محمد ماموني العلوي يكتب:
انتصارات الدبلوماسية المغربية عام 2022 مستمرة
رحلة العام 2022 كانت مليئة بالإنجازات الدبلوماسية المغربية، وشجاعة المملكة كانت واضحة في مواجهة تداعيات الصراعات الجيوسياسية، ودوامات المواجهة بين التكتلات الدولية، وتيارات التضخم المتصاعدة، وأزمة الطاقة. وواجهت المملكة المغربية على مدار العام الذي نودع تحديات قوية، وجها لوجه، ودفعت بأجندتها الدبلوماسية بتصميم أكبر لتحقيق نجاحات في ملفات عديدة وفي قلبها قضية الوحدة الترابية. وكان اعتراف الحكومة الإسبانية بمبادرة الحكم الذاتي كحل لإنهاء الصراع المفتعل حول الصحراء، نتيجة لتركيز العمل الدبلوماسي المغربي على الأولويات القصوى.
بالنسبة إلى المملكة، فإن عام 2022 المنتهي فترة بالغة الأهمية في بناء الجسور بين الماضي والمستقبل. وهنا نقتبس رأي السفير المغربي السابق في دمشق، الذي قال إن “القوة الهادئة التي يتميز بها الملك محمد السادس، كانت دوما حاضرة وفاعلة في جل التحولات السياسية والدبلوماسية التي عرفها ملف النزاع المصطنع حول الصحراء المغربية، سواء على مستوى الاتحاد الأفريقي أو على مستوى الأمانة العامة للأمم المتحدة أو على مستوى العلاقات الثنائية المتعددة على الصعيد الأوروبي والأميركي وغيرها”.
استعراض ومعاينة الوضع الداخلي والعلاقات الدبلوماسية الخارجية للمملكة المغربية، كانت محل اهتمام آخر مجلس حكومي لهذا العام انعقد الخميس التاسع والعشرين من ديسمبر، حيث قال عزيز أخنوش رئيس الحكومة إن “2022 لم تكن سنة يسيرة، بل مليئة بالتحديات والإنجازات الاجتماعية والاقتصادية بالرغم من الإكراهات التي فرضتها الظرفية، المرتبطة أساسا بآثار الأزمة الصحية والتوترات الجيوسياسية وقلة التساقطات المطرية، وبفضل التوجيهات الملكية والرغبة القوية للحكومة ومختلف الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، نجحنا في مواجهة مخلفات الأزمة وفي الحفاظ على جو الثقة مع المواطنين ومختلف الفاعلين”.
المملكة تعي جيدا أن كل مؤسسات الدولة في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى اعتماد رؤية متجددة لتوجيه البوصلة السياسية والدبلوماسية إلى الأمام لمراكمة المكتسبات والدفاع عن المصالح
المكاسب التي حققتها الدبلوماسية المغربية خلال سنة 2022 جاءت نتيجة تراكمات الأعوام السابقة، حيث ينصهر الفعل الدبلوماسي خارجيا مع الإنجاز التنموي والاجتماعي والاقتصادي والحقوقي والسياسي داخليا، وهذا ما جعل من صيانة وحماية الوحدة الترابية للبلاد من الأولويات الأساسية، وترجمة هذا المحدد تتجلى في تواتر زخم الاعترافات الأفريقية والعربية والدولية بمغربية الصحراء، وتسارع ديناميكية فتح قنصليات بالعيون والداخلة في الأقاليم الجنوبية.
تتطور اتجاهات التحول والاضطراب باستمرار على المستوى الإقليمي والدولي، لهذا حسم الملك محمد السادس في تعيين يوسف العمراني في هذا المنصب في المجلس الوزاري المنعقد بالقصر الملكي بفاس في السابع عشر من أكتوبر 2022، وكان حينها سفيرا للمغرب لدى جنوب أفريقيا، وسيكون هذا السفير نافذة المملكة على دول هذه المنطقة الإستراتيجية والحيوية، ومواجهة كل تحركات الخصوم والمنافسين الذين يتصيدون في المياه العكرة.
التغلب على جميع الصعوبات، ومعالجة الضرورات المحلية والدولية والإقليمية، وإحراز تقدم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق نجاحات كبيرة جديدة في قضية الصحراء، من الأولويات الدبلوماسية، وستكون ضمن أولويات العمراني السفير المغربي المخضرم لدى الاتحاد الأوروبي.
إذا كانت الأزمات تولد التغيير والآمال في نفس الوقت، فستكون ضمن أولويات هذه الشخصية الدبلوماسية مواكبة التفاهمات التي سطرتها القيادة السياسية المغربية مع نظيرتيها الإسبانية والألمانية بعد الأزمة التي شهدتها علاقاتهما مع المملكة سابقا، والتعامل بجدية وحزم مع كل تلك التقارير الإعلامية الأوروبية التي تتعارض مع مصالح المغرب من داخل الاتحاد الأوروبي، على غرار الادعاءات المتعلقة ببرنامج بيغاسوس وبروز قضية “قطر غيت”.
