علي محمد جارالله يكتب لـ(اليوم الثامن):

إلى الشاعر أمين الميسري.. "لماذا ظلم الفنان العدني حياً وميتاً"؟

أبوظبي

أخي الشاعر امين الميسري،

سلام الله عليك و بركاته،

كتبت في مقدمة موضوعك الذي تنتقد فيه الفقيد سالم بامدهف:

(الكتابة مسئوليّة، و النقد مسئولية، و طرح الرأي مسئولية). 

كانت مقدمة جميلة جداً، لهذا اقول لك انه على من يريد الكتابة عن إنسان و تقييم تجربته، عليه ان يبحث كثيراً عن ذاك الإنسان حتى لا يقع في اللا مسؤولية.

انت سألت في بداية موضوعك (ماذا قدم بامدهف في هذه السنين الطويلة؟)، و كان حري بك ان تبحث و تسأل ما قدّمه في عدن، و اقرب إنسان كان يمكنه ان يفيدك هو ابنه جهاد محسن، و كذلك الفنان عصام خليدي، او اي فنان عدني موجود.

ذكرت في موضوعك (ماذا قدّم بامدهف في هذه السنين الطويلة؟) و تقصد في 89 سنة عاشها، و سؤالي لك هل كنت تريده ان يغني حتى سن 89؟.

الأستاذ الميسري، الفقيد بامدهف يعتبر مع الفقيد خليل محمد خليل من عباقرة و رواد الأغنية العدنية، و كان اول فنان عدني ينضم الى "ندوة الموسيقى العدنية" في 1949م، أي قبل 74 سنة، و في العام 1951م انظم بامدهف الى "الرابطة الموسيقية العدنية" كأول فنان عدني مع الفقيد خليل محمد خليل.

في تلك الفترة و بعدها غنّى بامدهف أجمل الأغاني العدنية، و انت قد ذكرت بعضها، و قد اعترف الفقيد المرشدي بأنه تأثر كثيراً بأغاني و الحان الفقيد با مدهف. 

انت ظلمت الفقيد بامدهف لسبب بسيط انك لم تبحث كثيرا عن تاريخه الفني و ما قدمه للفن العدني، فالفقيد هاجر الى الإمارات، و لم يكن الفنان الوحيد الذي ترك عدن، و لكن الكثيرون فضّلوا الهجرة الى خارج حدود الجنوب و خاصة عدن، اما لظروف خاصة و اما لأوضاع سياسية او اقتصادية، لقد ترك الكثير من الفنانين الجنوبيين العدنيين بلدهم و منهم الفنان ابوبكر سالم بلفقيه و الدكتور عبدالرب ادريس، و كان قد سبقهم قبل ذلك الفنان الراحل احمد يوسف الزبيدي و ياسين و ابوبكر فارع و علي احمد جاوي و محمد عبده سعد، و الفنان فرسان خليفة، و ذهب الفنان سالم احمد بامدهف الى دولة الامارات ليعيش و يعمل فيها كريما عزيزا.

كل هؤلاء هاجروا حبيبتهم عدن و هم مشهورين، و غادروها ليس ليغنّوا، و خاصة في تلك الفترة لم يكن الغناء عمل يدر على اهله فلوس، و انما كانت هواية، و كذلك هؤلاء الفنانون غادروا الى دول كان الغناء فيها لا زال في بداياته، و انت في موضوعك قلت ان الرجل انتهى كفنان، و كأنك اعدمت كل ما قدمه لبلاده. 

با مدهف كان وفياً لفنّه لمدة تقريباً لا تقل عن 30 عاماً، و كذلك كان وفياً لمدة لا تقل عن 40 سنة عندما كان المشرف على المكتبة الغنائية في الاذاعة و التلفزيون في عدن، و انت تأتي لتتهمه بقولك:

(على الرغم من سعة الرزق، و حياة الرفاهية - و هو خارج البلاد – إلا أنه لم ينتج فناً – كما كان في عدن- بل أنتج تجارة مزجاة. حتّى سيرته الفنية لم يدوّنها؛ كي تكون شاهدة عليه، و لكن البلادة و عدم القراءة و الكسل و الحياة الرغيدة أبعدته كفنان و إنسان).

