمد بن زايد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين تصاعد “الهمس” العلني حول استعداد موسكو للجلوس من أجل الحوار والتفاوض. وإن دل هذا التحول في اللغة على شيء فإنه يدل على تأثير الدبلوماسية الإماراتية في دوائر صناعة قرار الدول الكبرى.

التطور الجديد في اللهجة الروسية بشأن الخروج من هذه الأزمة يساعدنا على فهم الأسباب وراء اهتمام المتابعين وحتى مراكز صنع القرار للجولات السياسية التي يقوم بها الشيخ محمد بن زايد إلى الخارج، سواء كانت تلك الجولات إلى الدول العربية أو غيرها بما فيها الدول الكبرى، وحتى اللقاءات الدولية التي يكون فيها حاضرا. فالكل يدرك أن زياراته تحمل أبعادا كبيرة، ليس لصالح دولة الإمارات فقط وإنما للعالم بأكمله، فهو زعيم يحمل رؤية مميزة لما يحدث في العالم. وعليه لن يكون مستغربا أن تحظى تصريحاته وتحركاته بمصداقية لدى الرأي العام العالمي.

من يظن أن هذا الكلام مبالغ به ما عليه سوى استرجاع الزيارات التي قام بها الشيخ محمد بن زايد مؤخرا، ليستنتج من خلالها الدلالات التي تحملها مراسم الاستقبال الرسمي والشعبي، وكذلك التغطيات الإعلامية والتحليلات السياسية، بما فيها الفترة التي سبقت تقلده رئاسة الدولة. على سبيل المثال زيارته إلى تركيا في العام الماضي. فالقاعدة أن لسان حال الاستقبال يعبر عن المكانة التي يحظى بها الشيخ محمد بن زايد في الإستراتيجية الدولية، ومازلنا نذكر خصوصا دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن للشيخ محمد بن زايد في قمة جدة لزيارة الولايات المتحدة لاستكمال المشاورات معه قبل نهاية هذا العام.

قد تكون مخرجات زيارته إلى روسيا أعطت أهمية استثنائية لدور الإمارات في هذه الأزمة. لكن قبل ذلك علينا أن نستوعب أنه حين تضطرب المواقف الحاكمة للنظام الدولي ويكون المشهد قابلا للاشتعال، ويهدد استقرار كل شيء، فإن الجميع ينتظر “المنقذ” ويترقب من يمكنه أن يبث الطمأنينة لدى جميع الأطراف بأهمية الجلوس والحوار، وقبول تهدئة الأجواء السياسية التي أيضا قد تعني “تهدئة النفوس” بين المتخاصمين بسبب ما أصابها من شحن سياسي وإعلامي، بفعل تسييس كل الخطوات التي تحمي الاستقرار الأمني والطاقي، فهي الخطوة الأولى للحديث السياسي بدل الحديث بلغة السلاح والدمار.

العالم يقدر تحركات الشيخ بن زايد الدبلوماسية ويتفاءل لمواقفه الإنسانية، الجميع تابع نجاحاته وإنجازاته في مواجهة ما يضر، آخرها تلك الوقفة العالمية لمواجهة فايروس كورونا عندما عجز الجميع حيث مثل “الأمل” للكل. هذا إضافة إلى أنه مثل “الخلاص” للعالم في مواجهة الإرهاب. وبالتالي، الاحتفاء به موضوعي وله مسبباته العملية، ويزداد هذا الشعور أثناء الأزمات التي باتت تكثر في هذه الأيام. فالعالم يبحث عن قائد تمثل قراراته مصداقية وأفعاله تؤكد أقواله.

وانطلاقا من كل هذا يمكننا ملاحظة حالة الترقب والانتظار التي تتملك الناس في معرفة ما سيعقب كل زيارة يقوم بها خاصة خلال الأزمات، فنهجه في التعامل معها هو: حلها وخلق فرص منها.

إن دولة مثل الإمارات التي تسلحت قيادتها بالشجاعة الأخلاقية بمساعدة المجتمعات الإنسانية في تحقيق أهدافها تبشر تحركات قيادتها الناس بالأمل، ويعزز ذلك الإرث السياسي الممتد لأكثر من نصف قرن، وإن زاد زخمه خلال العقد الماضي لكن له جذوره.

كل هذا سيتم توظيفه والاستفادة منه في تحشيد موقف دولي لتأييد مساعي الإمارات في نزع فتيل الأزمة الحالية والأزمات الكامنة في مناطق أخرى من العالم، فهي (الإمارات) قررت تصفير مشاكلها مع الغير، وتصفير الأزمات في العالم، وهي تحاول أن توسع نهجها ليشمل الجميع رغم صعوبته، إن لم يكن استحالته. ولكن مع الإرادة يمكن التغلب على كل شيء.

قد نتفهم الدور الإماراتي في حلحلة الملفات الإقليمية والعربية انطلاقا من معايير موضوعية لحجمها كدولة متوسطة. ولواقعها الجغرافي، دولة خليجية وعربية. لكن اللقطة السياسية لتحركات الإمارات في مناطق الأزمات سواء في أفريقيا أو في الغرب وبين الدول العظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا وكذلك الصين فهي: تصرفات عالم الكبار.

فما يفعله الشيخ محمد بن زايد يفوق بكثير مما تفعله تكتلات سياسية دولية عريقة، وهي مسألة نزع فتيل الحرب ليعيش الإنسان بسلام.