محمد خلفان يكتب:

الجامعة العربية.. أهمية الدور والمراجعة

تُختتم، اليوم الأربعاء، أعمال القمة العربية الحادية والثلاثين، التي استضافتها الجزائر على مدى يومين.

ولأن هذه القمة جاءت بعد ثلاث سنوات من التوقف، فإنها كانت موضع تطلعات كبيرة وآمال كثيرة من المتفائلين بالعمل العربي المشترك، أو على الأقل من يرونه ضرورة جوهرية لمستقبل الشعوب العربية.

تأجّل انعقاد القمة لعامين بسبب جائحة كوفيد-19، ثم بعد ذلك بسبب التباينات في المواقف العربية والأزمات الإقليمية والعالمية.

ولأن هذه التطورات والأوضاع نفسها كانت جديرة بانعقاد القمة العربية لمواجهتها والتصدي لها، فإن التأجيل يعطي إشارات واضحة، ليس فقط بالنسبة لنتائج القمة الحالية، لكن أيضا حول مسار وفاعلية الجامعة العربية بشكل عام.. خاصة أن الأسباب والملابسات التي أحاطت تأجيل القمة الحالية -كان مفترضا أن تنعقد آخر فبراير الماضي- ليست جديدة، وإنما متكررة، بل وتكاد تتطابق حالات سابقة لتأجيل القمة للأسباب نفسها.

الشيء المؤسف، أن هذا هو الوضع السائد عربيا منذ سنوات، بل ربما منذ عقود، مع فارق مهم، وهو أن الخلافات العربية في الماضي كانت مجرد "اختلافات"، أو "تباينات" حول بعض الجزئيات والتفاصيل الإجرائية أو التكتيكية.. أو على الأكثر في قضايا غير مصيرية.. وكانت الاختلافات لا تؤثر في المساحة الأوسع من التفاهم والتوافق حول الخطوط العريضة والقضايا الجوهرية.. لكن عاما بعد عام، تتقلص مساحة التوافق لأسباب مركبة وعديدة.

صارت الاختلافات العربية الآن هي الأصل.. ليس فقط بشأن قضايا خارجية أو تطورات عالمية، بل أيضا في صميم القضايا العربية والإقليمية، التي تتصل مباشرة بأمن واستقرار شعوب ودول المنطقة.

بالتالي، فإن حالة الجمود التي أصابت جامعة الدول العربية منذ عدة سنوات، وعجزها عن قيادة المنظومة العربية أو حتى التصدي بفاعلية لمخاطر وتهديدات واضحة ومباشرة، ليس لعيوب أو تقصير من الجامعة العربية نفسها.. فهي أولا وأخيرا منظمة إقليمية ليست فوق الدول، أي لا سلطة عليا لها تفوق سيادة كل دولة واستقلالية قرارها.

وهي في ذلك لا تختلف عن بقية المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة.. التي رغم أنها تملك جهازا يمكنه اتخاذ قرارات ملزمة للدول، بل ويملك صلاحية تنفيذ تلك القرارات بالقوة، وهو "مجلس الأمن"، تظل قدراتها الفعلية محدودة ومقيّدة بإرادة الدول الأعضاء ومدى التوافق بينها على توجه واحد أو قرار معين.

الفكرة أنه إذا كان هذا هو وضع المنظمة الأممية الأكبر، والتي يفترض أنها تدير العالم وتنظم شؤونه وتحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وفي معظم الأحيان لم تفعل أو لم تتمكن من فعل ذلك، فكيف الحال بالجامعة العربية، وهي منظمة إقليمية خاصة بأكثر أقاليم العالم تعقيدا، والتي شهدت أكبر عدد من النزاعات الممتدة والمواجهات المسلحة؟!

ليس من الصواب التعامل مع "جامعة الدول العربية" كما لو كانت "شخصا" صاحب قرار أو دولة ذات سيادة.. فتحركات الجامعة وقراراتها هي محصلة مواقف الدول الأعضاء، والحال ينطبق على باقي المنظمات الدولية.. والهيكل المؤسسي للجامعة بدءا بالأمانة العامة، ليس إلا هيكلا "تنفيذيا" مهامه إجرائية وتنظيمية، ودوره لا يتجاوز تطبيق ما تتفق عليه الدول من سياسات وتوجهات.

ولذلك فالمنصب الأعلى في الجامعة العربية ليس اسمه "الرئيس" ولا حتى "المدير" وإنما "الأمين العام"، أو ما يعرف بـ"السكرتير العام" المعمول به في الأمم المتحدة.

إن ضخامة التحديات وخطورة التهديدات التي تتعرض لها المنطقة العربية، من مشكلات داخلية ومشاريع إقليمية وأزمات خارجية، تستلزم بالضرورة مراجعة الدول العربية دور الجامعة وموقعها الفعلي والمطلوب منها.. ليس من منطلق الاستقلالية في الحركة والدور، وإنما من طبيعتها وواقعها كمرآة تعكس توجهات وسياسات أعضائها.

المطلوب نظرة واقعية وموضوعية للجامعة العربية، بلا مبالغة أو تضخيم لطبيعتها ودورها.. وكذلك دون تقليل من أهميتها أو الاستغناء عنها.

ولعل نقطة البداية في الاتجاه الصحيح تكمن في:

تفعيل نشاط "الجامعة" وتوجيه حركتها باتجاه تقريب المواقف وتنسيق السياسات.. ثم تكليف الجامعة بمهام تشاورية ومباشرة اتصالات وقيادة تحركات ربما تفضل بعض الدول عدم التصدي لها مباشرة.

ومن جانبها، على مؤسسات الجامعة، وهي كثيرة وشاملة لكل المجالات، أن تضع أمام الدول الأعضاء وتعلن لشعوبها تقديرات الخبراء والمختصين في الجامعة لطبيعة التهديدات ومدى خطورتها على دول المنطقة ككل.

وإن لم تسمح الظروف السياسية حتى الآن لأن تلعب الجامعة دورا عمليا في الخروج من الأزمات ومواجهة التهديدات، فهي تملك من الإمكانات ما يؤهلها على الأقل للعب دور "جرس الإنذار" والتنبيه لما يحيط الدول العربية وما عليها عمله.

في كل الأحوال، لا يمكن تحسين أداء الجامعة أو تفعيل دورها أيا كان، دون إرادة حقيقية من الدول الأعضاء فيها.