د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

شعوب مشردة وأوطان ضائعة !!

جدة

سبعون عاما وأكثر، كافحت الشعوب العربية من أجل الاستقلال  واستعادة “الوطن السليب - فلسطين الحبيبة”،   لكن الحلم تحول إلى كابوس، وضاعت بعده  أوطان أخرى .
وقريبا ستكون بعض أوطان العرب بلا شعوب وأصبح  عدد اللاجئين والمهجرين من السوريين، يفوق من صمدوا في بيوتهم. الضحايا من القتلى والجرحى والمفقودين عددهم  يزيد على سكان بعض الدول العربية !!
اما الليبيين والسودانيين والتوانسة  والعراقيين ليسوا بأفضل حال. ملايين منهم  في الخارج، ومثلهم من اليمنيين  في رحلة لا تنتهي للبحث عن الخلاص داخل اليمن وخارجه !!
الإحصائيات تؤكد أن عدد اللبنانيين في المهجر أكبر بكثير ممن هم  في الوطن الأم  وحصة العرب في قوارب الموت أكثر من حصة الأفارقة وهكذا أصبحت أوطان العرب بلا شعوب. ظاهرة لم يسبق أن حصلت في التاريخ الحديث .
ولا تقف التداعيات عند هذا الحد؛ إذ قد يشهد القرن الحالي تشرد أمة بكاملها. أمة تذوب وسط أمم الأرض، ولا يعود لها كيان وهوية. شعوبها تتوزع على ملاجئ العالم الباردة، وتغيب ملامحها في المدن البعيدة، وبين الحضارات الصاعدة !!
بالمعنى الحضاري، الأمة العربية غير موجودة على خريطة الأمم. لم يتبق غير المظهر يدل على وجودها. وأصبحت الهجرات القسرية والطوعية عن الأوطان في تتابع مستمر تتنازعها الحروب الداخلية، والصراعات الطائفية والحزبية  والمناطقية . وانعدام فرص الحياة الكريمة، يجر ملايين الشباب العرب لأبواب السفارات الأجنبية. حلم كل شاب عربي اليوم أن يغادر وطنه في الحال. حتى في البلدان العربية الغنية، صار الالتحاق بالجماعات الإرهابية، يتقدم على طلبات الالتحاق بالجامعات !!
في غضون أربع سنوات انتقل نحو ستة ملايين سوري للحياة خارج بلدهم، ومثلهم وربما أكثر من العراقيين في العقد الأخير. وفي أقل من عامين زاد عدد سكان بلد صغير مثل الأردن بنسبة 25 %. وتحول بلد هش مثل لبنان إلى خزان كبير للاجئين
هذه الكتل الضخمة من البشر لا تفكر بغير الهجرة الأبدية إلى أوروبا وأميركا  وسبعة آلاف مسيحي عراقي في الأردن يرفضون العودة إلى بلادهم مهما كان الحال، ويبدون تصميما عجيبا على الهجرة إلى أميركا وفرنسا ما من أحد؛ أقليات أو أكثريات يطيق العيش في الوطن الأم. شعوب بحالها تبحث عن أوطان جديدة . 
ليس على الفلسطيني أن يشعر بعد اليوم بمأساته وحده؛ مأساة النكبة والتشرد، فملايين العرب صاروا بمثل حاله؛ شعوبا بلا أوطان، أو العكس لا فرق .
ليس أسوأ من صراع الهويات، وضياع الانتماءات، وليس هناك ما هو أشد من الألم إلّا إحساسك بأن أثمن ما تملكه يضيع أمام عينيك وليس بمقدورك أن تردع من يعبث به !!
ولم يكتف حكّامنا أن سلبوا منا أوطاننا، وأصبحنا معلّقين بين الانتماء له، واللا انتماء، لم يكتفوا بذلك، بل زادوا أن عاقبونا على الشيء الثمين الذي بقي فينا حتى أصبحنا في ذيل الأمة، التي نتفاخر بالانتماء لها، ومن المعيب والعار في آن، أن نكون الشيء الذي لا يوجد فينا !!
والمتنفذون يريدون أن نبقى  مجرد طبول يقرع عليها الحكام ورجال المخابرات، يريدوننا مجرد أدوات  للهوامير وأصحاب النفوذ، لم نعرف الوطن الذي حدثونا عنه، غرسوا فينا مفاهيم وثقافة منحرفة عن الهوية الوطنية، التي تميّز جماعة دون أخرى، وشيخا دون آخر وحزبا له الصدارة وغيره في الشارع !!
مزقوا فينا الهوية الجامعة واستبدلوها بالهويات الصغيرة التي تمنحهم الصلاحيات والمميّزات، وتضمن لهم البقاء حراسًا لأوطانهم ونظل  نحن فيها مجرّد رعايا وأرقامًا على الهامش
ونشروا العنصرية ويريدون اقناعنا بأنهم سلالة مقدسة وقناديل مضيئة منزلة من السماء وغيرهم مجرد زنابيل !!
د . علوي عمر بن فريد