د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

أميركا تبرىء النظام الإيراني.. والنظام يُدين نفسه، والعرب مخدوعون به

بغداد

  كعادته لا يترك نظام الأزمات القائم في إيران فرصة ولا مناسبة إلا وقام بإستغلالها؛ ولما لا عندما تكون أموال الولايات المتحدة الأمريكية ودعمها السياسي حاضرين كمكافآت سخية للنظام على كل مصائبه سواء كان ذلك داخل إيران أو خارجها، ولا نعلم السر في ذلك حتى اليوم فالأمر أكبر من أن يكون تعاون مشترك لتحقيق هدف مشترك يتضمن خلق أزمات بالشرق الأوسط تفرض للملالي السيادة التامة، فيه وتُوجِد حالة من الخضوع العربي التام للإرادة الغربية، والسر الذي أشرنا إليه ولم نفهمه بعد هو التناقض بين مسار علاقتين قائمتين مع نقيضين (حلف الصين وروسيا ونظام الملالي معهم من جهة، والولايات المتحدة وحلفها من جهة أخرى)؛ نقيضين الصراعات القائمة بينهما صراعاتٌ قائمةٌ على الحياة والوجود مهما كلف ذلك لكن الغريب في الموضوع هو العلاقة القائمة بين الملالي والولايات المتحدة وحلفها وكيف يمكن تفسيره في ظل التعاون العلني الكبير لنظام الملالي مع الصين وروسيا وتمدد هاتين الدولتين بمساعدة إيران في منطقة الشرق الأوسط وفي نفس الوقت تصنع الأسباب لحشد الجيوش في شرق المتوسط في مواجهة روسيا والصين...؟ومليون علامة؟

كان نظام ولاية الفقيه كنظام قائم ومستمر بالأساس على الأزمات حاضراً في كل الأزمات بالمنطقة ليس من أجل صناعة حلولٍ لها وإنما من أجل المزايدة وفرض الهيمنة، ومن الأزمات التي دخل عليها نظام الملالي على سبيل الذكر وليس الحصر القضية الفلسطينية، وقضية المسلمين الشيعة؛ كانت القضية الفلسطينية ولا زالت قضية العرب والمسلمين الأولى قبل ظهور نظام الملالي ولا يمكن لهكذا نظام أن يزايد العرب والمسلمين على هذه القضية لما يحملونه من صدق وإخلاص تجاه قضية فلسطين والقدس الشريف، ولم يكن أمام نظام الملالي سوى ممارسة ما نبت عليه وهو القفز على حقوق الآخرين وخلق أزماتٍ يتربح عليها ففرض النظام نفسه كوصي على القضية الفلسطينية ليس من باب نصرة القضية وإنما الهيمنة على قضية العرب والمسلمين وبالتالي يصبح رقماً بالمنطقة والعالم الإسلامي وأراد من منظمة التحرير الشامخة الإمتثال لهذه الفرضية فلم تمتثل ومن هنا عمل النظام على ضرب مسيرة النضال الفلسطيني في مقتل وذلك بضرب منظمة التحرير الفلسطيني وشق الصف الوطني الفلسطيني، وقد حدث وتم شق الصف الفلسطيني طيلة عقود إلى هذه الساعة، ولا يرى نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران شرعية نضالية في فلسطين سوى في الأجنحة الممتثلة لإرادته ورؤيته التي كانت خدمة للمحتل وأعداء الشعب الفلسطيني؛ أما تصدر نظام الملالي لقضية الشيعة والدفاع عنهم ففيها أشد النفاق وحب النفوذ تسلقاً على آلام الآخرين ولو كان في هذا النظام خيراً وصدقاً لأعدل وأنصف بحق الشعب الإيراني منذ أن استولى على السلطة متسلقاً على ثورة الشعب فما كان مصير الشعب الإيراني على يد هذا النظام إلا الهلاك، وهو ما كان من مصير شيعة لبنان والعراق وغيرهم أيضاً؛ ذلك لما درج عليه النظام من الإحتيال والعمل بنهج الغاية تبرر الوسيلة وهذا ما يبرر استخدام النظام للدين كوسيلة لبلوغ غاية السلطة والهيمنة.