ما هذه القسوة يا أخي؟ هذا ليس تقييم و لا حتى نقد فني، انه تجني صريح، فكيف لك ان تتهمه بأنه بليد و لا يقرأ بل كسول و حياته الرغيدة أبعدته كفنان و إنسان؟ حتى جرّدته من إنسانيته..!!!

هو لم يكن تاجراً، كان موظفاً في تلفزيون ابوظبي حتى وصل لمرحلة التقاعد، و كذلك انهكته امراضه التي كانت تداهمه، و إتهامك لخ بأنه تاجر، و كأنك تتهم كل الجنوبيين الذين يعملون خارج وطنهم تجارا؟ هذا هو الظلم بعينه.

هل كل الفنانين الذين غادروا عدن للأسباب التي ذكرتها لك اعلاه غنّوا في المهجر، غير الفقيد بلفقيه؟

هل كتب أحد فناني عدن سيرة حياته ؟ 

ثم تتسائل كيف لنا ان نقيّم الفنان سالم بامدهف؟ و تصفه بأنه فنان مرحلة كان نجمه ساطعاً ثم أفل؟ و هل يحق لنا ان نطلق عليه فناناً كبيراً؟

يا استاذ أمين، كيف تعرف او تقيّم الفنان الناجح؟

الفقيد با مدهف له 36 اغنية في مسيرته الفنية، و كلها مشهورة و ناجحة، رغم انه كان غير متفرغ للغناء، و يكفيه فخراً أنه أسس بمعيّة الفقيد خليل محمد خليل الفن العدني الجميل.

أخي أمين قلت أن لحنيه "عرائس اللحن، و الهوى و الليل"، و علقت بأسلوب لا يليق بالفنان العدني بامدهف عندما قلت "و بضاعة بامدهف في اللحنين متواضعة او قليلة جداُ، فكم كنت اتمنى ان تتفرغ للحديث عن النصوص الشعرية، و تبتعد عن تقييم الألحان لأنها ليست تخصصك، إذا لم تعجبك الأغنيتان فلا يعني انهما سيئتان. 

و تساءلت في نهاية نقدك لفن الفقيد بامدهف إن كانت له أغانٍ وطنية، فأقول لك نعم له اغني اعتقد الّفها الأستاذ عبدالله عبدالكريم و اسمها "يا سلام يا يمنا يا غالي علينا.

انت كنت تريد ان يغني بامدهف في شيخوخته، و قد قال الفنان المصري الشهير محمد رؤوف صاحب الصوت القوي و الجميل، و كانت اشهر أغانيه "إللي تعبنا سنين في هواه"، و غناها بعده جورج وسّوف، قال في مقابلة صحفية:

(لابد أن أعترف بأن المطرب له عمر افتراضى مثل لاعب الكرة و أنا الحمد لله ظللت ناجحاً لمدة 15 عاماً)، قس على هذا استاذ أمين الميسري مع با مدهف.

الخلاصة:

ـــــــــــــــــــــــــ

أخيراً استاذي العزيز، و كخلاصة لما راجعته معك حول تقييمك لفن الفقيد بامدهف فأنا أعتقد أن من يسمع الأغنية من الناس هم ثلاثة انواع:

1)من يسمع الأغنية للتسلية و المتعة الآنية العابرة، سعياً في الترويح عن النفس، و هؤلاء هم الأغلبية.

2)من يسمع الأغنية و يشتغل في النقد الموسيقي، او الإعلام الذي يتعاطى الموسيقى و الغناء، و هؤلاء قلة مؤثرة في المجتمع و في آراء العامة من جراء مهنتهم.

3)و هناك من هم أعلى مرتبة في مراتب التقييم الموسيقي، و هم فئة الباحثين، او الموسيقيين الجادين الذين يستندون في رأيهم إلى عوامل يُفترض أنها موضوعية أكثر من الفئتين السابقتين في الإجمال، و هؤلاء قلة بين القلة.

هل لك ان تخبرني انت اين تقع بين هؤلاء ايها الشاعر أمين الميسري؟

و لك التحيات، و السموحة لأنني كتبت موضوعي على عجل.

د. علي محمد جارالله