د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
أنا آسف يا وطني لم أمت لأجلك
الحياة حافلة بالعبر والقصص والأمثال وقد حفرت في ذاكرة الزمن وتناقلتها الشعوب والأمم عبر الأجيال الذين عاشوا وعانوا في هذه الدنيا قبلنا !!
وفي هذا المقال نحاول إسقاط بعضا من تلك القصص والأمثال على واقعنا المر والأليم من خلال ما يجري من أحداث متسارعة تعصف ببلادنا اليوم .. لنستخلص منها العظات والعبر والتأمل ومراجعة الذات لمحاسبة النفس اللوامة ومن ذلك :
• – 1- عندما تبيض الشعوب!!.
قرأت في مذكرات الشيخ عبد الحميد كشك أن محبيه تجمهروا عقب الإفراج عنه وخروجه من السجن عام 1982 بعد صلاة الجمعة، مطالبين بعودته للخطابة في مسجده وبقي الجمهور يهتف مطالبا بعودة الشيخ للخطابة، وفجأة ظهرت سيارة كبيرة (شاحنة) تبيع البيض بنصف السعر فانصرف المتظاهرون لشراء البيض!!
وبعدها حضرت قوات مكافحة الشغب لتفريق المتظاهرين الذين كانوا يحملون كراتين البيض. فوقف كل متظاهر ينظر للجنود.. ثم ينظر للبيض الذي بيده والذي حصل عليه بسعر (لقطة)، محاولاً تصور مصير هذا البيض في حالة مواجهة قوات مكافحة الشغب !!
والنتيجة التي لم يتوقعها حتى قوات مكافحة الشغب كانت مفاجئة للجميع حيث انصرف المتظاهرون بدون صدام، فالجميع اقتنع بأهمية الحفاظ على البيض (اللقطة) ونسوا الشيخ والقضية!!
وقلنا :
• المواطن في بلادنا اليوم يحمل كراتين مليئة بأعباء الحياة وأشكال من العبودية والهموم التي تثقل كاهله ..ففي السنوات الماضية كان أفضل حالا منه هذه الأيام !!
كان المواطن يخرج ويتظاهر ويعبر عن احتجاجه وينفس عن غضبه ويصرخ بأعلى صوته !!
واليوم دخل في وضع أسوأ من تلك الأيام !!
وأصبح همه اليوم هو : كيف يؤمن لقمة عيشه ورزقه والحصول على اقل القليل والرضا بالكفاف له ولأسرته؟؟!!
.. وأصبح في وضع تعيس وانشغل فكره في كيفية تأمين الضروريات .. وطحنته الحياة حتى جعلته لا يفكر في إصلاح ولا تغيير، كل همه هو تأمين الطعام والدواء والملبس والمسكن لأسرته…ويعد ذلك غاية المنى في نظره ..
وفي قصة البيض عبرة .
والنتيجة : تعددت كراتين البيض في بلادنا ولكن النتيجة واحدة !!
هل فهمتم ..أعتقد لن تحتاجوا لتفسيرها؟؟!!
– 2 – لا تصدقوا !!
عندما تتفجر الحروب الأهلية في أي بلد عربي تكون لها عناوين ولافتات كبيرة وشعارات براقة تلهب حماس الناس و يتدافعون للموت في سبيلها بعد أن يصدقوا شعاراتها!!
أما من يشعلون تلك الحروب فهم يسكنون القصور العالية المحصنة تحت حراسات مشددة ولا يراهم الناس إلا عبر التلفاز ..وأسرهم تعيش خارج البلاد وقد أمنوا لهم العيش الرغيد والتعليم الجيد والأرصدة البنكية الكبيرة !!ّ
ويديرون الحرب بالريموت ..ويتساقط ضحاياهم من الفقراء والمعدمين الذين يصبحون مثلا وعبرة لما آلت اليه حياتهم!!
* في إحدى الحروب كتب أحد الجنود رسالة تم العثور عليها في ملابسه بعد مقتله ، يقول فيها :
* إن مُتّ .. لا تصدقوا كل شيء ، فإن قالت لكم أمي في برنامجٍ تلفزيونيّ سخيف : كان يتمنى الشهادة وكان يقول : ( نموت ..نموت ويحي الوطن .. ) ، لا تصدقوها ، فأنا لم أقل ذلك ، وأنا مثلكم أحب الحياة ولا أتمنى أن أموت ، لكنّ المذيعة ذاتَ الحُمرةِ الفاقعة والمكياج الصارخ أقنعتها أن تقول عني ذلك .
