ولاء عمران تكتب لـ(اليوم الثامن):
في "المكلا" عروس بحر العرب.. الشعب يريد دولة فدرالية
عروس البحر العربي وحاضرة محافظة حضرموت، أزورها للمرة الثانية، تلبية لدعوة تلقيتها من الجنرال العسكري الكبير "أحمد سعيد بن بريك"، رئيس الجمعية الوطنية، والذي أصبح يوم الرابع من مايو الجاري نائبا لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي.
بن بريك هو جنرال كبير في الجيش الجنوبي السابق، والذي خسر الحرب على اثر الاجتياح الشهير الذي تعرض له الجنوب بعد توقيع اتفاقية وحدة هشة مع الجمهورية العربية اليمنية.
كانت هزيمة الجيش الجنوبي الذي قاوم لأشهر في الدفاع عن عدن والمكلا، له مبرراته، فالسلطة في عدن كانت قد سبقت اتفاقية الوحدة بحرب أهلية، يقول جنوبيون اليوم انها كانت بأيادٍ خارجية؛ ولا يستبعد ان يكون النظام اليمني وراء تلك الأحداث المأساوية التي نجح أهل الجنوب في تجاوزها بمشروع التصالح والتسامح الذي عقد في الـ13 من يناير من العام 2006م.
وبعد أن تجاوزوا اثار تلك الصراعات الدموية بالمشروع الوطني الإنساني الذي لا يزال يوما وطنيا يحتفى به في الجنوب منذ حينها إلى اليوم، وقد مولت وسائل اعلام إقليمية إنتاج أفلام وثائقية تتحدث عن صراعات الماضي في الجنوب، إلا أن الجنوبيين واجهوا تلك السياسة الإعلامية بالتأكيد على التصالح والتسامح ونبذ الخلافات والتباينات.
منذ نحو عقد من الزمان،
حين عرفت عن قضية شعب الجنوب، وأنا الصحفية المصرية التي لم تكن تهتم بالشؤون السياسية أبدا ، حيث تخصصت في المجال الفني والأدبي الذي أحبه ،، إلا أنني حين أدركت أن قضية شعب الجنوب عادلة ورأيت الإنتهاكات والجرائم الإنسانية التي ارتكبت بحق هذا الشعب الذي آمن بفكرة القومية العربية وسعى للوحدة ظنا منه أن العرب لابد وأن تجمعهم القومية العربية ويصبحوا يدا واحدة ، اعتنقوا فكرة الزعيم جمال عبدالناصر وطبقوها ولكن الطرف الآخر استبد وطغي وهمش واغتال قادة جيش الجنوب الذي كان يعد من أقوى الجيوش العربية
وقفت مع هذه القضية العادلة بوازع من ضميري ومهنيتي وإنسانيتي ، وأدركت أن الله سيحاسبني إذا لم أقل الحق يوما ، اتهمت بالعمالة وبأنني انفصالية واتهمت في شرفي المهني ولكني لم أهتز لحظة ولم أحيد ولن أحيد عن مناصرتي لهذا الشعب ماحييت ، سأظل أجاهد بقلمي وان كسروا القلم فسأجاهد بقلبي وهذا أضعف الإيمان
كانت زيارتي الأولى في عام 2019 لمدينة المكلا حيث عقدت الدورة الثانية للجمعية الوطنيه ، وها أنا أعود في 2023 لأزور المكلا مرة أخري في الدورة السادسه التي كانت مختلفة شكلا ومضمونا
جئت إلى المكلا هذه الأيام بالتزامن مع ذكرى اعلان الرئيس الجنوبي علي سالم البيض فك الارتباط من القصر الرئاسي في المدينة التي تعد عروسة البحر العربي، قبل ثلاثة عقود.
منذ حرب الاجتياح العسكري اليمني للجنوب في صيف العام 1994م، والجنوبيون يناضلون من أجل استعادة دولتهم، وبعدها بدأ نضالهم سرياً بحركات سرية كحتم وموج وصولا إلى الحراك الجنوبي ثم المقاومة الجنوبية وأخيرا المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أصبح سلطة أمر واقع من باب المندب إلى المهرة ولم يتبق الا جزء بسيط تسيطر عليها القوات اليمنية الشمالية.
زيارتنا الى المكلا ترافقت مع اللواء عيدروس بن قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ونائبيه اللواء أحمد سعيد بن بريك، واللواء فرج البحسني.
