د. علي محمد جارالله يكتب لـ(اليوم الثامن):

زيديان إحتلا الجنوب بحجة أن شعبه كافر وانهما وحّدا اليمن

حكاية رجلين زيديين أدّعيا انهما وحّدا اليمن، رغم ان الدولتين لم تكن موحدة أبداً من قبل، وكذلك هذان الرجلان لم يوحدا الدولتين بل إحتلا الجنوب.
الأول هو المتوكل إسماعيل بن القاسم (1644 – 1676م) و هو من ابناء جبل ضوران في صنعاء،.
بعد خروج الأتراك من بلاده قام بحشد جيوشه الى الجنوب، و تم الإستيلاء على ابين و لحج و عدن في العام 1645م ، ثم توسع أكثر فأستولى على الشُعيب و يافع في العام 1658م، و قرر بعدها الإستيلاء على حضرموت، و هكذا استمر في قضم الأراضي الجنوبية و صار يحكمها، و هنا كتب المؤرخون ان اليمن اصبحت موحدة تحت حكمه.
الثاني هو علي عبدالله صالح (1942 – 2017م) من قرية بيت الأحمر بسنحان خارج صنعاء  جاء بعد 349 عام ليُقلّد جدّه الزيدي المتوكل إسماعيل و يحتل الجنوب بحجة انه يريد ان يوّحد اليمن، و كلاهما كاذب لأنهما ارادا إحتلال الجنوب فقط للإستفاد من كبر مساحته و ثرواته و بحاره.

التشابه بين الأثنين:

  1. المتوكل إسماعيل ابن القاسم، تربع على الحكم و جمع بين لقبي الملك و الإمام، و في العصر الحديث علي عبدالله صالح  جمع بين لقبي الرئيس و الزعيم.
  2. المتوكل إسماعيل دخل مع أخيه الأكبر أحمد ابو طالب في صراع أساسه من الأجدر  منهما أن يكون الحاكم المطلق لبلدان جنوب جزيرة العرب، فإتفقا، و هروبا من الصراع بينهما ان المتوكل يذهب لإحتلال و حكم البلدان في الجنوب مقابل ان يحكم اخوه ابو طالب بلاد صعدة.
    و في العصر الحديث حدث نفس الأمر بين علي عبدالله صالح و الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر و كلاهما من سنحان في من منهما رئيس الثاني، فإتفقا الأثنان بأن عفاش رئيس الشيخ، و ان الأحمر شيخ الرئيس، و على هذا الأساس قام الأحمر بتأسيس حزب الإصلاح الإخواني و ترأس مجلس شوراه بالاتفاق مع صالح، ليشكل وعاء سياسياً إضافياً ضد الحزب الاشتراكي اليمني، الحامل السياسي لدولة الجنوب اليمني و ذلك بعد وحدة 1990م المشؤومة.
  3. بحث المتوكل عن عذر لغزو المناطق الجنوبية، لهذا استخدم نصائح و فتاوى الأئمة الهادوية ليُكفّر اهل البلدان الجنوبية التي ينوي ان يغزوها و يحتلها، لهذا نصحوه الأئمة بالإفصاح عن إستخدام مبدأ "التكفير بالإلزام"، لأن المتوكل و فقهائه يعتبرون الأتراك كفاراً، و بما أنهم استولوا على تلك البلاد، لهذا أفتى أن الكفار إذا استولوا على بلاد و ملكوها، و لو كانت من أراضي المسلمين تعتبر بلاداً كُفرية لأن أهلها أقاموا تحت أوامر و قيادة الكفار!.
  4. و في العصر الحديث عندما اراد علي عبدالله صالح إحتلال الجنوب العربي، إستغل مشائخ حزب الإصلاح ليجدوا له حجة دينية قوية تجعله يغزوا بها الجنوب العربي، فأصدر الفقهاء فتاويهم بتكفير الجنوبيين بحجة ان من يحكمهم شيوعيون كفرة، و بالنتيجة يصبح الشعب المحكوم شيوعي كافر، و هنا يصبح أهل الجنوب كفارا، اي "التكفير بالإلزام"،  أي كما عمل ذلك المتوكل اسماعيل بن القاسم بأهل الجنوب ايضاً، لهذا عمل التجمع اليمني للإصلاح على حشد إعلامه و رجاله و أتباعه و قاموا بهجوم نفسي و سيكولوجي مستخدمين الدين و الفتاوى الدينية ضد شعب الجنوب، و إرهاب ابناء الجنوب بفتاوى الشيوخ الشماليين التي كفّرت الجنوبيين، و أحلّت الحرب ضدهم بل و قتلهم أجمعين و كان من أصدر الفتوى هو كبيرهم الشيخ الدكتور عبدالوهاب الديلمي عندما كان وزيراً للعدل للجمهورية العربية اليمنية، و هو أحد أعضاء حزب الإصلاح، و كانت فتوى استباحة دماء و أموال الجنوبيين في حرب 1994م. 
  5. انتقد الكثير من الفقهاء في زمان المتوكل إسماعيل فتوى التكفير، و منهم العلامة عبدالله بن علي الوزير صاحب كتاب (طبق الحلوى)، و العلامة أحمد بن علي بن الحسن الشامي، و العلامة عبدالعزيز الضمدي، و العلامة عبدالقادر المحيرسي، و العلامة الحسن بن أحمد الجلال، صاحب رسالة "براءة الذمة في نصيحة الأئمة".
    و كذلك ردّ بعض العلماء في العصر الحديث على فتوى وزير عدل علي عبدالله صالح الشيخ الدّيلميّ، فأنتقده بعض العلماء من أئمة المسلمين في الوطن العربيّ و منهم شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق، و كذلك الشّيخ الرّاحل مُحَمَّد الغزالي، و  الشّيخ الدّكتور جعفر عبدالسّلام.

