محمد أبوالفضل يكتب:

دور عربي متزايد في السودان

زادت التحركات العربية باتجاه الصراع في السودان، بما يوجد لبعض دولها مساحة أكبر في التعامل معه، بعد أن كشفت الأيام الأولى للحرب بين قوات الجيش والدعم السريع عن ترحيب جهات إقليمية ودولية ببقاء تفكيك عقدها بيد المجموعة الأفريقية.

توسطت السعودية بالتعاون مع الولايات المتحدة في إقرار الهدنة الخامسة، ووسعت مصر من نطاق تحركاتها لتبديد شكوك لازمتها حول انحيازها للجيش على حساب الدعم السريع، وتوجد لنفسها دورا سياسيا بعد أن تسكت المدافع بينهما، وتعول جهات عدة على استثمار علاقات دولة الإمارات الواسعة مع قوى سودانية متباينة.

تبدو تصورات الدول الثلاث المهتمة بالصراع منفصلة نسبيا عن الجامعة العربية التي لم يخف أمينها العام أحمد أبوالغيط انحيازه للجيش السوداني، وبدأت التحركات العربية الفردية تلفت الانتباه مع عدم قدرة مفوضية الأمن والسلم التابعة للاتحاد الأفريقي وهيئة إيغاد على القيام بأدوار سياسية مؤثرة في الصراع وممارسة ضغوط على طرفيه.

 مع تفضيل القوى الكبرى المهتمة بالسودان النأي عن التدخل المباشر في الصراع يمكن أن تمثل الدول العربية الثلاث مصر والسعودية والإمارات خلطة منفتحة على التنوع الموجود في التفاعلات الدولية

زاد اهتمام الدول العربية الثلاث مع ارتفاع سقف المخاوف من خروج الصراع عن السيطرة، وما تحمله تداعياته على الأمن في المنطقة، ومصالح هذه الدول التي منحت ما يجري في السودان مبكرا اهتماما كبيرا لدواع أمنية واقتصادية.

ظهر ذلك في تحركات كل منها بشكل فردي، كما هو الحال مع مصر، أو ثنائي كما هو الحال مع السعودية والإمارات العضوين في اللجنة الرباعية التي تضم معهما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وانخرطت اللجنة منذ تشكيلها في الأزمة السياسية قبل نحو عام للبحث عن حل سياسي للخلافات بين المكونين العسكري والمدني.

غاب الدور العربي كثيرا عن أزمات السودان، واقتصر لفترة على تحركات أحادية من بعض الدول المعنية به، لأن قوى محلية ودولية مختلفة لا تثق في هذا الدور، ومالت لتغليب نظيره الأفريقي باعتبار أن السودان دولة أفريقية قبل أن تكون عربية.

حقق الدور الأفريقي ممثلا في مفوضية الأمن والسلم وهيئة إيغاد نجاحا عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، وأسهمت وساطتهما بدور بارز في ترتيبات المرحلة الانتقالية، غير أن تحول الخلاف السياسي والفني داخل المكون العسكري إلى صراع عسكري بدأ يقلل من استمرار حصر تسويته في النطاق الأفريقي فقط.

أخذت بعض القوى الدولية تدرك هذه المعادلة وتحدياتها، فشهدنا انفتاحا أمميا وأميركيا وأوروبيا على كل من مصر والسعودية والإمارات الأيام الماضية، وعدم قصر التعاطي مع الأزمة على البعد الأفريقي عقب انتقالها من شق سياسي شبه منفلت إلى آخر عسكري قابل للانفلات ونشر الفوضى.

مثل هذا التغير نقطة تحول لصالح الانفتاح على دور عربي جديد في السودان، لم تتبلور ملامحه بصورة جماعية لكن الجهود الفردية التي طفت على السطح أخيرا يمكنها أن تتصاعد مع قناعة قوى دولية بأن الدور الأفريقي بعد بلوغ الخلاف السياسي مستوى الصراع العسكري لن يكون مجديا وحده، وقد يصبح معرقلا.

ربما يقود إلى تدخلات إقليمية بحكم التشابك الأمني والقبلي والإثني الكبير بين السودان ودول الجوار الأفريقي، بما يضاعف من صعوبة السيطرة على الصراع وحصره في النطاق السوداني، وهو ما استدعى الالتفات إلى عدم وضع عقبات أمام أي دور عربي يسهم في التهدئة وتقريب المسافات بين الجنرالين البرهان وحميدتي.

