هدى العطاس تكتب:
نظام "الزينبيّات" الحوثيّ بصنعاء: حرب أهليّة نسائيّة
انتصار الحمادي شابّة يمنية عمرها 22 سنة، من أب يمني وأم إثيوبية. وقد حباها الله واختلاط النسب والعِرق بوجه عذب ومظهر جميل. وهذا ما رشّحها للعمل ممثّلة وعارضة أزياء شعبية وللمشاركة في جلسات "فوتوسيشن". وقد ظهر والدها الكفيف في مشهد يفطر القلب وهو يناشد العالم الإفراج عنها من سجون جماعة أنصار الله الحوثية في صنعاء. وراح يعدّد صفات ابنته متوسّلاً: "ذكيّة وموهوبة منذ طفولتها وكانت تحلم بأن تصبح ممثّلة وعارضة أزياء شعبية يمنية"، مؤكّداً أنّه أحسن تربيتها. وكانت انتصار المعيلة الوحيدة لأسرتها وأخواتها الصغيرات.
بعدما ظهرت صور انتصار في جلسات عرض أزياء فولكلورية يمنية، أقدمت عناصر أمنية من جماعة الحوثي على اختطافها من الشارع مع زميلة لها تدعى يسرى الناشري (22 سنة) أثناء مرورهما على نقطة تفتيش أمنيّة في 20 شباط 2021 . وذلك في أحد شوارع منطقة شملان بالعاصمة صنعاء المحكومة بسلطان الميليشيات الحوثية.
زجّت الميليشيات بالصبيّتين في السجن. وقد تعرّضتا لصنوف من التعذيب على أيدي السجّانات "الزينبيّات"، المجنّدات الأمنيّات في ميليشيا أنصار الله، حتّى بلغ العذاب بانتصار أن حاولت الانتحار. وهذا بعدما كانت تحلم بأن تخرج من بلادها أو ما قالت إنّه "المكان الضيّق" لتصبح عارضة أزياء عالمية، وإذ بها تجد نفسها في زنزانة.
من صميم مهامّ جهاز الشرطة النسوية تلك تعذيب النساء المعتقلات في السجون. وهي المهمّة الأكثر رعباً
ما هو جهاز "الزينبيّات"؟
لترويع النساء وترهيبهنّ عمدت الجماعة الحوثية بشكل منهجي إلى تشكيل شرطة نسائية ليست أقلّ من جهاز مخابراتي أُطلقت عليه تسمية "الزينبيّات"، مستظهرة بذلك التجربة الإيرانية الخمينية في عتوّ جبروتها. وقد أسندت إلى الزينبيات مهمّة ملاحقة النساء والفتيات في الشارع ومراقبة ملبسهنّ ومظهرهنّ وتضييق حركتهنّ. ويمتدّ نشاط الزينبيات إلى مداهمتهنّ البيوت من أجل الدعوة والوعظ، وجمع جبايات من النساء والطلب منهنّ أن يبعنَ جواهرهنّ وأن يقُمن بالطبخ للمقاتلين كمساهمة في دعم المجهود الحربي للجماعة.
ومن صميم مهامّ جهاز الشرطة النسوية تلك تعذيب النساء المعتقلات في السجون. وهي المهمّة الأكثر رعباً. وقد تحدّثت تقارير منظمات حقوقية دولية ومحلية، كمنظمة العفو الدولية ومنظمة رايتس رادار ومنظمة مواطنة اليمنية، إضافة إلى شهادات ناشطين يمنيين، عن قيام جماعة الحوثي باختطاف النساء، خصوصاً الناشطات الحقوقيات والصحافيات والعاملات في مجال الفنّ والموضة.
محكمة الميليشيا الحوثيّة
بعد فترة طويلة من السجن والتعذيب جاء دور المحكمة الحوثية في تعذيب الصبيّتين معنوياً وأخلاقياً، وتلطيخ سمعتهما وسمعة أهلهما الذين أُرغموا على الرحيل من مكان سكنهما في بيئتهم المحافظة التي زادتها السيطرة الحوثية تزمّتاً.
في المحكمة، وحسب محاميهما، تعرّضت الصبيّتان لمهانات على ألسنة القضاة. هذا بعدما حاولت جماعة الحوثي حسب شهادة الضحيتين وغيرهن ابتزازهما وتجنيدهما في الدعارة للإيقاع بهما ومن ورائهما بالمعارضين السياسيين.
وحسب محامي انتصار الحمادي لا تتجاوز عقوبة قضايا "الإخلال بالآداب العامة" السجن 6 أشهر حسب القانون، فكيف يمكن فهم الحكم عليهما بالسجن 6 سنوات وتعذيبهما نفسياً وجسدياً. وقد تعرّض محاميها نفسه للاحتجاز والتهديد من جماعة الحوثي إن لم يترك الدفاع عنها.