والتحديات المرتبطة بعلاقات المغرب مع الاتحاد الأوروبي كبيرة، حيث أن هناك من لم يقبل أن تكون للرباط مواقف سيادية في ما يتعلق بالدفاع عن مصالح المملكة. الاتحاد يضم بين أعضائه لوبيات تناوئ المصالح المغربية، والتعامل الدبلوماسي المغربي أصبح حاسما في التعاطي مع أي شخصية أو دولة تحاول التقليل من قيمة مؤسسات المملكة وممثلي الدولة. وهنا لا بد من التعريج على الدعوة القضائية التي رفعها رئيس الحكومة عزيز أخنوش ضد النائب الأوروبي – الفرنسي السابق جوزي بوفي الذي ادعى أن المغرب حاول رشوته على هامش مفاوضات صفقة تجارية قبل سنوات، وذلك عندما كان مقررا للجنة التجارة الخارجية ما بين 2009 و2014.
الدبلوماسية المغربية أثبتت جدارتها في التعامل مع الدول الصديقة والخصوم، بطريقة تقدم فيها المصالح المشتركة مع الإصرار على حماية السيادة والأمن القومي
الدبلوماسية المغربية كانت حاسمة في ما يتعلق بالأزمة التي خلقتها باريس وكان وجهها البارز هو التأشيرات التي تم حلها مؤخرا من طرف الفرنسيين، واعتبرتها الرباط موقفا سياديا فرنسيا، ما يعني أن المملكة تصر على أن يكون الموقف الفرنسي شاملا واضحا لا لبس فيه في ما يتعلق بملف الصحراء، وتبني رؤية تتماشى مع المتغيرات الجديدة في هذا الملف منها الاعتراف الأميركي والتحول الإسباني الجذري والتعاطي الإيجابي للألمان مع قضية وحدة التراب المغربي، لهذا اختارت فرنسا كريستوف لوكورتيي سفيرا جديدا بالمغرب، كخطوة لإنهاء الأزمة غير المسبوقة في العلاقات بين البلدين، جاءت بعد نحو أسبوعين على زيارة وزيرة الشؤون الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إلى الرباط.
نظرا إلى أن العالم يمر بتغيرات ذات تأثير عميق وبعيد المدى على كافة المستويات فإنه يحتاج إلى رؤية بعيدة وهدوء دبلوماسي لمعالجة الإشكاليات والملفات العالقة. وكان التصعيد الفرنسي في سبتمبر الماضي، باستدعاء السفيرة هيلين لوغال، غير مدروس وتم تحت توصية الاستخبارات الفرنسية للرئيس إيمانويل ماكرون، ما جعل المغرب يرد بطريقة دبلوماسية أكثر دقة وحزما، بتاريخ الثامن عشر من أكتوبر الماضي، عندما أمر الملك محمد السادس بتعيين سفير المغرب في فرنسا محمد بن شعبون رئيسا للصندوق الاستثماري المُحدث الذي يحمل اسم العاهل المغربي.
البيئة العالمية والمضي قدما في المهام الهائلة في دفع عملية الإصلاح في العديد من الملفات منها قوانين الاستثمار وملف الدعم المخصص للفئات الهشة ماديا وأيضا الذهاب بعيدا في موضوع الصحة، إلى جانب تعزيز التنمية، للحفاظ على مكتسبات الاستقرار الداخلي، كل هذا جاء ليخدم الدبلوماسية ويتقاطع معها.
أثبتت الدبلوماسية المغربية جدارتها في التعامل مع الدول الصديقة والخصوم، بطريقة تقدم فيها المصالح المشتركة مع الإصرار على حماية السيادة والأمن القومي. وفي نفس الوقت قدمت الرباط يد المصالحة من موقع قوة مع دولة جارة مازالت تعيش على مائدة الحرب الباردة، وهذا لم يحد من مساهمة المملكة في دعم السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة.
المملكة تعي جيدا أن كل مؤسسات الدولة في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى اعتماد رؤية متجددة لتوجيه البوصلة السياسية والدبلوماسية إلى الأمام لمراكمة المكتسبات والدفاع عن المصالح، والوصول إلى أجندة قابلة للتطبيق لمواجهة تحدياتنا سواء مع الأوروبيين أو في المنطقة وأفريقيا، وقوة أكبر لبناء توافق في الآراء بين الفرقاء السياسيين للتعامل مع الخصوم والأصدقاء.