د. صلاح الصافي يكتب لـ(اليوم الثامن):
قانون الانتخابات الجديد واللعب بالنار
اعتمد العراق منذ التغيير عام ٢٠٠٣ في نظامه الانتخابي على نظام التمثيل النسبي، الذي يعتمد على مبدأ مفاده حصول كل حزب على عدد من المقاعد يتناسب مع عدد الاصوات التي حصل عليها ذلك الحزب في الانتخابات، وكلما كانت التناسبية أكبر كلما كان ذلك أقرب إلى مبدأ العدالة الانتخابية، والعكس بالعكس، وهناك العديد من طرق توزيع المقاعد ضمن نظام التمثيل النسبي، منها ما يقسم عملية التوزيع إلى مرحلتين، تعتمد المرحلة الأولى على القاسم الانتخابي وتعتمد المرحلة الثانية على واحدة من الطرق المعروفة لتوزيع المقاعد (الباقي الاقوى، المعدل الأقوى، وهناك طرق يتم بواسطتها تقسيم المقاعد من خلال مرحلة واحدة فقط، ومن هذه الطرق (هوندت، سانت ليغو، سانت ليغو المعدلة).
وقد قرر مجلس النواب العراقي في جلسته التي عقدها يوم ٤ / ١١ / ٢٠١٣، اعتماد نظام سانت ليغو المعدل والتي تم تضمينها في الفقرة رقم (١4) من قانون الانتخابات وهي طريقة توزيع المقاعد على القوائم المتنافسة، ومما يذكر أن نظام سانت ليغو كان قد اعتمد في توزيع المقاعد في انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي في ٢٠ / ٤ / ٢٠١٣.
وبسبب السجالات والخلافات والتوترات التي سببتها الصيغة الماضية المعدلة، كان لابد من معالجة هذه الحالة بتعديل هذا القانون، فكان أن رفعت هذه النسبة في التعديل الأخير الذي صوت عليه البرلمان العراقي یوم الثلاثاء الماضي، وأصبح القاسم الانتخابي 1.9 . هذا التعديل أزعج الكثير من القوائم الصغيرة كونه قد قضى على فرصهم في الفوز، بعد أن كان الحصول عليه بيسر وسهولة، مدعين بان الأحزاب الكبيرة تحاول أن تحتكر السلطة، وضياع لأصوات الناخبين وإبعاد للكفاءات والنخب من العملية السياسية، وان هذا الأمر يشكل انحرافاً في مسار العملية الديمقراطية، التي يجب أن يشارك فيها الجميع، والكثير من الأسباب التي أدرجها المعترضون الذين ربما سيحرمون من المشاركة في العملية السياسية، بعد نتائج الانتخابات القادمة .
إن طريقة سانت ليغو التي اعتمدت في الدول الاسكندنافية في اختيار الكيانات الست الأولى كفائزين مقبولة، لكن في العراق تم تحويلها لتصبح بدل الأعداد الفردية إلى الأعشار وأخيراً في التعديل الأخير لقانون الانتخابات المحلية كانت الرقم مع الأعشار وكلما ارتفعت النسبة تلاشت وتضاءلت فرص الكتل الصغيرة بالفوز، أي أن هذه الطريقة فصلت على مقاسات الكتل الكبيرة لتكون دكتاتورية واضحة".
وقد أكدنا سابقاً أن الاحتجاجات التي اندلعت شرارتها الأولى في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نجح العراقيون في فرض كلمتهم، وانصياع الأحزاب المهيمنة على السلطة لمطالبهم، كانت البداية بإجبار رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، على تقديم استقالته، تلاه تغيير أعضاء مجلس المفوضين واستبدالهم بقضاة، ثم أخيراً إجراء تعديلات على قانون الانتخابات القديم (سيئ السمعة).
ومن إيجابيات القانون النافذ أنه ألغى واحدة من أكثر النقاط المثيرة للجدل، تلك المتعلقة بآلية "سانت ليغو" (التي تسحب أصوات الناخبين وتوزعها بين القوى السياسية بطريقة أقرب ما يكون إلى التقاسم بينها)، وهي الطريقة التي طالما أثارت حفيظة الناخبين العراقيين وأفقدت الشارع الثقة في العملية الانتخابية بأكملها.
وتعد زيادة فرص دخول القوى المدنية والحركات الوطنية الناشئة للبرلمان وإنهاء احتكار القوى الحالية للعملية السياسية في العراق، أحد أبرز المكاسب التي تضمنتها التعديلات الجديدة، إذ سيكون الفوز لمن يحصل على أعلى عدد من الأصوات دون أي ألغام وفخاخ تسمح بمصادرة صوت الناخب وتحويله لمرشح آخر لمجرد أن هذا المرشح يشترك مع الآخر بقائمة واحدة.تبني الترشيح الفردي من شأنه منح الفرصة لأي مواطن أن يترشح عن دائرته بأريحية كاملة
إن القانون النافذ قد أفضى إلى استعادة العراقيين الثقة بعملية الاقتراع بعد آخر عملية انتخابات والتي لم يشارك بها أكثر من 25 في المائة منهم، فيما أجريت انتخابات 2005، و2010، و2014، و2018، بقانون اعتبر مفصلاً على مقاس الأحزاب السياسية الطائفية الرئيسية في البلاد.
إذاً علموا الخاسرون في الانتخابات والذين تسيدوا المشهد بعد انسحاب التيار الصدري وتحولوا إلى فائزين، إن بقاء القانون الانتخابي على ما هو عليه يعني خروجهم من المشهد القادم بخسارة كبيرة لانخفاض شعبيتهم بسبب سوء إدارتهم للدولة العراقية وتسيد مشهد الفساد وتهرئ الخدمات.
ختاماً أقول للاطار لا تفرحوا إن تم تمرير مشروع قانون سانت ليغو، لأن هناك قوة مستقلة وتيار صدري يملك شعبية جارفة، وعند اقرار القانون سوف ترون شارع ملتهب يزلزل الأرض من تحت أقدامكم، وعند ذاك لا ينفع الندم لمغامرة والأيام بيننا.