* أما صديقي ذلك الذي حمّل صورة لي على صفحته في الفيسبوك و كتبَ شِعراً وهو يتغنى بِـ شهادتي حدادا…لا تصدقوه ، فهو منافق كبير.. وكم من المرات طلبت منه أن أستدين مبلغاً بسيطاً من المال لكنه كان يتهرّب مني!!
* أما صاحب الفخامة .. فلا تصدقوه أبدا وهو يتغنّى بِـروحي القتالية العالية و حبي للوطن في حفل التأبين ، أترونَ طقمه الأنيقَ ذاك ؟
لقد اشتراه من سرقة المعونات المخصصة لنا !!
نحن أبناء الفقراء بهذا البلد وقودا للحروب التي يوقدونها ، أما أبناء صاحب السيادة والفخامة فهم أما خارج البلد مترفين أو يتسكعون في الكافي هات والملاهي.
* وهؤلاء الذين يطلقون الرصاص في الهواء بتشييع جثماني ، ترى من هم؟؟؟ لم أرهم أبداً في أي معركة ؟!!
* كما أني لا أعرف شيئاً عن شعارات حب الوطن والقائد ولكن البندقيةِ إغواءً / كما النساء/ تستفزُّ الرجولةَ الحمقاء.
* إن مُتّ .. برصاصٍ ، أو بقذيفةٍ سقطت مصادفةً بقربي ، أو إنْ مُتّ قهراً .. لا فرق !!
لا تصدقوا سوى تنهيدةَ أمي عندما تكون وحيدة وانكسارَ أبي ودمعةً خفيفةً نبيلةً من حبيبةٍ لطالما وعدتُها أنْ أكونَ بخير.،،فلا نامت أعين الجبناء،،ومن يتغنوا بِـنضالنا.
* لطالما سألت نفسي لماذا فقط أبناء الفقراء هم الشهداء،،؟؟وهم المدافعون عن الوطن ؟؟؟ وهم لا يملكون مترا على هذه الأرض؟؟.وتباع عليهم قبورهم؟؟
لماذا لم نسمع موت مسئول ؟؟ أو ابن مسئول من أجل الوطن؟؟؟
فهل وجدت الإجابة بعد موتي. .!!؟؟
* أنا آسف يا وطني لم أمت لأجلك ،، ولكني مت لأجل لقمة العيش في وطن لم يوفر اقل متطلبات حياتي !!
العبرة :
في الحروب، يذهب الفقراء ليُقاتلوا بعضهم بعضاً. وحدهم الذين يُعذّبون، يتضررون، ويُقتلون. بينما القابضون على الأسطورة، من رجال سلطة، أصحاب رؤوس المال، الذين يلبسون بدلات بيير كاردان ، وجياني فير ساتشي وربطات العنق من سان لوران ، فهُم يحرّكون المشهد من خلف الكواليس، يبعثون الروح في الأسطورة، ويبقوها حيّة في الوعي الجماعي وذلك عبر أنظمة، منظّمات ومجموعات سلطويّة وفاشيّة تستخدم الأسطورة من أجل مصالحها وأجندتها على امتداد رقعة الوطن!!.
هؤلاء يخوضون الحروب دون أن يتضرروا أو يتضرر أحد من عائلاتهم، يسترخون في أماكن بعيدة، وفنادق فاخرة يجنون الأرباح من صفقات الحرب ويبيعونها قبل أن تصل إلى جبهات القتال !!
يزيدون ثرواتهم، وتتضخم أرصدتهم و يتّسع نفوذهم، ويتقاسمون المصالح في الوقت الذي يخوض الفقراء الحروب عنهم بالوكالة، إذ أنّه من النادر أن يموت الأغنياء في الحروب، بينما الفقراء ليسوا سوى أرقام في حروب الأساطير. الفقراء وحدهم هُم الخاسرون الدائمون وهم وقود المعارك ومن يصاب منهم وتبتر رجله أو ذراعه لا يجد من يضمد جراحه !!
أما الكثير منهم يموتون دون أكفان ولا قبور !!
د . علوي عمر بن فريد