د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
ما تعرف خيري حتى تجرب غيري !!
قرأت في صحيفة الشرق الأوسط استطلاعا للرأي يظهر أن أكثر من 80 بالمائة من الإسبان يؤيدون الحكم الملكي ويعتقدون بأن ملكهم هو أكبر داعم للديمقراطية في إسبانيا بعد أن خرجت لسنوات طويلة من الحكم الملكي إلى الحكم الجمهوري العسكري قبل أن يستعيد الإسبان نظامهم الملكي ويتشبثون به تحت شعار:
(ما تعرف خيري لين تجرب غيري)
المصيبة الكبرى التي ابتليت بها بعض البلدان العربية مثل
"اليمن الديموقراطية " التي انتهجت الحكم الشمولي القمعي – الماركسي حتى سقوطه في عدن بعد خلافه مع اليمن الشمالي حول الوحدة الإندماجية الرعناء وإعلان انفصاله عام 1994م وما تبع ذلك من هزات وحروب واحتلال لا زال قائما في حضرموت موطن الثروة والثقل السكاني مما أدخل الجنوب في حروب متناسلة تهب رياحها دوما من اليمن الشمالي ولا زال شعبنا في الجنوب يدفع أثمانها من دماء أبنائه ونهب ثرواته حتى اليوم !!
وقد سبق ذلك كله انقلابات عسكرية في مصر والعراق وليبيا والسودان والجزائر وتونس واليمن وقد كان الحكم الملكي هو السائد في بعض تلك الدول التي كانت تنتهج الملكية الدستورية أو الحكم الملكي المستنير ليصنعوا جمهورياتهم الخاصة التي استبدلت الدستور بتقارير المخابرات، ولأكثر من نصف قرن عاش الناس حياة مؤلمة في هذه الجمهوريات المتوحشة فامتلأت المعتقلات من طرابلس حتى عدن وسعداء الحظ من نفذوا بجلودهم من تلك الأنظمة الوحشية وهاجروا قسرا والسعيد من وصل والتعيس من غرق في البحر أو لازال مشردا بعد أن أصبحت عمليات الإعدام نشاطا يوميا لتلك الدول ودفعت ثمنا غاليا لمغامرات العسكر خارج البلاد وداخلها وتراجعت التنمية وانتشر الفقر ونهبت ثروات البلاد وتزايدت أعداد المنفيين !!
وفي كل هذه البلدان العربية كان الانقلاب العسكري الدموي يسمى (ثورة) يحتفل بذكراها الشعب رغما عن أنفه !!،
أما حكم الطاغية الذي يتحكم بكل شيء فيسمى (جمهورية) رغم أن الجماهير لم يكن من حقها أن تتنفس الهواء قبل استئذان أجهزة الأمن !!
وقد عملت الماكنة الإعلامية والثقافية للأنظمة الشمولية والعسكرية على تزوير التاريخ حيث صورت الفترات التي عاشتها هذه البلدان تحت حكم تلك الممالك والسلطنات بأنها سنوات ظلام وجهل وخنوع للاستعمار، ولكن كل هذا التشويه لا يلغي أن مصر أثناء الحكم الملكي كان لديها دستور وحكومة منتخبة وصحافة حرة بل كانت جوهرة الشرق وعنوان نهضته، وكذلك الحال في العراق الذي كان يعيش أيام الملكية حياة مزدهرة حيث كان هناك رئيس وزراء يدير البلاد ولم تكن هناك أي صراعات طائفية أو عرقية، أما في " الجنوب العربي " قبل الحكم الماركسي فقد كانت الصحافة في عدن حرة والمظاهرات مكفولة وكان بعض العامة يطلقون النكت ويبالغون في السخرية من حكم السلاطين بل ويصرخون عليهم في مكاتبهم ويتحملونهم أما اليوم فمن صرخ أو انتقد مسؤول فيقوموا بسجنه أو محوه من الوجود وفي ليبيا فإن نهاية حكم السنوسي كانت نتيجتها الاستسلام لأكثر من أربعين عاما لحكم القذافي الذي تميز عن بقية العسكر العرب بأنه لم يسمي نظامه المشوه (جمهورية) بل اخترع نظاما سياسيا جديدا اسمه (الجماهيرية) !.. ربما كي يقول بأن الشعب هو الذي يقمع نفسه !!؟
والفارق المهم بين الإسبان والعرب أن الإسبان حين جربوا ويلات حكم العسكر لم يجدوا أي مشكلة في العودة إلى الحكم الملكي الدستوري وهاهم اليوم يتمتعون بنعيم الديمقراطية بعكس العرب الذين يعيشون مرحلة حائرة بعد أن أسقطوا الطغاة !! ففي مصر والعراق وليبيا واليمن لا زال الطريق غير واضح المعالم لنقل البلاد من مرحلة الجمهورية العسكرية – الطائفية المتوحشة إلى مرحلة الجمهورية الديمقراطية الحقيقية التي يحكم فيها الشعب نفسه بنفسه
ربما لو اختار العراقيون الملكية الدستورية بعد سقوط صدام حسين لما غرقوا في مأزق الطائفية خصوصا وأن الحكم الملكي لم يكن محسوبا على السنة أو الشيعة أو الأكراد، وكذلك الحال في مصر وليبيا حيث نجح المصريون في إسقاط الرئيس ولم ينجحوا حتى هذه اللحظة في التخلص من حكم العسكر بينما تخلص الليبيون من جنون القذافي واحتاروا في شكل نظامهم السياسي القادم، ولعل أكثر ما يعيق الشعوب اليوم عن تلمس طريقها الصحيح أمران:
الأول : أن الديكتاتور العربي يسعى طوال فترة حكمه إلى ربط مصير البلاد بمصيره بحيث لا يكون ثمة بديل لنظامه الدموي سوى الحرب الأهلية والصراع الطائفي.
والثاني : أن الذهنية العربية وقعت ضحية لخرافات العسكر التي صورت لهم أن العودة إلى الحكم الملكي الدستوري هو شكل من أشكال الرجوع إلى الوراء..!!
بالمناسبة ليس الإسبان وحدهم من عاد إلى الحكم الملكي بعد أن جربوا حكم العسكر، الهولنديون أيضا فعلوا ذلك.. وها هي هولندا اليوم واحدة من أعظم الديمقراطيات في العالم !!
د. علوي عمر بن فريد