لدى كل من مصر والسعودية والإمارات مبررات للدخول سياسيا وتبريد الصراع، وأدوات إذا جرى الاستفادة منها يمكن أن تفضي إلى نتيجة إيجابية، فتكامل أدوار الدول الثلاث يوفر قنوات تواصل متوازنة مع طرفي الصراع، ويمكن أن يخلق حاضنة جيدة لتحويل التحركات الفردية لكل منها إلى تصرفات جماعية، ما يعيد للأذهان تجربة الرباعي العربي في التعامل مع قطر، الذي تكون من الدول الثلاث والبحرين.

تحاول بعض التقارير الغربية وضع تصنيفات قاطعة للدول الثلاث والتشديد على تبني كل منها مواقف حدية من طرفي الصراع، في حين أن لكل دولة مفاتيح اتصال معهما، مباشرة أو غير مباشرة، كبرت أم صغرت، لكنها لا تنقطع، بغض النظر عما يتردد من انحيازات لصالح طرف معين، وإن وجدت فلا تعني خصومة نهائية مع الآخر، فأي مبادرة للوساطة والتهدئة تحتاج إلى مروحة سياسية واسعة مع الجميع.

يأتي تزايد الدور العربي في السودان من عدة عوامل، أبرزها عدم قدرة المجموعة الأفريقية على التحرك بديناميكية عالية في ظل ما ينتاب عددا كبيرا من دولها من مشكلات داخلية، بينما الصراع بين قوات الجيش والدعم السريع يتطلب توافر قدرات فنية لدى من يريدون وقفه، فإثيوبيا لا تزال تجربة الحرب في تيغراي ماثلة في الأذهان، والسلام في دولة جنوب السودان مترنح ويواجه أزمة هيكلية لن تسعف قيادته على امتلاك مرونة كافية للحركة حيال الصراع الدائر في السودان.

 الدور العربي غاب كثيرا عن أزمات السودان، واقتصر لفترة على تحركات أحادية من بعض الدول المعنية به، لأن قوى محلية ودولية مختلفة لا تثق في هذا الدور، ومالت لتغليب نظيره الأفريقي

مع تفضيل القوى الكبرى المهتمة بالسودان النأي عن التدخل المباشر في الصراع، يمكن أن تمثل الدول العربية الثلاث خلطة منفتحة على التنوع الموجود في التفاعلات الدولية، حيث يصعب وضع أي من مصر والسعودية والإمارات في صف قوة دولية بعينها بصورة قاطعة، وجميعها لديها علاقات جيدة مع القوى الفاعلة على الساحة الدولية، وكل منها تملك مساحة جيدة من الحركة دون أن تحسب على قوة واحدة.

يمنح هذا المحدد فرصة للمزيد من تمدد الدور العربي للمساهمة في التهدئة وتثبيتها ثم وقف إطلاق النار وصولا إلى مرحلة الترتيبات اللاحقة، والتي تتكون من شق أمني وآخر سياسي، يحتاج كلاهما إلى درجة عالية من الكياسة لمعالجة الأزمة من جذورها، والمساهمة في تأسيس مرحلة بناء الثقة عندما يأتي ميعادها.

يمكن أن يعيد نجاح الدور العربي، ممثلا في الدول الثلاث أو إحداها، المجال لاسترداد النشاط السياسي في التعامل مع التطورات التي يعج بها السودان، والتي ظلت تقريبا حكرا على الدائرة الأفريقية، على الرغم من العجز الفاضح الذي لازم هيئاتها عن وضع حد سريع لصراعات قديمة داخل القارة.

وتوافرت في المحطات التي ظهر فيها الدور الأفريقي داخل السودان وقت حربه الأهلية الطويلة مع الجنوب ثم انفصاله، رافعة دولية ممثلة في الولايات المتحدة.

تميل الإدارة الأميركية إلى دعم السعودية أكثر دون تقليل من دور مصر والإمارات أو تجاهل الدور الأفريقي عامة، وسط صمت روسي وصيني كبير، الأمر الذي يمثل مقدمة لرؤية تحركات فريدة الأيام المقبلة.

مع تردد معلومات حول إجراء محادثات تضم ممثلين عن الجيش والدعم السريع في جدة قد يكون للرياض دور أكبر من مصر والإمارات، ما لم يتم التنسيق جيدا بينها.