محمد ماموني العلوي يكتب:
الهجرة الجماعية نحو سبتة: دوافع غير سرية وخطط معلنة
الدعوة إلى تنظيم هجرة جماعية بشكل علني وعبر وسائل التواصل الاجتماعي خطوة جديدة في أجندات المخططين لهذا النوع من الأعمال التي تمارسها شبكات موزعة بين بلد المصدر المغرب وبلد الاستقبال سبتة ومليلية المحتلتين.
المعروف عادة أن شبكات الاتجار بالبشر تنظم هجرات سرية مستخدمة قوارب مطاطية صغيرة تحمل الراغبين في الهجرة نحو أوروبا بعد دفع مبالغ مالية كبيرة، دون مراعاة ما قد يتعرض له المهاجرون من مخاطر قد تنتهي بالموت أو الضياع في البحر عند محاولة العبور إلى الطرف الآخر.
الإعلان عن توقيت المغادرة ومكانها في مدينة الفنيدق شمال المغرب الذي استنفر السلطات الأمنية المغربية ليس بريئًا، ولا يكفي لتفسيره التأويل البسيط الذي يقول إن الظروف الاجتماعية دافعٌ لهذه المحاولة الجماعية.
الاستنفار الأمني الكبير الذي عرفته مدينة الفنيدق ومحيطها المحاذي لسبتة المحتلة لمنع المحاولة الجماعية للهجرة غير البريئة، من خلال استغلال الأطفال والمراهقين، يدخل في إطار أولوية سيادة الدولة وضبط الحدود
لا يمكن توجيه اللوم فقط إلى السياسات العمومية والبطالة وتباطؤ التنمية، كل هذا وارد، إلا أن الدولة تعمل على معالجة كل هذه الظروف. ما يقف وراء الظاهرة هو التحريض والاندفاع لعبور البحر دون التفكير بالعواقب. وهذا يحتاج إلى التبصر في العوامل الحقيقية التي دفعت هؤلاء المراهقين والأطفال والشباب إلى التفاعل مع تلك الدعوات وركوب المخاطر للوصول إلى “الفردوس المنشود”.
لا يمكن نفي عامل الطموح للحصول على ظروف اجتماعية أفضل وتحسين الدخل وتجريب ما تقدمه أوروبا في هذا الباب. ولا يمكن أيضًا استبعاد التحريض المستمر الذي يتعرض له الأطفال والمراهقون الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي دون حماية تذكر من طرف الأسرة والمدرسة والمجتمع.
لا يمكن فهم خروج أطفال من المدرسة والذهاب مباشرة نحو الحدود برفقة بعض الأصدقاء، إلا إذا كان هناك تحريض مستمر للعائلة. فئة الأطفال والمراهقين تعتبر فريسة سهلة لشبكات متربصة غرضها تحويل هؤلاء إلى أرقام في حساباتهم المالية، لا يهمها إن غرقوا أو تم القبض عليهم وإرجاعهم إلى موطنهم، أو تعرضوا للاستغلال بكل أنواعه.
تم إفشال محاولة 15 سبتمبر التي تورط فيها مراهقون وشباب لاقتحام سبتة، وكان المدبرون لهذه العملية يهدفون من ورائها إلى خلق ضغط حقوقي على المغرب الذي يرأس مجلس حقوق الإنسان، وتضخيم ما حدث في الفنيدق للمس بمصداقية المملكة على كافة المستويات، وإظهار المغرب على أنه بلد لا تنمية ولا مستقبل جيديْن ينتظران أبناءه. وبالتالي ضرب الاقتصاد وإبعاد المستثمرين. والسبب أن المغرب كان حريصًا على خنق مافيا التهريب بكل أشكالها، ووضع حد للتهريب من باب سبتة، وإقرار عفو على مزارعي القنب الهندي، وشن حرب دون هوادة على أباطرة المخدرات ومتابعة ناهبي المال العام والفاسدين.
لهذا كله لا يمكن نفي عامل التحريض، بصماته بارزة وأسبابه واضحة، وهذا ما يتفق فيه معنا موقع “ألفارو دي سيتا” الذي نقل تصريحا عن المتحدث باسم حكومة سبتة المحتلة، أليخاندرو راميريز، يقول فيه إن “هذه الموجة لا يمكن أن تكون عفوية، وما يلزم هو البحث عمّن وراء الدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
الهجرة لها دوافعها وهي مقترنة بقضايا اجتماعية واقتصادية كالبطالة، وانخفاض مستويات المعيشة وعدم كفاية الخدمات
وها هي نفس الجهات تعاود إطلاق دعوة ثانية للحرقة تقول إن موعدها بعد 15 يوما من الآن، وهذه جرأة كبيرة وإصرار على المس باستقرار وأمن المملكة في محاولة يائسة لنسف ما حققته في مجال تنظيم الهجرة والسيطرة عليها.
