د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
هل سيتفق الجنوبيون على إنهاء صراعاتهم البيزنطية ؟؟!!
كنا معشر الجنوبيين منذ مطلع الخمسينات و الستينيات نشغل أنفسنا بالصراعات السياسية والانقلابات العسكرية التي كانت تعم معظم دول العالم العربي، انقلاب هنا، وانقلاب هناك، فوضى هنا، وفوضى هناك، وحرب أهلية هنا، وحرب هناك، وتطاحن بين نظام ومعارضة في أكثر من بلد عربي ومع انتشار الراديو الترانسيستور في الحواضر والبوادي والشعاب وأصبح في يد العامة يتابعه الجميع المتعلم والأمي!!
100 عام من الفوضى العربية المتواصلة، من الفساد والدموية وضياع حقوق الانسان، وغياب التنمية في أغلب الدول العربية، بما فيها تلك الثرية مثل العراق التي يعاني شعبها اليوم من الفقر، وصولا إلى ليبيا الثرية ايضا، والتي تغيب عنها كل مشاريع التنمية، ومهددة بالانقسام، مرورا باليمن الشمالي الذي طحنته الحرب بين الجمهورية الوليدة والملكية المتجذرة منذ أكثر من الف عام .. وامتدت تلك الحرب الى الجنوب بعد الوحدة القسرية مما أدى الى اشتعال حرب ضروس دمرت الأخضر واليابس وأحدثت فيه شروخا وجروحا لا تندمل وفشل في معالجتها حتى اليوم !!
كما نرى السودان اليوم يقف على اعتاب حرب أهلية بعد أن تمت التهيئة لكل أسباب الخراب الدموي المشتعل فيها !!
يجب أن ننظر بموضوعية الى الحروب العربية المشتعلة التي جرت شعوبها إلى كل هذا الخراب، ونسأل عن الإنسان العربي، وحين نرى أن أكثر نسبة لجوء في العالم، مصدرها العالم العربي، نشعر بعار كبير، فملايين العراقيين والسوريين واليمنيين والسودانيين والتوانسة وغيرهم، فروا عبر الحدود والبحار، وتركوا دولا ثرية، لأصحاب النفوذ الذين لم يسقط من جنودهم إلا القليل في حرب مقدسة بلا عناوين ولا أهداف وطنية مشروعة بل حروب مشحونة بالضلالة والبهتان هي الاسوأ والأكثر دموية من حروب الجاهلية الأولى !!
برغم كل هذه الثروات المكدسة التي تزخر بها تلك البلدان ، حيث أن لا بلد منها يعاني من الفقر، لكن أصحاب المصالح المرتبطين بأجندات خارجية، والذين يسفكون دماء المواطنين الأبرياء جعلوا منها أوطانا تنعق فيها البوم والغربان ويبددون ثرواتها مما أدى إلى كل تلك الانهيارات حيث تتدنى نسب التعليم والخدمات الصحية وتتغول السلطات على مواطنيها وتتم مساندتها بفكرة ايدولوجية للتغطية على انحيازها أو دعم حزب أو قبيلة، أو مكون طائفي، أو مذهبي!!
وبعد مرور 100 عام أو أكثر من التاريخ، نكتشف أن أغلب الدول لا نموذج لديها في الحكم، فلا هي دولة المواطنة، ولا هي دولة المشروع الممتد لاعتبارات قومية أو دينية أو اقتصادية، والنتائج نراها اليوم بشكل واضح، إذ أن ضحايا هذه العقود، لا يعدون ولا يحصون، ولا يكفي احصاء القتلى والجرحى والمشردين، بل علينا احصاء الأحياء الذين نظنهم من الأحياء لكنهم قيد الموت، بسبب الفقر والتجهيل وغياب الحقوق، والعيش تحت التهديد الداخلي أو الخارجي. والسؤال الذي يطرح نفسه هو :
لماذا لم تتمكن أغلب الدول العربية من صناعة نماذج مستقرة دون أزمات ؟! والسؤال هنا سياسي وفكري، والمطلوب أن يجيب عليه كثيرون والمفارقة هنا، أن النخب التي تقول أن الاستبداد هو الذي أدى إلى كل هذه النتائج، يسكتون عند الأدلة أيضا على أن التعددية في العالم العربي، وما يسمى الديمقراطية، كانت أداة أيضا لتعزيز الاستبداد، وسببا في الجدل والاختلاف بين مكونات كل بلد، وكأنه مكتوب على هذه المنطقة أن لا تقف على قدميها ابدا، ويصير الحل توهم المؤامرات الخارجية فقط، لتبرير كل أسباب الخراب الداخلي، وكل هذه الهشاشة التي لا دواء لها.
ان احصاء خسائر العالم العربي على صعيد الموارد والإنسان العربي، سيولد كارثة نفسية، كما ان الاعتراف بكون بنية الإنسان العربي، لم تساعد أيضا في صياغة المستقبل، عززت الاستبداد، أو استبدلته باستبداد من نوع جديد، كما أن قراءة الأرقام، تثبت أن المستقبل سيكون أصعب بالتأكيد، لان تراكم كل هذا الخراب، لا يمكن أن يثمر عن مستقبل مختلف، بل سيؤدي الى مضاعفة الفوائد والفواتير على كل سكان المنطقة.
ولا أحد يتصور، حجم الخسائر المعنوية والمادية والام العائلات، والرغبة بالثأر، وإلى أين يمكن أن تتضاعف هذه الأرقام ؟ واصبح الإنسان العربي، مجرد رقم في الاحصاءات، التي تعدد الخسائر، دون عواطف، أو قراءة لمستقبل ..هكذا أرقام لا تبشر بأي خير وأصبحت هذه الشعوب مجرد حطب في المواقد المشتعلة في كل تلك البلدان وضاع الماضي والحاضر اما المستقبل فأصبح أسود من الكحل !!
وختاما : وفي ظروف كهذه أستغرب من أصحاب الأقلام المأجورة، باعة المبادئ، الذين باعوا أقلامهم بحفنة من عرض رخيص زائل، وسطروا من الفجور والضلال والنفاق ما إن مزج بماء البحر لمزجه خبثا ونتنا وعفنا. قد جندوا أنفسهم لهدم المجتمعات وبث بذور الشر والفساد، بدلا عن الحريات !!!
د . علوي عمر بن فريد