ضياء قدور يكتب لـ(اليوم الثامن):
رضا بهلوي وعودة نظام الشاه.. صناعة مستقبل مشوه على أنقاض ذكريات مدمرة
قبل أكثر من عقدين من الزمن، كان العديد من المراقبين الغربيين يأملون أن حقبة الدكتاتورية السوداء والقمع المجرد التي كانت سائدة خلال حكم الأسد الأب في سوريا قد تلاشى أو تتراجع على الأقل مع صعود الأسد الابن "المشبع بالثقافة الغربية ونظريات الديمقراطية والسوق المفتوح" إلى السلطة، بعد مسرحية تعديل الدستور، التي تم التغاضي عنها دولياً وإقليمياً.
على الصعيد الخارجي، كان يتم التلاعب والعزف من قبل النظام الحاكم في دمشق على نقطة "الرئيس الجديد المنفتح وصاحب التوجهات الغربية والداعم للإصلاحات" بالتحديد لفترة طويلة لكسب الدعم واستجرار الاستثمارات الغربية، من خلال تقديم صورة جديدة ملمعة، في حين كان يتم التركيز على ترويج شعار "هذا الشبل من ذاك الأسد" في الداخل السوري.
في نهاية المطاف حصل الأسد الابن على الدعم والتأييد الغربي، لكن الشعب السوري لم يحصل سوى على دكتاتورية أخرى بمظهر وشكل جديد. دكتاتورية بواجهة تدعي البراءة لكنها أشد وحشية وقمع ودموية من سابقتها.
على الرغم من استحالة إعادة الزمن للوراء، إلا أن التنظير فرضاً حول عودة نظام الشاه المخلوع للحكم في إيران، لن يتمخض عنها بالتأكيد سوى دكتاتورية أخرى بشكل ومظهر جديد.
سيكون من الحمق الاعتقاد بأن إعادة التجربة في نفس الشروط يمكن أن تؤدي لنتائج مختلفة.
نظام الملالي الحاكم في إيران يعلم كل هذه المحددات جيداً، لذلك لا يرى في نشاطات رضا بهلوي أي خطر حقيقي يهدد حياته. على العكس من ذلك، يمكن استغلال أحلام ابن الشاه الطموحة في عودة الماضي الغابر كأداة لتثبيت الحكم وشراء المزيد من الوقت.
في ظل جبهة واسعة من المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ينتفض من أجلها الشعب الإيراني منذ أكثر من سبع أشهر، لا يجد نظام الملالي مفراً من السقوط الحتمي سوى بتضييق مساحة هذه المطالب، وجر الصراع الرئيسي نحو ميادين أكثر ضيقاً وقابلية للتفكيك.
على سبيل المثال، يسعى نظام الملالي لحرف الانتفاضة عن هدفها الرئيسي من خلال التذرع بأنها انتفاضة ضد الحجاب فقط. ومن ناحية أخرى، يدس شعارات المطالبة بعودة نظام الشاه البائد بين المنتفضين للتظاهر بأنها ثورة تسير خلافاً لمسار التاريخ.
تسغل اليوم دكتاتورية الملالي أنقاض دكتاتورية الشاه البائدة بشكل مضاعف. فكما مهدت الإعدامات التي نفذتها دكتاتورية والد بهلوي بحق القادة الوطنيين الإيرانيين لصعود دكتاتورية الملالي وتسلقها على السلطة بعد خلو الساحة، يمهد اليوم رضا بهلوي بأفعاله المشينة الأرضية لاستمرار النظام الحاكم وإعطاءه الذريعة للقمع والبطش بيد مفتوحة.
في الحقيقة، لا يوجد استثمار يمكن أن يعمل نظام الملالي على قطف ثماره في ظل انتفاضة وطنية عارمة غير مسبوقة أكثر ربحيةً من استغلال أضغاث أحلام ابن الشاه المخلوع اليوم، كما استغل أخطاء أبيه في الماضي الغابر.
التوكيل الزائف لرضا بهلوي من قبل الشعب الإيراني
في حركة يمكن وصفها بالسوقية، سعى رضا بهلوي لعرض استفتاء على الشعب الإيراني لمنحه توكيلاً وحقاً بالتمثيل الفاقد لأدنى مقومات الشرعية على الفضاء الافتراضي.
على الرغم من أن هذا التحرك صبياني ويهدف بشكل جلي للتصيد في الماء العكر ولا ينم عن عقلية متزنة، إلا أن افتقاد رضا بهلوي للحاضنة والقاعدة الشعبية في الداخل الإيراني دفعه لمثل هذا الإجراء للبدء بالترويج لأفكاره ونظرياته المستقبلية للمجتمع الدولي.