القضية الفلسطينية ومستجداتها اليوم

 يدنسون المقدسات ويفتكون ويبطشون بالسعب الفلسطيني وتسرق عصاباتهم ممتلكات الشعب الفلسطيني نهاراً جهاراً والإعلام يصور وينشر ويتلقون هذه الجرائم الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني دون أدنى إكتراث للنداءات والإستغاثات أو القوانين والأعراف الدولية أو حتى الشعارات التي يرفعونها هم أنفسهم، ونسوا أن القضية الفلسطينية قضيتنا الأولى وأقدس قضايانا وسنتوارث المسؤولية تجاهها بحق وصدق جيلاً بعد جيل سواء كنا قوميين أو ديمقراطيين أو حتى إسلاميين حقيقيين أو علمانيين مسلمين ومسيحيين وكل أصيل لصيق بجذور فلسطين التاريخية، ولقد أخلص لهذه القضية السفهاء والعقلاء على حد سواء والذاكرة مليئة بالأحداث التي لا تُحصى ولا تُعد، أما ملالي طهران فلم ولن تكون القضية الفلسطينية لهم إلا مجرد وسيلة وشعار ومادة لصناعة الأزمات من أجل بلوغ غاية معينة فقضية فلسطين قائمةٌ منذ أكثر من قرن من الزمان ويحكم الملالي في طهران منذ أربعة عقود ونيف مليئة بما يجلب الخزي فلا تنخدعوا بهم لأنهم لو طلبنا منهم اليوم (من الملالي) اليوم أن يأمروا فصائلهم الفلسطينية بأن ينضووا تحت خيمة الشرعية الفلسطينية (منظمة التحرير) ولن يفعلوا علماً بأنه يمكنهم فعل ذلك، ولو قيل لهم أتركوا شعب العراق وسوريا ولبنان واليمن وشأنها لن يفعلوا، ولو قلنا أنصفوا بحق الشعب الإيراني وكفاكم عنصرية تجاه العرب والبلوش والأكراد والأتراك وغيرهم في إيران ما فعلوا؛ وهنا لا تزايدوا علينا فصدقنا تجاه فلسطين لا يضاهيه صدق ومواقفنا حاضرة على الدوام ولا تحتاج لمناسبة كي تصدر ونهجكم ونهج الغرب من مدرسة واحدة "..."، وعندما تعلق الأمر بفلسطين والحق التاريخي للشعب الفلسطيني تسامح الكثيرون من أجلها وتغاضوا عن كثير وعفى الله عما سلف، ومستجدات القضية الفلسطينية اليوم هي نفسها المتعلقة بأحداث الأمس إذ لم يُنصف الغرب الإستعماري وخاصة بريطانيا الإستعمارية صانعة الأزمة والكوارث بحق فلسطين على مدار أكثر من قرن وتُظهر ردود الأفعال الإنفعالية للقادة الغربيين حقيقتهم وحقيقة ما يضمرونه؛ ردود الأفعال التي سرعان ما يتراجعون عنها ويصححونها، ولم يكون جميعاً مؤمنين بقراراتهم المتعلقة بفلسطين دولاً ومؤسسات دولية ولذلك بقيت قضية فلسطين مجرد قضية موضوعة على الأرفف ولا أهمية لها إلا ساعة تأجيج المواقف وتعرضهم ورعاياهم للمخاطر فما يصدر عنهم سوى مجموعة شعارات وبعض المساعدات للتسويف ليس أكثر؛ والحال هو الحال بالنسبة لشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإذا أردتم أدلة فنظروا إلى تفاصيل كافة ما جرى ويجري في العراق وإيران ولبنان وسوريا واليمن ولم يحرك أصحاب تلك الشعارات والقوانين ساكنا ولا يثبتوا صدقهم وعلى رأسهم مؤسسات الأمم المتحدة ومن بينها مجلس حقوق الإنسان، والحال هو نفس حال نظام الملالي الذي رفع شعار الدين ولم يُدركه ولم يصدق معه ولا علاقة له به إلا في حال تطلب الأمر ذلك، وهذا هو واقعنا وواقع القضية الفلسطينية إذ وقعنا كضحايا بين فكي المُدعين الطاحنة وسنبقى لطالما هناك أنظمة أزمات بالمنطقة كنظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران، وبهذا الشأن يقول السيد مسعود رجوي الذي يقود معارضة وطنية إيرانية ضد نظامين دكتاتوريين منذ زمن الشاه وقد خَبِر نظام ولاية الفقيه أكثر منا نحن العرب عبر المعاصرة والمنازلة معه، يقول: (لقد قلنا ونكرر أن على كل من يريد السلام في الشرق الأوسط عليه أن يستهدف "رأس الأفعى" وهي الفاشية الدينية الحاكمة في طهران، وأما ما يتعلق بقضية فلسطين الممثلة أيضاً بالرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ومنظمة فتح ومطالبهم المشروعة للشعب الفلسطيني ينبغي أن تلقى دعما كاملا وشاملا).

ويضيف السيد رجوي قائلاً: (من لا يعلم ما هو خط خميني وخامنئي فقد كان خطهم خنجراً وخيانة للقضية الفلسطينية منذ البداية من خلال الشعارات الإحتيالية ومنها "يوم القدس" وشعار "تحرير القدس عبر كربلاء")، أي عبر تحرير كربلاء، وهذا ما أراد نظام الملالي من خلاله إضفاء شرعية على حربه التوسعية التي بدأت ضد العراق ووضعها في إطار ديني على افتراض الإنتقاص من ولاء العرب لدينهم، واليوم شملت هذه الحرب التوسعية العراق واليمن وسوريا ولبنان ومستمرة ولن تتوقف لطالما بقي هذا النظام في إيران.