لقد تبنت المملكة إستراتيجية وطنية للهجرة واللجوء، تهدف إلى تنظيم شامل قائم على إصلاحات تهدف إلى تحديث الإطار القانوني والمؤسسي وتعزيز حقوق المهاجرين غير النظاميين وفقًا للمعايير الإنسانية، ونفذت مجموعة من التدابير والسياسات الوطنية الرامية إلى إدارة تدفقات الهجرة غير النظامية مستندة إلى توجيهات المؤسسة الملكية وبإشراك جميع الأطراف المعنية الرسمية وغير الرسمية كتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتعاطي مع كل التحديات والمتغيرات التي تؤثر في هذه الإستراتيجية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
هناك عدد كبير من المهاجرين غير النظاميين يعبرون بمساعدة شبكات إجرامية متخصصة في التهريب، وضعت تسعيرة تختلف حسب المؤهلين للهجرة السرية من أطفال ونساء ورجال، مما يجعل تلك الشبكات تراكم ملايين الدولارات سنويًا من خلال عملها في الاتجار بالبشر وتجنيد للصراعات المسلحة، وتهريب الأسلحة والمخدرات. وأي محاولة لخنق مسارات وتكتيكات شبكات المهربين من طرف الجهات الأمنية المغربية تعتبر تعديًا على حقها في العمل، وهو ما يشير إلى وجود تحالف بين تلك الشبكات وأطراف تريد إنهاك المغرب وتعطيل إستراتيجياته للحد من الهجرة غير النظامية.
نعود إلى المشاكل الاجتماعية والبطالة، لنؤكد أن أي برنامج اقتصادي أو اجتماعي يستهدف المجتمع والأسرة المغربية يحتاج إلى مواكبة ومراقبة وتقييم دوري من طرف الجهات المختصة لمحاسبة كل مسؤول إداري أو وزاري أو برلماني فشل في القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه ولم يؤدِ دوره على أتم وجه.
لا يمكن استبعاد التحريض المستمر الذي يتعرض له الأطفال والمراهقون الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي دون حماية تذكر من طرف الأسرة والمدرسة والمجتمع
الهجرة لها دوافعها وهي مقترنة بقضايا اجتماعية واقتصادية كالبطالة، وانخفاض مستويات المعيشة وعدم كفاية الخدمات. ولا ننسى في هذا الباب أيضًا أن هناك مهاجرين من الصحراء الكبرى واليمن وسوريا وغيرها من الدول التي تغيب فيها عناصر الأمن والتنمية، أي أن هؤلاء وجدوا ما فقدوه هنا بالمغرب، فآثر البعض المكوث هنا وآخرون يقومون بتجريب حظهم في الانتقال عبر المتوسط نحو أوروبا.
الاستنفار الأمني الكبير الذي عرفته مدينة الفنيدق ومحيطها المحاذي لسبتة المحتلة، يومي 14 و15 سبتمبر، لمنع المحاولة الجماعية للهجرة غير البريئة، من خلال استغلال الأطفال والمراهقين، يدخل في إطار أولوية سيادة الدولة وضبط الحدود وهذا مفهوم. لكن بموازاة ذلك يحتاج الأمر إلى تقييم السياسات المتعلقة بالتنمية وتوفير فرص الشغل وخلق بدائل اقتصادية في المناطق التي تعاني من الهشاشة، فلا يمكن الاعتماد فقط على ضبط الحدود أمنيًا بل لا بد من بذل الاهتمام لتطوير القطاعات الاجتماعية والتربوية والاهتمام بالأسرة لضمان بيئة مستقرة تخفف من قلق المراهق والطفل وخوفه على مستقبله.
اللعب على وتر العوامل الاجتماعية والاقتصادية باستخدام أطفال ومراهقين مكانهم الطبيعي في المدارس ومراكز التكوين، هدفه إحراج المغرب دوليًا وإقليميًا بعد أن أصبح عصيًا على الانكسار وحقق مكاسب كبيرة مكنته من توسيع شبكة شركائه واستقطاب استثمارات جديدة وتمتين علاقاته الإستراتيجية وإقناع إسبانيا وفرنسا وغيرهما من الدول بالاعتراف بسيادته على صحرائه.