وبالتوازي، عمل نظام الملالي الذي يراقب التطورات عن كثب على مساعدة بهلوي في مسعاه الأخير من خلال التغاضي عن خروج العديد من الوجوه العميلة له الى الخارج لتقديم ما يمكن وصفه بالبيعة المزيفة، وجعل العالم يصدق هذه المسرحية المفتعلة بوصفها حدث وتطور تاريخي غير مسبوق.
لما لا؟! فنظام الملالي هو الجهة الوحيدة التي ستقطف ثمار هذه الجهود في نهاية المطاف، بينما سيظل رضا بهلوي غارقاً في أحلامه مرة أخرى.
في الواقع، يرى الملالي اليوم أن العمل على صناعة شخصية معارضة غير خطيرة يمكن التحكم بها واختراقها بسهولة أهون بكثير من مواجهة انتفاضة شعبية غاضبة وحركة مقاومة منظمة.
يقول هاشم خاستار نقيب المعلمين والسجين السياسي السابق أن مخابرات الملالي زاروه في منزله وحثوه على التواصل برضا بهلوي من خلال تقديم رقم هاتفه. ويذكر الكثير من السجناء السياسيين الذين أفرج عنهم أن المحققين والمشرفين علی تعذيب السجناء كانوا يوزعون رقم الهاتف الخلوي الخاص بابن الشاه كما لو أنهم يوزعون الحلوى بين السجناء ويحثونهم على الاتصال به!
رغم كل جهود بهلوي الحثيثة، والدعم الخلفي من قبل نظام الملالي، لم يتمكن من جمع سوى 300 ألف صوت "افتراضي"، معتبراً أنهم يمثلون 85 مليون إيراني!!
فشل البناء دولياً على مسرحية التوكيل
لاقت مساعي رضا بهلوي بعد مسرحية التوكيل الأخيرة، والتي اعتمدها كركيزة لبدء جولته الأوروبية الواسعة والتظاهر بأن هناك دعماً غربياً لعودة المظفرة إلى كرسي الحكم في إيران، فشلاً ذريعاً.
يذكر بيان اللجنة الدولية للبحث عن العدالة أن بهلوي لم يلتق به سوى عدد قليل من الممثلين ذوي الميول السياسية المحددة.
ويضيف البيان: لم يقابله أي مسؤول حكومي أو رئيس البرلمان أو رئيس لجنة الشؤون الخارجية أو كبار أعضاء البرلمان من الدول الأوروبية التي زارها، وفي البرلمان الأوروبي، حيث شنت آلة دعايته حملة قوية لترتيب خطاب له في الأول من مارس الماضي، لم يحضر سوی ثلاثة نواب فقط.
تغطية الفشل بزيارة إسرائيل
الفشل الأخير في جولة بهلوي الأوروبية دفعه لتغيير مسار الدفة والإقدام على إجراء غير مسبوق (لم يتجرأ والده على القيام به) والاتجاه نحو إسرائيل بدعوة من وزيرة الاستخبارات الاسرائيلية من أجل المشاركة في ذكرى الهولوکوست.
فشل حملة بهلوي الدولية قاده هذه المرة لفشل أكبر في الجولة الإقليمية الجديدة إلى إسرائيل.
بغض النظر عن خروج الزيارة غير المسبوقة عن سياق الوسطية التي تظاهر بها والده بالتعامل مع القضية الفلسطينية وإسرائيل، فقد تجاوزت زيارة بهلوي الابن السقف المألوف، وتميزت بفقدانها للحياد، الذي كان يتم الحرص على إظهاره من قبل الوفود غير المسلمة حتى التي تقصد إسرائيل!.
لم يزر بهلوي المسجد الأقصى كإجراء ولو شكلي لمراعاة مشاعر العرب والمسلمين بشكل عام، ولم يتلطف بكلمة واحدة عن الأخوة المسيحيين وفلسطين بصفتها مهد الديانة المسيحية.
كان رضا بهلوي يتصرف كعضو في اليمين الإسرائيلي الحاكم.
كل هذا يدفع المراقب للاعتقاد بأن تحركات بهلوي التي جلبت له الفشل المتكرر إما أنها نابعة من سذاجة سياسية، أو أنه يعمل كبيدق في يد نظام الملالي، الذي وجد في زيارة بهلوي الأخير لإسرائيل فرصة ثمينة من السماء لا تقدر بثمن لإثبات ادعاءه بأن الثورة الشعبية مدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة.
باختصار، بينما يحاول رضا بهلوي العمل على محاولة صناعة مستقبل مشوه على أنقاض دكتاتورية والده البائدة، التي لم يتبرأ من جرائمها حتى الآن، يواصل تقديم الهدايا الثمينية لنظام الملالي في أشد الأوقات حساسية وخطورة في عمر هذا النظام.