افتتاحية حركة مجاهدي خلق:
ذکری تأميم النفط الإيراني علی يد الدکتور محمد مصدّق
القرن التاسع عشر الموافق لحکم سلالة قاجار في إيران، يذکر الإيرانيين بحقبة التدخلات وفرض الهيمنة من قبل القوی الأجنبية خصوصًا روسيا وبريطانيا العظمي اللتين انتهکتا حرمة السيادة الوطنية الايرانية. السيطرة علی حقول النفط جعلت بريطانيا القوی العظمی في إيران حتی نهاية الحرب العالمية الثانية. بعد سقوط ديکتاتورية رضا شاه بهلوي في 1941، بدأت الحرکات الشعبية تعبر عن الاستياء الايراني للاستعمار البريطاني والانظمة الدمی. في اواخر الاربعينات، قاد الدکتور محمد مصدق الحرکة لتأميم النفط الايراني. ولاقت حرکته تأييدًا واسعاً من قبل الشعب الايراني وأجبرت الشاه علی تعيينه رئيسًا للوزراء عام 1951 بعد ان صادق البرلمان علی لائحة تأميم النفط. وکرست حکومة مصدق ذات الـ27 شهراً علی تحقيق القانون الجديد من جهة وأصبحت يواجه المؤمرات المشترکة من البلاط ورجال الدين الرجعيين.
کان الدکتور محمد مصدق (زعيم الحرکة الوطنية الإيرانية ورئيس الوزراء الإيراني في أوائل الخمسينات) صادقًا ومخلصًا في موقفه بحيث يشهد القاصي والداني من الأعداء والأصدقاء بنزاهته وإبائه وصموده علی موقفه. فيقول الخبير الأقدم للسفارة البريطانية في طهران في کتابه: «لقد أشادوا بمصدق في الدرجة الأولی بسبب امتناعه عن التصالح والتسامح مع نظام رضا شاه الديکتاتوري ونضاله طويل الأمد ضد الامتيازات الموروثة وإرادته الراسخة في تحرير إيران من الفساد وسلطة الأجنبي ونفوذه.»
کما وإن ميدلتون القائم بالأعمال البريطاني والذي کان قد ضاق ذرعًا بصمود مصدق يقول حول مصدق في أحد تقاريره السرية الذي تم نشره بعد 30 عامًا: «إنه يبالغ في قوة الشعب کمصدر قدرته بحد يجعلني أخشی أن لا يمکن إزاحته عن السلطة بطرق قانونية ليحل محله شخص آخر (التقرير السري المقدم لـ «راس» في 11 شباط – فبراير عام 1952).
نعم کان الاعتماد علی «مصدر القوة» هذا هو الذي جعل مصدق أن يسارع إلی مقر هيئة أرکان الجيش من منزله وبلباس النوم ومن هنا مباشرة إلی البرلمان بعد بدء المؤامرة الفاشلة في 28 شباط (فبراير) عام 1953 والتي کان خلالها الملا کاشاني وبصفته رئيسًا للبرلمان ودعمًا للشاه وخدمة للاستعمار قد زج عددًا من شقاوات ذلک العهد من حملة العصي والهراوات بزعامة المدعو «شعبان بي مخ» للهجوم علی منزل مصدق وقتله. فخاطب مصدق الملا کاشاني واضعًا أمامه کل شيء وقائلاً له: «أحيط السادة المحترمين علمًا بأن مجلس الشوری الوطني أمامه 48 ساعة ليعين شخصًا آخر يحل محلي في رئاسة الوزراء وإذا لم يدبر السادة حلاً حتی نهاية هذه المهلة التي قبلت البقاء فيها علی منصب رئاسة الوزراء منعًا من حدوث الفوضی والاضطراب فسوف أوجه رسالة إلی الشعب الذي اختارني رئيسًا للوزراء [خلال انتفاضته يوم 21 تموز (يوليو) عام 1952] أشرح فيها للشعب ما جری فعلاً لأني رئيس وزراء الشعب ولست رئيس وزراء الشاه والمجلس…»….
