أحمد عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

سلام الأوهام مع الحوثيين .. المخاطر والمآلات !!

في نهاية العام 2015 , وعاصفة الحزم كانت على اشدها, فيما طائرات التحالف العربي تمطر صنعاء بحممها من الجو , استمعت الى مسؤول خليجي كبير وهو يقول لنا في مكتبه ,بأنه ما كان لهم أن يختاروا خيار الحرب في اليمن لولا أن شعروا بخطورة التدخل والوجود الايراني على أمنهم القومي هناك , وأن دورهم كان يمكن أن يقتصر على دور " الوسيط " بين الأطراف اليمنية المتصارعة في صنعاء من أجل تحقيق تسوية سياسية ممكنة . أي ان الهدف السياسي للحرب كان " القضاء التام " على التهديد الايراني للأمن الخليجي الذي كانت ستفرضه ايران من اليمن من خلال مليشيات الحوثي , وهو تهديد أمني " خطير " ولا يقل خطورة – من وجهة نظري الشخصية – عن تهديد صدام حسين للأمن الخليجي حينما احتل الكويت يوم 2 اغسطس 1990 م .  

نقول هذا الكلام بعد مرور قرابة الثمانية أعوام على انطلاق عاصفة الحزم, التي لم تحقق اهدافها المرجوة مع الأسف الشديد , ونحن نسمع ونتابع  خطوات عملية يقال أنها تهدف الى تحقيق " سلام " مع الحوثيين !  وفي حقيقة الأمر أنه يمكن ان نستوعب امكانية تحقيق اي شيء في السياسة الا ان يتحقق سلام حقيقي مع الحوثيين يقوم في الاساس على ضمان بنسبة 100 % عدم وجود اي تهديد ممكن للأمن الخليجي بشكل عام والسعودي بشكل خاص , وهو الهدف الاستراتيجي الذي انطلقت عاصفة الحزم من اجل تحقيقه ! أي اننا هنا امام حالة تستبدل فيها وسيلة تحقيق " القضاء " على التهديد الايراني للأمن الخليجي عبر اليمن من خلال الحرب الا وسيلة تحقيق ذلك عبر " السلام " ! .. فهل هذا الهدف ممكن من الناحية الواقعية أم لا ؟!

ان أهم سؤال يمكن ان يطرحه اي مسؤول في التحالف العربي على نفسه يقول في مضمونه : هل يمكن عمليا ضمان أمننا الخليجي والعربي على المدى المتوسط والبعيد بتوقيع اتفاقية سلام مع الحوثيين , الذي هو عبارة عن " وكيل ايران المعتمد " في المنطقة ؟!  .. الجواب – من وجهة نظري – لا .. وألف لا.. ومخطىء تماما من يراهن على هذا الوهم أو يجري خلفه , أو ان يعتقد ولو بنسبة ضئيلة جدا ان مثل هذا الأمر يمكن ان يحدث مع طرف يقوم وجوده أساسا على " عقيدة سياسية " نقيضة تماما لعقيدتنا ومتطابقة مع العقيدة الدينية في ايران , ويعتمد في ديمومته ووجوده على التخادم مع مشروع سياسي قومي – فارسي يرتكز في اهم مقوماته على خاصية " التمدد وبسط النفوذ " في المنطقة العربية عبر البئية الاجتماعية – الدينية التي تتطابق معه عقائديا وتتناغم معه سياسيا كما هو الحال مع الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان , والتي يمكن استخدامها كأداه سياسية لتحقيق ذلك التمدد والنفوذ .. فعلى اي حسابات يمكن ان يقوم السلام مع الحوثي وفق الحقائق الأكيدة اعلاه ؟

ربما ذهب التفكير لدى بعض الاخوة في التحالف العربي الى استحسان فرضية تقول : انه اذا تخلى الحوثي عن ايران فنحن على استعداد تام ليس لعقد اتفاقية سلام معه فقط, وانما حتى لدعمه والتعاون معه اقتصاديا ! .. ويبدو الشرط الافتراضي " اذا تخلى " في لغة السياسة والواقع شرطا ساذجا الى اقصى حد , لأن التخلي في هذه الحالة , كمثل ان يطلب من احدا ما ان يتخلى عن " الاكسجين " من اجل ان تعقد معه صفقة بعينها ! وحتى تكون الصورة اكثر وضوحا بمفردات السياسية يمكن ان نستبدل هذا " التخلي " المطلوب من الحوثي , بتخلي افتراضي آخر يقول : اذا تخلى السيد / حسن نصر الله عن ايران فيمكن ان يقبل به في الحظن العربي , ولأن تخلي نصر الله عن ايران يبدو مستحيلا , فان تخلي عبدالملك الحوثي ايضا عن ايران يماثله تماما ... ثم من جهة أخرى هل يمكن أن تبنى الخيارات الاستراتيجية على " الفرضيات " التي تصل احتمالية وقوعها الى درجة قريبة من الصفر ؟!

