محمد أبوالفضل يكتب:
قضايا إقليمية تعيد الدفء بين مصر والسعودية
في كل مرة يحدث فيها فتور بين مصر والسعودية لا يستمر فترة طويلة وسرعان ما يتم تجنب تداعياته السلبية، حيث يدرك كل طرف الأهمية الحيوية التي يمثلها للآخر.
وعند أول منعطف حقيقي ينحني أحدهما أو كلاهما للعاصفة التي هبت وأدت إلى نوع من الفتور فيعود بموجبها الدفء وإن استمر التباين نسبيا، لكنه يُوضع في إطاره ودون مبالغة أو يترك لمغردين يعبثون بالعلاقات الوطيدة بين البلدين.
أوقفت زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى جدة الأحد/ الاثنين الكثير من التكهنات السلبية، وجاءت النتائج السياسية لاجتماعه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جيدة وفي إطار الأهداف الكبرى التي تجمع بينهما، والتحديات الإقليمية التي يمكن أن تكون قاسية إذا واجهتها كل دولة منفردة.
انصب اجتماع السيسي والأمير محمد على مناقشة جملة من القضايا الإقليمية المشتركة، وتركت الملفات الاقتصادية والحدودية للطواقم الفنية لمناقشتها لاحقا، لأنها بحاجة إلى مزيد من الأخذ والرد للتوصل إلى صيغة ترضي الطرفين، بينما التطورات الجارية في المنطقة لا تحتمل التأجيل والتعامل معها أحاديا لن يحقق الأهداف المرجوة.
في الوقت الذي خرقت فيه الرياض الصمت مع طهران وتتباحث حول إمكانية استئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا ودعوتها إلى قمة الرياض، يقوم البلدان بإجراء حوارات مكثفة مع كل من روسيا وتركيا لزيادة التفاهم المشترك، ما يؤثر سلبا على حسابات السعودية إذا مضت بمفردها نحو تطوير العلاقات مع البلدين.
عندما تتجه مصر نحو سوريا في ظل تشابكات تحالفها مع إيران وتركيا وروسيا من ناحية، والتحركات السعودية من ناحية ثانية، لن تتمكن القاهرة من الوصول إلى أهدافها، وقد تصطدم بالرياض في منتصف الطريق
كما أن مصر التي لديها علاقات جيدة مع روسيا وفاترة مع إيران وتسعى لتطويرها مع تركيا وسوريا يمكن أن تتضرر من التنسيق الإقليمي بين الدول الأربع الذي قد يجبرها على القبول بأقل من طموحاتها إذا بلغ التعاون بينها حدا مرتفعا.
وبدلا من أن تدخل الرياض والقاهرة في مناقشات مع أطراف هذا التحالف حول قضايا إقليمية مهمة بصورة أحادية تؤثر على مصالحهما وُجدَ أن التنسيق بينهما ضرورة، ويتجاوز إستراتيجيا الخلاف حول تفاصيل بعض القضايا الثنائية.
تظل مصر أقرب إلى السعودية من الدول الأربع، وتظل الرياض أقرب إلى القاهرة منها أيضا، ومهما كان التباين كبيرا في الملفات الثنائية فإن التحولات الإقليمية المتسارعة تفرض مزيدا من التنسيق بينهما، لأن البلدين سيتضرران كثيرا في غيابه.
أوقفت زيارة السيسي نزيف النقاط الذي استثمره مغردون وإعلاميون، هواة ومحترفون، في كل من مصر والسعودية وقفزوا عليه في الدفاع أو الهجوم المتبادل، بما يصب في مصالح قوى أخرى ترى أن استمرار التوتر بينهما يحقق لها فوائد كبيرة عند إعادة الفرز وترتيب الأوراق في منطقة الشرق الأوسط.
فتحت الزيارة نافذة أمل لإعادة الحياة للترابط الذي حدث وقت التعامل مع قطر عندما شكلت مصر والسعودية والإمارات والبحرين تكتلا كان بروفة لتوسيع أطره الإقليمية، غير أن السياقات اللاحقة عقب المصالحة مع الدوحة أسهمت في تفكيكه، وجعلت كل دولة تتصرف بشكل منفرد في تعاملها مع بعض القضايا الإقليمية الحيوية، وبدا كأن لكل من الدول الأربع سياسة مختلفة عن الأخرى أو متصادمة معها.
ذهبت كل دولة في التعامل مع ملفات خلافية بطريقتها، فالإمارات اتجهت إلى تطوير علاقاتها مع سوريا وتركيا وقطر، والسعودية مضت نحو قطر وتركيا وإيران وسوريا، ومصر خطت نحو قطر وتركيا، وربما إيران قريبا، وبقيت البحرين تصعد وتهبط مع الدول نفسها، ولا يزال الموقف من إسرائيل متذبذبا، حيث تتبنى كل دولة تصورات لا تتمتع بقدر كبير من التنسيق مع الآخرين.