هل كانت واقعة طوفان الأقصى ردا على الصفعات التي تلقاها نظام الملالي في سوريا

لقد سارع إبراهيم رئيسي رئيس جمهورية النظام الإيراني على عجل بالتبجح بدور نظامه في أحداث طوفان الأقصى في الوقت الذي نفت فيه بلاده وكبيره علي خامنئي أي دورٍ لهم في ذلك، وقد قالت الإدارة الأمريكية أن إيران بريئة ولم يكن لديها وقت لِتُقسم بالقرآن والإنجيل والتوراة بأن النظام الإيراني بريء؛ رئيسي يعترف خامنئي يُنكر الأمريكان يُؤكدون على براءة الملالي وفي نفس الوقت يقرعون طبول الحرب سريعاً حربٌ في أوكرانيا وحربٌ في سوريا وحربٌ جديدة لا نعرف على من ستكون وشعوبنا تحترق والمدنيين الفلسطينيين يتعرضون للإبادة، واختلط علينا الأمر؛ لكننا لن نستعجل بتفسير الأمور إنطلاقاً من وجهة نظرنا فحسب فلأهل القول والفصل إضاءات، وهنا سأورد نصاً مختزلا من تصريحات السيدة مريم رجوي زعيمة المقاومة الإيرانية التي تحارب الدكتاتورية منذ قرابة 6 عقود إذ تقول: (لا یمکن لأحد أن ینخدع بمحاولة إبراهیم رئیسي قاتل أبناء الشعب الإیراني ومجاهدي خلق استغلال القضیة‌ الفلسطینیة التي دأب نظام الملالي على استغلالها بالباطل منذ قيامه، والضحية الأول لسياسة الاسترضاء والمهادنة مع هذا النظام هو بالطبع الشعب الإيراني ولكن الخسائر الكارثية لهذه السياسة قد شملت جميع شعوب ودول المنطقة وإخوتنا من العرب والمسلمين بسبب نهجه الإرهابي المتطرف وسياساته التوسعية؛ إذ يحاول إبراهيم رئيسي تسويق نظامه كنظام مُلهم ومُساند في تحرر الشعوب)، وبالنظر إلى هذه التصريحات الصادرة عن السيدة رجوي وتحليلها مقارنة بتصريحات رئيسي المتناقضة مع تصريحات خامنئي وتصريحات البراءة الصادرة عن الإدارة الأمريكية يمكن تفسير الموقف على النحو التالي:

يريد نظام الملالي تسويق كل أمر يتعلق بالقضية الفلسطينية لصالحه دون أدنى درجة من درجات القيم والإنضباط والتضحية وذلك من أجل الحصاد في ظل الظروف التي يعيشها تحت وطأة ضغوط الانتفاضة الوطنية الإيرانية الجارية عسى أن يكون ذلك مخرجاً له واستعادة لكرامته.
وفقا للمتناقضات في التصريحات والسلوكيات وما يجري على الأرض جاءت عملية طوفان الأقصى بعد وقت قصير من استلام نظام ولاية الفقيه مبلغ الـ 6 مليار دولار من الإدارة الأمريكية لذلك تسعى هذه الإدارة إلى تبرأة الملالي من ذلك.
قد يسوق نظام الملالي عملية طوفان الأقصى على أنها رداً على الصفعات المتتالية القاسية التي تلقاها في سوريا.
تصريحات بعض الفلسطينيين تشير أن لا مانع من تسويق عملية طوفان الأقصى لصالح النظام الإيراني.
يمكن التخمين بأن عملية (طوفان) الأقصى من اسمها كانت عملية خاصة للحرس الإيراني من الألف إلى الياء لطالما كان الإسم من إختياره إذ يكون الإسم عادة من اختيار صاحب القرار.
السر الأعظم يقع بين الأمريكان ونظام الملالي فمن هنا 6 مليارات دولار ومن هنا طوفان الأقصى، وها هي أمريكا تجيش الجيوش وتسخر المقدرات والأموال في خدمة المعركة، وفي الجنوب بلبنان مناوشات إسمية شكلية وفي غزة إبادة جماعية.. فماذا يُخفي الأمريكان والملالي؛ أم نزوة أو كبوة يستحي الأمريكان من الحديث عنها وسيفيقون ويتطهرون منها ببعض التضحيات عما قريب؛ والقوة العسكرية الأمريكية القادمة في شرق المتوسط تهدد روسيا بالدرجة الأولى ذلك لأن الفلسطينيين ليس لديهم ما يخسرونه وقد اعتادوا على الموت والدمار وإعادة البناء ثم الموت والدمار، ولو قُبِروا فسيعودون من تحت الرماد من جديد.

أزمتنا ومصيبتنا كبيرة، والكل تجار وصيادي فرص وصناع أزمات.. لكن الحق حق والباطل وتلك هي الحقيقة الخالدة، وستبقى فلسطين بكل أصالتها ومكوناتها وتراثها التاريخي قضية الحق التي ستنتصر ولو بعد حين.

 / كاتب عراقي