بدأت الفعاليات الاحتفالية في حضرموت بلقاءات عدة مع شخصيات قبلية واجتماعية وسياسية، الجميع كانوا يتطلعون الى التوافق على شكل نظام ودولة جديدة،
أما على الصعيد الشعبي، فأهل المكلا قلوبهم يملؤها الطيبة ، في أخلاقهم تجد الأصالة والكرم ، احتضنوا الفاعلية مهللين مكبرين رافعين رايات النصر
التقى الزبيدي بزعماء قبائل من محافظة حضرموت، خاصة من الوادي والصحراء، استمع إليهم وإلى مشاكلهم ، تحدثوا بكل حرية وبدون أي ضغوط
أخبرهم الزبيدي بأن الدولة التي ننشدها ستكون دولة عدل ومساواة ولا يظلم فيها احد، وسيطرح كل شيء للشعب بما في ذلك اسم الدولة المنشورة.
أشار بيده "هناك ثلاثة خيارات للدولة القادة "دولة حضرموت الفدرالية، او الجنوب العربي، او اليمن الجنوبي"، وقد قوبل هذا الطرح بترحيب كبير
يعاني سكان وادي حضرموت من هذه القوات التي يقولون انها تشكل تهديدا حقيقيا لحضرموت، فهي قريبة من الحوثيين وتدين بالولاء للإخوان الذين يرفعون مشاريع بعيدة عن ما يطرحه أبناء حضرموت، الذين يريدون نشر قوات النخبة المحترفة في كل امتداد محافظة حضرموت.
قوات النخبة اثبتت جدارتها في تأمين المكلا وبقية مدن الساحل، هي قوات حديثة أنشئت بتمويل من دولة الامارات العربية المتحدة الدولة التي يرفع الجنوبيون في المكلا صور رئيسها الشيخ محمد بن زايد في كل مكان.
يرى الجنوبيون أن للإمارات الدور البارز في الانتصار لقضيتهم الوطنية وتحقيق تطلعاتهم المشروعة، لكن ابوظبي تقف انطلاقا من مصلحة قومية عربية، فهي تقف الى جانب السعودية ومصر والبحرين في تأمين مياه بحر العرب والموانئ الهامة ومنع أي تهديدات قد تتعرض لها خطوط نقل الطاقة.
لا أخفي أنني قوبلت بمشاعر فياضة من قبل مواطنيين، يبدون حبهم وتقديرهم لمصر والامارات والسعودية، كانوا سعداء بحضور ضيوف المكلا من كل مكان.
وعلى مدى يومين عقدت الجمعية الوطنية الجنوبية اجتماعاتها، كانت الافتتاحية قد حضرها حوالي سبعة آلاف ومائة وخمسين، يمثلون مختلف فئات المجتمع ونخبه طبية وتعليمية وسياسية وفنية ، لم تتسع القاعة لهم فكانوا في محيطها يتابعون فعاليات التدشين عبر مكبرات الصوت، وهم يرددون بالروح بالدم نفديك يا جنوب.
في اليوم التالي، حضرت في الجلسة الختامية، حين تحدث اللواء بن بريك بكلمة قوية ، لكن ما لفت انتباهي هو تقديره في الجمعية الوطنية وامتنانه للسلطة المحلية في حضرموت ولأبناء حضرموت قاطبة، شيوخ ومقادمة وشباب ومرأة، عجوز وطفل، على الاستقبال والحفاوة البالغة التي اثلجت صدورهم.
بن بريك قال أيضا "إن المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ قرارات سياسية متقدمة تسبق كل المكونات في ان يحتضن كل الفرقاء الذين لا يختلفون معهم كمجلس انتقالي في التوجه والهدف، وهو استعادة الدولة كاملة السيادة".. لافتا إلى أن "هذا الموقف الشجاع من قبل الرئيس وأعضاء الهيئة الرئاسية والقيادات الأخرى كان ثمن بوصلة فريق الحوار ويعتبره انجازا تاريخي لأول مرة في تاريخ الجنوب وكانت اهم مخرجات الحوار وميثاق الشرف الجنوبي هو نبذ العنف وإيقاف سفك دم الجنوبي للجنوبي
لأول مرة في الجنوب يتم "حوار جنوبي - جنوبي خالص، وهذا الشيء الذي مكنهم كما قال بن بريك ومكن فريق الحوار من أجل الخروج بأسرع وقت ممكن، بالتوقيع على الميثاق الوطني، الذي وقعت عليه جميع المكونات بما فيها المجلس الانتقالي الجنوبي، وهذا الميثاق يعتبر دستورا في الفترة الانتقالية إلى أن تتحقق السيطرة والسيادة الكاملة للجنوب وإدارته".
الشعب في حضرموت اجتمع على انهم يردون دولة حقيقية، الجميع من حضر الجمعية كان مؤيدا لفكرة تسمية الدولة القادمة بين حضرموت الاتحادية او الجنوب العربي، فالجميع متفق على التسميتين ولا خلاف حول ذلك على الاطلاق.