هكذا نرى التشابه بين الشخصين الذان أدعيا توحيدهما لليمن في ذاك الزمان؛ المتوكل اسماعيل، و في العصر الحديث علي عبدالله صالح، و تستمر المقارنة بين الشخصين.

  1. عندما قرر الإمام المتوكل إسماعيل غزو بلدان الجواب جهّز لإخضاعها جيشاً عرمرماً بقيادة ولده محمد بن إسماعيل من أجل الدخول الى الجنوب عن طريق يافع، و فتحْ الطريق الى حضرموت لغزو كل الجنوب بحجة انه ارض كفرة و ذلك في العام 1645م، و في العصر الحديث عمل علي عبدالله صالح على تحشيد جيشاً شبيها بجيش جده الزيدي المتوكل اسماعيل و بقيادة عبدربه منصور هادي، و ذهب لإحتلال مناطق الجنوب كلها بدعوى انهم كفرة شيوعيون، و بشعار "الوحدة او الموت" و ذلك في العام 1994م.
  2. لم يرضى الجنوبيون للذل في إحتلالهم من قبل الزيدي المتوكل إسماعيل بن القاسم إبتداء من العام  1645م ، و كذلك لم يرضوا بإحتلال جحافل الزيدي علي عبدالله صالح في 1994م فعمل الجنوبيون على مقاومة هذين الإحتلالين لطردهما من بلاد الجنوب.  
  3. قاوم ابناء الجنوب في يافع الجنوبية قوات المتوكل إسماعيل لإخراجهم من ارضهم، إلا ان المتوكل جهّز جيشا قويا بقيادة ولده محمد بن إسماعيل، و عندما اشتدت مقاومة الجنوبيين الحق قواته المحتلة للجنوب بقوة أخرى للتأكد من إخماد ثورة الجنوبيين عليه،  و تشهد كتب التاريخ ان جيوش المتوكل أثناء القتال مع القبائل الجنوبية استخدمت القوّة المفرطة و المبالغة في القتل، بالإضافة إلى القسوة على الناس، و ما نتج عن ذلك من ظلم و جور، مما دفع بالعلامة المجتهد الحسن بن أحمد الجلال إلى كتابة رسالة نقدية و نصيحة شرعية سماها (براءة الذمة في نصيحة الأئمة).
    و كما قاوم الجنوبيون جيوش المتوكل، كذلك قاوم أحفادهم جيش علي عبدالله صالح و قوات الأمن المركزي التي كانت تقتل الناس في الشوارع بدم بارد فقط لأنهم يقاومون سلمياً بأجساد عارية الإحتلال اليمني، و هذا ما نتج عن ذلك من ظلم و جور، و لهذا ذهبتْ منظمة هيومن رايتس ووتش و بعض التّقارير الصّحفيَّة الأخرى بفضح ما يجري في الجنوب من قتل في الناس، فقد بعثت منظمة هيومن رايتس ووتش بفريق متخصص إلى الجنوب، و خاصَّةً إلى عدن و المكلا في شهر يوليو 