د. علي محمد جارالله يكتب لـ(اليوم الثامن):
الوطنية وحدها لا تصنع قراراً وطنياً
ينقسم موضوعي هذا الى ثلاثة اقسام، و لكنها كلها مرتبطة بالقانون الذي اصدره محافظ عدن حامد لملس:
القسم الأول (إصدار القرار و التراجع عنه):
ماذا يعني ان يتخذ المسؤول قراراً دون دراسة إمكانية نجاحه من فشله، او تطبيقه من عدم تطبيقه، او إن كان القرار يخالف القوانين او يتفق معها.
المنطق يجبرنا على القول ان المسؤول يتخذ قراراً لحل مشكلة ما في المجتمع، فهذا يعني ان المسؤول يعرف المشكلة تماماً، و يعرف انها تؤثر على الناس، و من واجبه كمسؤول ان يصدر قانوناً لحل هذه المشكلة التي تؤثر على الناس. لهذا على المسؤول ان يتسلح بالأمور التالية قبل إصدار قراره:
- دراسة نص القرار جيداً، و التأكد انه في مصلحة المواطن، او يسعى لمساعدة جزء من مشاكل المواطن.
- تحليل القرار من الناحية القانونية و العقلانية، و معرفة ابعاد صدور القرار، و ردود الفعل عليه.
كان يجب على حامد لملس قبل إصداره القرار مراجعته مع المدراء لديه، و مع الدائرة القانونية في الإنتقالي، ثم وضع التحليل المناسب لتأثير القرار، و قوة صيغته و تأثيرها، أو البحث عن بدائل أخرى لها نفس الأثر إذا كان القرار المقترح يخالف القانون.
من النقاط أعلاه نرى ان المحافظ لملس اصدر قراره بوطنية، بعد ان رأى ان المواطن في محافظة عدن العاصمة المؤقتة يعاني كثيراً من تدهور الخدمات، و لكن وطنية المحافظ دعته يستعجل إصدار القرار ثم التراجع عنه بحجة ان القانون يمنعه ترحيل الإيرادات الى اي جهة أخرى غير المصرف المركزي.
القسم الثاني (إطلاقاً لا سيادة و لا إستقلالية للبنك المركزي):
في بداية العام 2022م بلغت ايرادات محافظة عدن فقط من الرسوم الجمركية و الضريبية 330 مليار ريال، بزيادة بلغت 120% عن العام الذي سبقه، و هذه الإيرادات التي تخص محافظة عدن تذهب للبنك المركزي ليتم دفعها لمدفوعات كل الجمهورية و للنازحين الذي يأويهم مجلس الوزراء، او على الأقل المحافظات الجنوبية، فلماذا مجلس القيادة الرئاسي لا يفرض على محافظات مأرب و شبوة و حضرموت و المهرة أن تورد ايراداتها للبنك المركزي؟
اما من يدعي ان للبنك المركزي سيادة خاصة فهو يجهل عمل المصارف المركزية، فمن يُعيّن محافظي البنوك المركزية هو رئيس الدولة، و يتبع المصرف المركزي وزارة المالية، و تعزي بعض الأدبيات ان مبررات وصفالبنوك المركزية بالإستقلالية عن السلطة التنفيذية ما هي إلا حُجة لتشجيعها لإصدار سياسة نقدية افضل و استقرار إقتصادي أقوى و أطول أمداً.
و لكن بالنسبة للبنك المركزي اليمني فلا توجد له اي سيادة و لا أي إستقلالية، في ظل السلطوية الحاكمة من قبل رئيس الوزراء، فمسؤولين البنك غير منتخبين، و كذلك المسؤولين السياسيين و التنفيذيين هم ليسوا نتاج عملية ديمقراطية.
تمثّل البنوك المركزية في الدول النامية التي تقارب النموذج اليمني حالة مركّبة، فهذه الدول مديونة من رأسها حتى أخمص قدميها، بالإضافة لعدم الإفصاح المالي للقادة، هي فاشلة في المحافظة على استقرار نسبي للآليّات الاقتصادية المُعترف بها على مستوى العالم، و منها استقلالية البنك المركزي، لكن في الوقت نفسه، بقي النموذج التنموي المُتعثّر في هذه البلدان يدفع في سبيل الإلغاء الفعلي لتلك الاستقلالية.
القسم الثالث (المال السايب يعلم السرقة):
هناك مثل عربي شهير يقول "المال السايب يعلّم السرقة"، و بالنسبة لمحافظة عدن، هل هذا مالها الذي تسرقة الحكومة الفاسدة (كما نسمع) هو مال سايب، او مال متروك؟ لأنني قرأت مرة أن إحدى المحاكم عرّفت «المال المتروك» بأنه «الشيء الذي يستغني عنه صاحبه بإسقاط حيازته، و بنية إنهاء ما كان عليه من ملكية، فيغدو بذلك لا مالك له». فإن استولى عليه شخص آخر، لا يعتبر سارقاً.
على المجلس الإنتقالي أن يتأكد بأن ايرادات محافظة عدن هو ليس مالا متروكا بتعريف الحكومة اليمنية، اما أموال المحافظات الأربع المشار اليهم أعلاه فهي ليست اموال متروكة، و لهذا لا يسلموها للبنك المركزي حتى لا تتم سرقتها بحجة أن لا مالك لها.!!
سأضع مثالاً بسيطاً، إذا عامل النظافة جمع القمامة و وضعها في صندوق الزبالة، فمر أحدهم بصندوق الزبالة و رأى فيه كيسا غريبا فتحه و وجد فيه مليون دولار فرح به و مشى، و جاء رجل يركض من نهاية الشارع و يصرخ هذا مالي هذا مالي، رمته الشغالة بالخطأ، قال له الرجل انه مالي انا وجدته و لم أسرقه منك.
ذهبا الإثنان للمحكمة، هل تعتقدوا ان المحكمة ستحكم على من لقي المال في الزبالة بانه سارق؟ طبعاً لا.!!
إنني اوجه كلامي للمجلس الإنتقالي الذي فوضه ابناء الشعب الجنوبي عليكم ان تدركوا بأن الإهمال او التقصير في الحفاظ على مال الشعب (ايرادات محافظة عدن) تُعتبرون محاسبون عليه امام الشعب، بسبب أن الإنتقالي لم يبسط الرقابة الشديدة على هذا المال، الأمر الذي ساعد في وقوع جرائم إختلاس الإيرادات، أو على الأقل تيسير اختلاس هذا المال.
الخلاصة:
يجب على المجلس الإنتقالي مطالبة مجلس القيادة الرئاسي بإصدار قانون يُكلّف به المجلس الإنتقالي من تشكيل فريق إقتصادي لمراقبة عمل البنك المركزي، و ان يكون لهذا الفريق الحق القانوني بوقف اي قرار لا يراه يُحقق مصلحة شؤون محافظة عدن، و ينتهي عمل هذا الفريق تلقائيا إذا وافقت المحافظات الأربع بتحويل جميع إيراداتها للبنك المركزي.
اساس عمل الفريق الإقتصادي معادلة بسيطة هي:
بما أن البنك المركزي يحتاج للإستقلالية في عمله، فهذه الإستقلالية تحتاج للشفافية، و هذه الشفافية ستقويها المُساءلة التي بالتالي ستقوي عمل البنك المركزي.
فواجب المجلس الإنتقالي تفعيل هذه المعادلة، و سيكون دور الإنتقالي من خلال الفريق الإقتصادي (المساءلة) التي ستعطي البنك المركزي الشفافية و الإستقلالية في العمل.
د. علي محمد جارالله
21 يونيو 2022م