يبدو وضع النساء الراهن في اليمن شديد السوداوية، عدا عن معاناتهنّ جرّاء الحرب وتدهور أوضاعهنّ المعيشية وفقد كثيرات منهنّ أعمالهنّ، إضافة إلى أنّ القتال يتّم طفلات وفتيات كثيرات وأثكل ورمّل أعداد كبيرة من النساء
روى المحامي خالد الكمال أنّ مسلّحَيْن حوثيَّيْن اعترضاه أثناء عودته إلى بيته ليلاً، وهدّداه بالويل والثبور وإثارة قبيلته ضدّه كي تتبرّأ منه إن لم يكفّ عن مناصرة السجينات.
قبل أيام وقف القاضي في قاعة المحكمة ونطق بالحكم على الحمادي بالسجن 5 سنوات، فخاطبته الصبية المحكومة قائلة: "شكراً يا قاضي ولّكنكم ظَلَمة". وهذا بعدما اتهمها بالدعارة وتعاطي المخدرات.
نساء المؤامرة الشيطانيّة
زميلة الحمادي يسرى الناشري التي حُكم عليها بالسجن 5 سنوات، هي الأخرى وليدة زواج مختلط: من أب يمني وأمّ سورية. وكانت أسرتها تقيم في سوريا قبل اضطرارها إلى العودة إلى اليمن فراراً من القتل الذي اعتمده نظام بشار الأسد علاجاً للثائرين على نظامه.
لكنّ القدر الحوثي في اليمن كان بانتظارهما في صنعاء. فإذا بالفتاة وأسرتها تتعرّضان لظروف يعادل بؤسها ورعبها ذينك اللذين يرتكبهما حليف الحوثي في دمشق. هذا فيما يضمّ قادة الحرس الثوري الإيراني عاصمتين عربيّتين سوى صنعاء ودمشق، أي بيروت وبغداد، إلى أمجادهم في التخريب والدم.
كانت يسرى الناشري مع صديقتها الحمادي أثناء اختطافها. لكن الناشري تمكّنت لاحقاً من الهرب خارج اليمن، بعدما خرجت من السجن بكفالة لتلقّي العلاج. وقد وصفت الناشري تفاصيل الانتهاكات والتعذيب الذي تعرّضت له مع انتصار على أيدي السجّانات الحوثيات: الابتزاز الجسدي والنفسي لكثرة من النساء الضحايا المعتقلات لإجبارهنّ على القيام بأعمال قذرة توقع بالمعارضين السياسيين لضمان ولائهم للحوثي وعدم مناهضة سلطته.
زادت انتهاكات جماعة الحوثي، المؤتمِرة بأوامر حرس إيران الثوري، ضدّ النساء اليمنيّات حدّةً وضراوة حتى بدت حياتهنّ سجينةً لفيلم رعب كابوسي لا ينتهي
زعيم الجماعة يؤكّد ربط فساد المجتمع بالمرأة. وقد أعلن ذلك خلال ظهوره أخيراً في خطاب كرّر فيه التنديد والتحذير من "حرب شيطانية ناعمة أدواتها النساء تستهدف إفساد المجتمع". وهو وجّه عناصر الجماعة إلى ضرورة التصدّي لهذا الفساد "وفرض التربية الإيمانية لمواجهة الوساوس والتضليل". وقد وصف انتهاكات أجهزته بأنّها "اتجاه إيماني" لحماية المرأة والمجتمع.
مآسي النساء
يبدو وضع النساء الراهن في اليمن شديد السوداوية، عدا عن معاناتهنّ جرّاء الحرب وتدهور أوضاعهنّ المعيشية وفقد كثيرات منهنّ أعمالهنّ، إضافة إلى أنّ القتال يتّم طفلات وفتيات كثيرات وأثكل ورمّل أعداد كبيرة من النساء.
تتعاظم سوداوية المشهد كلّما اقتربنا من المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي. فاستهداف النساء منهج تتّبعه الميليشيات وأجهزتها التي زجّت النساء أنفسهن في إيقاع المظالم على بنات جنسهنّ. والهدف هو توريطهنّ في حرب أهلية نسوية أو نسائية، فوق الحرب الأهلية الرجالية أو الذكرية التي يخوضها الحوثي في اليمن. كأنّما اليمنيات ما كان يكفيهنّ ما يعشنه من إقصاء وتمييز تُوقعه عليهنّ التقاليد القبلية المحافظة. وربّما ليست مصادفة أنّ المرأة في إيران تخوض ثورة نسوية منذ أشهر بلا كلل ولا ملل ضدّ نظام الخامنئي، ذلك النظام الذي يدير الحوثيين ومنظومة القيم و"الأخلاق" التي يدّعون الدفاع عنها.
زادت انتهاكات جماعة الحوثي ضدّ النساء اليمنيّات حدّةً وضراوة حتى بدت حياتهنّ سجينةً لفيلم رعب كابوسي لا ينتهي، حسبما تؤكّد تقارير المنظمات الدولية والمحلية التي تصف الجرائم التي يرتكبها الحوثيون ضدّ النساء والأطفال.
هذا ما حدا بالسفير الفرنسي في حوار معه أجرته صحيفة "الشرق الأوسط" إلى القول: "الحوثيون يقيمون نظاماً من المراقبة والرعب على السكان. ونظامهم يخنق النساء والأطفال وموظّفي الدولة والثقافة، وحتّى القيم القبلية".