2009م، و قام هذا الفريق بتوثيق العديد من الانتهاكات الّتي قامت بها الحكومة اليمنيَّة ضد أبناء الجنوب، و قد وثقت أيضَّا المنظمة بعض المقابلات مع شهود عيان من صحفيين و ناشطين حقوقيين و مثقفين و أكاديميين و رجال سياسة و ناشطين بالحراك الجنوبيّ و مسؤولين حكوميين و دبلوماسيين. 
  4.  ارسل المتوكل جيشاً لدعم الجيش الذي يُقَتِّل الجنوبيين، تآمر الرئيس علي عبدالله صالح كما فعل جده الزيدي المتوكل، و ذهب لغزو الجنوب مرة أخرى في العام 2015م بالتعاون مع الحوثي، و لكنهم هذه المرة واجهوا غضب الشعب الجنوبي بعد ان رأوا الأوجاع و الظلم و السرقات و تسريح الجنوبيين من اعمالهم و رميهم في الشوارع حتى انهم ضربوا بالصواريخ المواطنين الفارين بحراً بإستخدام أحد القوارب الخشبية للهروب من قتل الشوارع، ، فهاج عليهم الشعب هذه المرة حاملين شعار "الحرية او الموت" مقابل شعار الزيود "الوحدة او الموت".
  5. استمر الجنوبيون في مقاومة إحتلال الزيود لبلادهم حتى طردوهم في عهد المؤيد الصغير عندما رفضت القبائل الجنوبية السلطة المركزية في صنعاء، و طردت الإمام العامل فيها، و عاد الجنوب لإهله فسماه الزيود الإنفصال الجنوبي، حاول الزيود مرات عديدة غزو اراضي الجنوب، إلا ان الشعب الجنوبي وقف بوجههم بصلابة حتى اصبحت المقاومة الجنوبية حقيقة على الأرض، و تحول الغضب و العصيان الى شوكة في حلق الزيود الأمر الذي أدى حينها الى موت بعض قادة الزيود من أمراء بيت القاسم كمداً، و في الحملات على الجنوب تم قتل قائد تلك الحملة الفاشلة التي قادها الأمير حسين بن المهدي أحمد بن الحسن بن الإمام القاسم. 
    و في العصر الحديث و بعد ان نجح الجنوبيون من تحرير اراضيهم استمرت الغارات الإرهابية من جحافل الحوثي، و بقايا علي عبدالله و جماعة الإصلاح بالهجوم على بعض الأراضي الجنوبية بحجة ان الجنوبيين يدعون للإنفصال عن الدولة اليمنية، و نضج الجنوبيون كثيراً و تجمع الكثير من ابناء الشعب الجنوبي و نادوا بإشهار مكونا سياسيا إنتقالياً يعينهم لإستعادة وطنهم التي أحتلته صنعاء في 1994م، و قد تم إشهار المجلس الإنتقالي الجنوبي.
  6. و اليوم ينتظر الجنوبيون إستعادة دولتهم".