طارق فهمي يكتب:
رهانات جديدة على إنهاء الحرب في أوكرانيا
ليست الإشكالية في بدء مفاوضات معلنة، أو سرية بين أوكرانيا وروسيا في ظل خطاب إعلامي مفتوح بين الجانبين،
ولكن في عدم توافر الإرادة السياسية والإستراتيجية في بدء هذه الخطوة التي تأخرت بسبب حرص كل طرف على التصعيد في إطار سيناريو مفتوح على خيارات عدة، ومتنوعة تركز على الاستمرار في المواجهة من خلال الدعم الخارجي، وخاصة من دول الناتو والولايات المتحدة في مواجهة ضغط روسي في العمل على حرث الأرض، والاستمرار في ضرب البنية الأساسية الأوكرانية مع رفض تكتيكي للدخول في مفاوضات في ظل تقييم موقف روسي بوجود تخوفات أمريكية وأوروبية من تمدد أعمال المواجهة إلى مسرح عمليات الناتو مما قد يؤدي إلى حتمية تدخل دول ناتو وفقا لبنود ميثاق النظام الأساسي للحلف وفق المادتين الرابعة والخامسة ويشار إلى أن أمين عام حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، قد أكد بأن الهجمات الصاروخية الروسية على البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، تسببت في ترك الأوكرانيين من دون تدفئة أو كهرباء أو طعام، في بداية صعبة لفصل الشتاء بالرغم من التوقع أن تنخفض مبيعات النفط إلى أوروبا بعد الحظر الذي سيفرضه الاتحاد الأوروبي، بدءا من الخامس من ديسمبر المقبل، إلى جانب وضع سقف لأسعاره خارج الاتحاد الأوروبي وفي هذا السياق الثنائي والمتعدد نتوقف أمام عدة نقاط
أولها : أن أي مقاربة مختلفة مطروحة لإنهاء الحرب ستتطلب إعادة ترتيب الحسابات والأولويات السياسية والإستراتيجية مع مراعاة ما تحقق على الأرض من انجازات للجانب الروسي الذي لا يمكن أن يقبل بالفعل بتقديم أية تنازلات، أو انسحابات حقيقية من الأقاليم الأربعة التي ضمها رسميا، وباتت جزء من أرض روسيا في محيطها الإقليمي الكبير، والممتد إلى فضاء القوقاز، والذي لا يمكن للجانب الروسي الرجوع تحت أي مبرر، ومن ثم فإن تكرار سيناريو ضم إقليمي جورجيا وشبه جزيرة القرم سينطبق على الحالة الأوكرانية، وهو ما سيكون محور كل تفاهمات، أو مفاوضات سيتم إقرارها في الوقت الراهن، أو المحتمل لأنه من الواضح أن الحرب دفعت واشنطن ودول الناتو إلى اتخاذ قرارات صعبة لا مفر منها، وأنه يتعين أن تقترن التوجهات الراهنة بالثناء المستمر لدعم الجانب الأوكراني بإدراك أن مصالحها الوطنية ليست مطابقة لمصالح داعميها مع وجود فرضية تشير إلى أن العقوبات الغربية التي فرضت على موسكو، قد بدأت بالتأثير على الاقتصاد الروسي، وخصوصا على صناعتها العسكرية خاصة بعد إطلاق الرئيس الروسي بوتين مؤخرا مجلسا جديدا لتنسيق الإمدادات للجيش الروسي والذي جاء تعبيرا عن إدراكه لحجم المشاكل الاقتصادية التي تواجهها البلاد، وإحساسه بالإلحاح على معالجة الأخطار التي قد تلحق بالمؤسسة العسكرية الروسية كلها مع التأكيد على أن الناتج المحلي الإجمإلى لروسيا سيواجه انكماشا أكثر حدة بنسبة 7.1 % في الربع الرابع من عام 2022، بعد انخفاضه بنسبة 4.1 % و4 %مقارنة بالعام الماضي في العاميين السابقين.