واذا ذهبنا الى ماهو ابعد من ذلك , فيمكن ان نستشهد بالحالة السورية للنظام السياسي في دمشق الذي يعتنق عقيدة البعث القومية العربية, ولكنه في مرحلة ما, وقف ضد جاره العربي في بغداد والذي يتقاسم معه ذات العقيدة السياسية لأنه دخل في حرب مع ايران غير العربية من باب أنه " علوي " فقط !! وهذه الميزة ذات الطابع الديني العقائدي من وجهة نظر الاسد حينها اعتبرت لديه أهم وأفيد من عقيدة حزب البعث القومية العربية , ومثلت بالنسبة له بوابة عبور لعلاقة وثيقة مع ايران الاسلامية اكثر منها مع شقيقه العربي في بغداد او حتى في بعض الحالات مع الخليج العربي نفسه او مصر العربية مثلا ! فكيف يمكن ان نتخيل لوهلة واحدة ان الحوثي يمكن ان يفضل علاقة مع الجوار العربي على حساب علاقة استراتيجية مع من اوجده عمليا ويرتبط معه – من وجهة نظره – بشكل عقائدي ديني سياسي لها ابعاد تاريخية عميقة واكثر عمقا مما يربط نظام دمشق مع طهران ؟!

قد يقول قائل .. في السياسة تحدث اتفاقيات براجماتية , وتنجح وتكون لها ضمانات معينة , فمالذي يمنع ان يحدث ذلك مع الحوثي ؟! فقد تدخل دول عظمى على الخط وتضمن مثل هذه الاتفاقيات وربما ترعاها وتتبناها ,وتراهن عليها لتحقيق السلام كمثل الولايات المتحدة الامريكية مثلا او دول الغرب  او غيرها. أمام هذه الفرضية يمكن الرد بما يلي : ان واشنطن التي تمكنت من القضاء على قاسم سليماني في ظرف خمسة دقائق فقط بحسب كلام بامبيو وزير الخارجية السابق في كتابه الأخير, كان يمكنها ايضا ان تقضي على عبدالملك الحوثي بطريقة اكثر سهولة من حالة سليماني ان رغبت, وكان يمكنها ان تساعد التحالف العربي في " خنق " الحوثي اقتصاديا لولم تتدخل عمليا , وتمنع قواتنا من دخول مدينة الحديدة ومن ثم فرضت اتفاقية ستوكهولم التي مكنت الحوثي من الحديدة بطريقة شرعية !  .. أن من قام بكل ذلك خدمة للحوثي لن يقدم لك الضمانات التي تتحدث عنها خدمة لك, وسيكون من مصلحته الاستراتيجية ان يكون هناك " مهدد حقيقي " للأمن الخليجي في جنوب جزيرة العرب حتى يبقى وسيلة ابتزاز مستمرة تستخدم وقت الحاجة ... وليس هنالك حاجة اكبر واهم من مواجهة المشروع العربي الكبير الذي يقوده حاليا الأمير محمد بن سلمان.. المشروع الذي يقلق دول عظمى كثيرة , خاصة وان مقومات نجاحه تبدو الى حد كبير مضمونة وأكيدة.

ان خطورة تحقيق اتفاقية سلام مع الحوثي وفق الفرضيات اعلاه , ستعني ان الحوثي وايران سيقبلان بذلك حاليا من منطلق وحسابات تكتيكية تفرضها ضرورة مرحلية فقط, ولن يكون تبعا لذلك اي تهديدات محتملة على المدى القصير وربما المتوسط على الأمن الخليجي والعربي من الحوثي قادما من اليمن , ولكن الذي سيحدث لاحقا سيكون هو الخطر الحقيقي والمهدد الأكبر , لأن الطرف الحوثي سيقوم باعتباره دولة معترف بها -حتى وان كان معه شركاء آخرون – بتوقيع اتفاقيات تسلح مع ايران تحت الشمس وستوقع في وضح النهار بين وزارة الدفاع اليمنية ونظيرتها الايرانية اما في طهران او في صنعاء وسيعمد الحوثي خلال السنوات القادمة على زيادة , وبناء قواته العسكرية حتى تصبح قوات نظامية كبيرة – وليس مجرد مليشيات – تملك امكانيات هائلة تضاهي ما كان يملكه صدام حسين في الثمانينات وربما اكبر, مع ما يعنيه ذلك من خطر حقيقي أمني عسكري قادما من الجنوب ... هذا هو السيناريو الذي سيحدث حتما وبنسبة 100 % , وانا هنا اراهن بل واحذر من حدوث مثل هذا الخطر واكتب هذا الكلام هنا معتقدا بدرجة كبيرة ان مثل هذا السيناريو مفهوم ومستوعب لدى صناع القرار .. ونحن نعيده للتذكير والتنبيه ليس الا , عطفا على ما نتابعه بقلق من سير حثيث نحو عملية سلام خطيرة- مهلكة ان حدثت مع الحوثي .

 ملاحظة:

 سأتحدث عن وضع الجنوب في مقالة منفردة في حال حدوث مثل هذا السيناريو المشؤوم القائم على توقيع اتفاقية سلام مع الحوثيين , والتي ان حدثت لن يكون الجنوب العربي بكل تأكيد طرفا فيها , بل سيقاتل على ارضه من اجل وجوده وحقه المشروع في العيش بحرية وكرامة وسيادة على ترابه الوطني.