لكل دولة حساباتها وتقديراتها، لكن التوافق حول الحد الأدنى من التفاهم الإقليمي يقطع الطريق على تقديم تنازلات صعبة، فعندما تتجه الرياض نحو طهران التي تتمتع بعلاقات قوية مع روسيا وتركيا وسوريا فإن هامش المناورة السعودي سيكون محدودا سواء مع إيران أو سوريا التي يريد العرب إعادة تأهيلها بما يقلل من ارتمائها في أحضان طهران ما يكبلها بقيود تقلل من الأهداف التي تريدها الرياض إقليميا.
وعندما تتجه مصر نحو سوريا في ظل تشابكات تحالفها مع إيران وتركيا وروسيا من ناحية، والتحركات السعودية من ناحية ثانية، لن تتمكن القاهرة من الوصول إلى أهدافها، وقد تصطدم بالرياض في منتصف الطريق، وتكون عرضة لضغوط من الدول الأربع إذا أبدت تحفظا على ما يمكن أن تصل إليه علاقاتها مع إحداها.
لا مفر من الحوار السياسي المباشر البناء بين القيادتين ورسم حدود فاصلة بين المسموح والممنوع، والمقبول والمرفوض، في التوجهات حيال بعض الملفات الحرجة، ومنح القضايا الإقليمية الاهتمام الذي تستحقه
يضمن التنسيق بين القاهرة والرياض حدا جيدا من المصالح الإقليمية، ويوفر لكل طرف مساحة يستطيع أن يلعب فيها بمرونة أكثر وتضحيات أقل في المرحلة الراهنة التي تبدو فيها المنطقة على درجة عالية من السيولة، ويمكن أن تقودها إلى تغيرات لا أحد يعلم مداها، خاصة أن الكثير من القوى تتحاور وتتصالح وتتخاصم وتتنافس في آن واحد، ولم يعد الحوار دليلا على الطمأنينة أو الخصام كافيا للعداوة.
على قاعدة المشتركات العديدة بين مصر والسعودية يمكن أن تنشأ تفاهمات إقليمية تقرب المسافات بينهما، لأن التباعد مهما كانت أسبابه سوف يعود بالضرر عليهما، في وقت تبذل كل القوى الإقليمية الرئيسية، بدءا من إيران وتركيا وإسرائيل، وحتى سوريا التي تتعافى تدريجيا، جهودا مضنية للاستحواذ على ما يمكنها من أن تصبح الرقم الفصل في أي توازنات جديدة تتشكل في المنطقة مستقبلا.
يؤدي الالتفاف حول خطوط عريضة إلى تحقيق مكاسب لكل طرف، كما يقود التنافر إلى خسائر لهما، وهي معادلة انتبه لها الطرفان، وفرضت تخطي التباين في وجهات النظر حول آليات وشكل الدعم الاقتصادي السعودي لمصر، وانزعاج الرياض مما يمكن وصفه بالتلكؤ من قبل القاهرة في عملية تسليم الرياض جزيرتي تيران وصنافير.
أكدت خبرة الأسابيع الماضية عندما لجأت كل حكومة إلى حث مقربين إعلاميين لتوجيه رسائل إلى الأخرى أن هذه الطريقة يمكن أن تكون مكلفة في زمن السوشيال ميديا الشرس، حيث كاد بعض المغردين يشعلون حربا على مواقع التواصل بين الشعبين.
ولا مفر من الحوار السياسي المباشر البناء بين القيادتين ورسم حدود فاصلة بين المسموح والممنوع، والمقبول والمرفوض، في التوجهات حيال بعض الملفات الحرجة، ومنح القضايا الإقليمية الاهتمام الذي تستحقه، لأن خسارة طرف لن تكون مرضية للآخر إذ ستقود في النهاية إلى تكبيده خسارة أكبر أو أصغر بعد ذلك، من دون إخلال بالخصوصية التي تريد كل دولة الحفاظ عليها.
إذا استقرت هذه المسألة في عقل ووجدان القيادتين المصرية والسعودية سوف تحل تلقائيا القضايا الثنائية الخلافية، لأنها عرض لمرض تاريخي ينطوي على تنافس مفتعل أحيانا بشأن قيادة المنطقة العربية، وهو ما يتناقص تدريجيا بسبب وجود منافسين أشد ضراوة يريدون قيادة منطقة الشرق الأوسط كلها.