ماريا معلوف تكتب:
شعبية بايدن والديمقراطيين
يلحظ المتابع للشؤون الأميركية بأن شعبية أي رئيس أميركي وحزبه تتأثر بعوامل يتحسسها المواطن الأميركي بشكل مباشر، ومن أهم تلك العوامل العامل الاقتصادي والتأمين الصحي، وثمة مخاوف حقيقية من تراجع شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن وكذلك الحزب الديمقراطي خلال الآونة الأخيرة، الأمر الذي يعزز فكرة فقدانه السيطرة على مجلس النواب خلال شهر نوفمبر المقبل.
لا ينكر المتابع بأن إدارة بايدن حققت بعض الإنجازات على الصعيد الأميركي الداخلي، وقد تمكنت من إيجاد 6 ملايين وظيفة مستجدة للقوى العاملة الأميركية ، ويعتبر ذلك بحد ذاته نجاح كبير في إطار تاريخ الولايات المتحدة، وتبعاً لذلك انخفض معدل البطالة من 6 بالمئة إلى نحو 4 بالمئة من إجمالي قوة العمل في غضون العام الأول من وصول بايدن وحزبه إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، في وقت تراجعت فيه أيضاً معدلات الفقر والجوع بين الأطفال الأميركيين وهذا أمر غاية في الأهمية بالنسبة للشعب الأميركي، ولم تتوان إدارة بايدن في البداية من تمرير مشروع قانون بالكونغرس بشقيه مجلسي الشيوخ والنواب، تتضمن حزمة محفزات هائلة لدعم الاقتصاد الأميركي في مواجهة التداعيات الناجمة عن تفشي جائحة "كوفيد 19"، وأيضاً خطة بميزانية عملاقة لتطوير البنية التحتية في أميركا، وهو إنجاز لافت مقارنة مع إنجاز رؤساء أميركيين سابقين.
وفي مقابل ذلك أظهرت استطلاعات الرأي منذ أن دخل بايدن البيت الأبيض والأميركيين لا يحبونه، أو على أدنى تقدير، لا يعتقدون أنه يؤدي عملاً جيداً، خاصة في ظل ارتفاع معدلات التضخم المتراكمة بسبب جائحة كورنا، التي أرهقت الشعب والاقتصاد الأميركي على حد سواء، هذا جنباً إلى جنب مع استمرار العدوان الروسي وتداعياته الاقتصادية على أميركا، والتي تتمثل أساساً في ارتفاع معدلات التضخم النقدي وأسعار السلع الأميركية كنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار الطاقة الكبير.
وقد أظهر استطلاع رأي أجرته رويترز/إبسوس قبل عدة أيام عن انخفاض شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن لأدنى مستوى لها خلال ولايته الرئاسية، والأميركيون ومعهم الحزب الديمقراطي على بُعد شهر تقريباً من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في 8 نوفمبر القادم.
وأظهر الاستطلاع أن 40 بالمئة من الأميركيين يتفقون مع أداء بايدن الوظيفي، مقارنة بنسبة 41 بالمئة خلال الأسبوع السابق لعملية الاستطلاع، وتؤكد تلك الاستطلاعات الأخيرة احتمال فقدان الحزب الديمقراطي بعد الانتخابات النصفية السيطرة على مجلس النواب في نوفمبر القادم، وسيكون الأمر وارداً في مجلس الشيوخ أيضاً.
بعد الإطلالة على العوامل التي أدت إلى تراجع شعبية الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي، نحاول استشراف المستقبل.
ويرى العديد من المتابعين بأن السبب الرئيسي لوصول بايدن إلى البيت الأبيض إثر الانتخابات الرئاسية في عام 2020 هو اعتقاد عدد كبير من الشعب الأميركي بأن نهج بايدن في التعامل مع جائحة كورونا التي قتلت الآلاف من الأميركيين سيكون أفضل من نهج سلفه، دونالد ترامب.
وفي الوقت الذي توقع فيه الجمهوريون انهيارا كبيرا في صفوف الحزب الديمقراطي في انتخابات نوفمبر القادم بما يمنحهم الأغلبية في مجلس النواب على الأقل، مستغلين ارتفاع نسب التضخم وانخفاض معدلات شعبية الرئيس جو بايدن والحزب الديمقراطي، أصبح لدى الديمقراطيين أسباب للتفاؤل على عكس موقفهم في بداية هذا العام الجاري، حيث دفع فوز مؤيدي توسيع حقوق الإجهاض في الانتخابات التمهيدية في بعض الولايات الأميركية قبل أسابيع إلى جعل قضية حقوق الإجهاض قضية رئيسية في انتخابات الكونغرس القادمة.
من ناحية أخرى، يحاول الجمهوريون تركيز أجندة السابق الانتخابي حول ارتفاع مستويات التضخم والجريمة وانهيار نظام الهجرة، لكن بعد مرور نحو عامين على إدارة بايدن وتراجع شعبيته وحزبه نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الطاقة والسلع المختلفة، واحتمال تفاقم الأوضاع الاقتصادية الأميركية في ظل استمرار العدوان الروسي على أوكرانيا وارتداد ذلك على الأوضاع الاقتصادية في الداخل الأميركي، بات بايدن وحزبه في اختبار استمرار الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على الأوضاع الاقتصادية في الداخل الأميركي، ويعتبر ذلك بمثابة مقياس جوهري للمواطن الأميركي ومدى انحيازه من عدمه لإدارة بايدن وحزبه الديمقراطي.
وثمة ملفات أخرى تؤرق إدارة بايدن وحزبه الديمقراطي وتؤثر على شعبيتهما الآن وفي المستقبل، وتتمثل بكيفية إدارة أزمة الملف النووي الإيراني، فضلاً عن الحديث عن تشكيل نظام دولي متعدد الأقطاب ومنها الصين والهند على سبيل المثال ولا الحصر، كل ذلك سيؤثر على المزاج العام الشعبي الأميركي.
وتالياً إمكانية وصول رئيس جمهوري لأميركا إلى البيت الأبيض بعد عامين خلفاً للرئيس الديمقراطي جو بايدن، وتحتدم المعركة بداية للفوز بمزيد من مقاعد مجلس النواب الأميركي خلال شهر نوفمبر القادم، حيث يحتاج الجمهوريون للفوز بخمسة مقاعد إضافية لاستعادة أغلبية مجلس النواب، ومقعد واحد فقط في مجلس الشيوخ، ويعتبر ذلك بمثابة استطلاع رأي تمهيدي للناخبين في الانتخابات الأميركية التي ستجري بعد عامين من الآن.