وخلال هذه الأشهر الخمسة لم يترک کاشاني أية رذيلة وأعمال غدر إلا وارتکبها ضد الدکتور مصدق وقبل شهر من الانقلاب ضد مصدق وصفه وبکل وقاحة واستهتار بأنه «صياد حرية إيران» و«باغ وطاغ» وهدده بـ «المشنقة». وبعده بسنوات أعرب خميني عن فرحته وسروره بـ «تلقي مصدق صفعة» من الاستعمار والبلاط الفاسد للشاه. وفي العام الحالي طلع علينا خامنئي ليدعي هو الآخر قائلاً بکل هراء وخبث: «إن الدکتور مصدق وصل إلی السلطة نتيجة الدعم الشعبي الکبير الذي حققه له آية الله کاشاني… ولکن في نهاية الأمر أطيح بمصدق نتيجة فقده المساندة الشعبية فبالتالي ونتيجة انقلاب 19 آب (أغسطس) عام 1953 وعودة نظام محمد رضا بهلوي الديکتاتوري إلی السلطة زالت جميع مکاسب ومنجزات الحرکة الوطنية لتأميم النفط.»
إن التاريخ لا يقيم أية قيمة لأقوال الهراء هذه، فحتی أعداء الدکتور مصدق يعترفون بأن مصدر قوته کان الشعب فقط أي المواطنون المنتفضون وشهداء انتفاضة 21 تموز (يوليو) عام 1952.
نعم، إن ما کان الدکتور محمد مصدق يتسم به من الإباء والأصالة الوطنية حيث کان يدفع ثمن شعاراته وأهدافه المعلنة جعله منيعًا وحصينًا في الانتصار والنکسة رغم أنوف أعدائه من مختلف الصنوف. ففي الانتصار استعاد إلی الشعب الإيراني قطاع النفط بکل فخر واعتزاز واستقلال، وفي النکسة أي بعد أن استهدفته المؤامرة المشترکة للرجعية والاستعمار ترک کنزًا من القيم النضالية قاد إلی مرحلة جديدة.
وعلی مسار ثورة مصدق تأسست منظمة مجاهدي خلق الايرانية في عام 1965 من قبل محمد حنيف نجاد واثنين من المفکرين الشباب سعيد محسن وعلي اصغر بديع زادکان. أرادوا هؤلاء الثلاثة أن يؤسسوا منظمة مسلمة وثورية ووطنية وديمقراطية. کل خريجي الجامعات کانوا نشطين سياسياً في الحرکة الوطنية للديمقراطية منذ فترة مصدق وبعد ذلک أصبحوا أعضاء في «حرکة الحرية» بقيادة مهدي بازرکان. وکل من حنيف نجاد وسعيد محسن سجناء بصورة موقتة من قبل الشرطة السرية للشاه لنشاطهم السياسي.
ان الهدف السامي للمؤسسين هو تعبيد الطريق نحو حکومة ديمقراطية لتحل محل نظام الشاه. وعلی النقيض من معظم معاصريهم فإن هؤلاء يعتقدون أن الوسيلة إلی النهاية هو اسلام جديد ذو تفسير يتعلق بالديمقراطية. فلذلک بدأوا بتأسيس منظمة مجاهدي خلق سياسية يمکن لها ان تقاوم قمع الشاه وتستجيب لحاجة المواطنين العاديين وهذا لم يکن بالعمل السهل.
إذًا فإن مواصلة وإکمال درب مصدق لا يمکن إلا بالترجمة الفعلية لتوجيهاته وتوصياته التاريخية بالمقاومة الشاملة والتضحية السخية بالنفس والنفيس من أجل الوطن وهذه هي أجدر إشادة وتمجيد وتخليد للزعيم الراحل للحرکة الوطنية الإيرانية.