ثانيها : أن مجرى سير المواجهة الراهنة بين الجانبين الروسي والأوكراني، يمكن أن يتغير بوتيرة أكبر وأسرع من إمكانية إتمام مفاوضات السلام، فبعد نجاح أحد الأطراف في مسرح العمليات تأتي علىه فترة يصعب علىه فيها بدرجة أكبر، تحقيق مزيد من الانتصارات. وهذا هو وضع القوات الأوكرانية في الوقت الراهن بعد استعادة مدينة خيرسون. ولا يمكن تقليص الجوانب المتنوعة السياسية والدبلوماسية والمالية والعسكرية للسياسة تجاه الحرب في أوكرانيا في موقف واحد، ومن ثم فإن تأخير المفاوضات على أمل تحقيق نجاحات عسكرية مستمرة لا يشكل فقط خطأ في افتراض أن الأداء السابق سيمتد إلى المستقبل، وإنما يعد فشلاً أيضاً في إدراك أن كل طرف له نفس الحق في اختيار وقت وشروط بدء المفاوضات. حيث أثبتت روسيا بالفعل أن حسم المواجهة لا يمكن تحقيقه. وكذلك فإن توقع أن أوكرانيا ستتمكن من السيطرة على كل ما كانت تملك من أراضٍ قبل عام 2014 من خلال الوسائل العسكرية مستبعد تماما. مع العلم بأن أوكرانيا حددت خمسة شروط للتفاوض مع روسيا هي: استعادة وحدة الأراضي؛ ما يعني الانسحاب الروسي من كل المناطق الأوكرانية، واحترام ميثاق الأمم المتحدة، لجهة سيادة أوكرانيا على أراضيها، والتعويض عن كافة الأضرار التي تسببت فيها الحرب، ومعاقبة جميع مجرمي الحرب، وتقديم ضمانات بعدم تكرار ما حدث.
ثالثها : لابد من التفاوض مع روسيا لإيجاد مخرج للمواجهة الراهنة كما أن المساعدات الغربية المقدمة لأوكرانيا هي الأخرى لا يمكن أن تدوم طويلا، خصوصا في ظل المصاعب الاقتصادية الحالية وارتفاع معدل التضخم الذي سيقود حتما إلى الانكماش الاقتصادي وارتفاع البطالة، وقد بدأت الأصوات تطالب بتقليص الدعم لأوكرانيا، أو إيقافه كليا، تتصاعد في الولايات المتحدة بعد إجراء الانتخابات النصفية للكونجرس حيث برهنت على أن شعبية الديمقراطيين ما زالت قوية، رغم تراجع شعبية الرئيس جو بايدن شخصيا، وقد ذكر الرئيس المقبل لمجلس النواب، كفين مكارثي، أن المجلس لن يقدم للرئيس شيكا مفتوحا بخصوص أوكرانيا.
رابعها : من المتوقع تقلص الهجمات الروسية والأوكرانية في الأشهر الثلاثة المقبلة، رغم أن الصواريخ الروسية بدأت تستهدف البني الأساسية لأوكرانيا بهدف إضعاف قدرتها على الصمود، ومع النتائج الإيجابية للقاء الأخير بين الرئيسين الأميركي والصيني في بالي، وتزايد احتمالات التوصل إلى حلول للمشكلات العالقة بين البلدين، فإن عزلة روسيا سوف تزداد، ومع إدانة الرئيس الصيني، شي جينبغ، التهديد الروسي باللجوء إلى السلاح النووي، العقبة الأساسية أمام التوصل إلى حل سلمي فإن فرصة التهدئة والعمل على مسار التفاوض سيكون مطروحا بقوة، وذلك في ظل قناعات وأهداف كل طرف في المديين القصير والمتوسط المتوسط ولننتظر ونري بدليل أن استمرار قنوات التواصل بين روسيا وأوكرانيا لمناقشة إمكانية تبادل أسرى الحرب، واستئناف صادرات الأمونيا الروسية إلى آسيا وإفريقيا عبر خط أنابيب أوكراني، وكذلك مناقشة إشكاليات إزالة العقبات المتبقية في مبادرة الحبوب التي جرى تمديد العمل بها مؤخرا، وتخفيف حدة نقص الغذاء العالمي عن طريق إفساح المجال للصادرات الأوكرانية والروسية على السواء. ويشار إلى أن روسيا تعمل على الإفراج عن الأسمدة الروسية العالقة في موانٍ أوروبية، واستئناف صادرات الأمونيا من خط أنابيب يمر عبر أوكرانيا. ومعروف أن صادرات الأمونيا، التي تستخدم في صناعة الأسمدة، لم تكن ضمن عملية تجديد اتفاق البحر الأسود، والذي يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية، إلا أن الأمم المتحدة عبرت عن تفاؤلها بإمكانية اتفاق الطرفين على الشروط الخاصة بخط الأنابيب.
في كل الأحوال نحن أمام تطورات مفصلية في إطار ما يجري بين كل الأطراف المهمة والرئيسة الأمر الذي يحتاج إلى توافقات تتضمن بالاساس الطرفين الرئيسين الروسي والأوكراني في إطار العمل على نقطة توازن يبدأ من خلالها تقريب وجهات النظرالمتجاذبة وحلحلة المشهد الراهن.