د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

قلب الطاولة على الرؤوس علاجاً؛ والثورية خياراً لا مفر منه

  يكون قلب الطاولة على الرؤوس علاجاً وواجباً مقدساً وخياراً لا مفر منه عندما تغدر بك الظروف وتجمعك مع سياسيين سفهاء لا حرج لديهم في لعب أكثر الأدوار السياسية تردياً وحتى أقذرها.. هنا وفي تلك الظروف لا تكن مؤدباً مهذباً على طول الخط وفي وسط هذا الجمع لطالما فُرِض عليك الجلوس معه، وتتطلب الأمور أحيانا تسمية الأشياء بمسمياتها الصحيحة المباشرة حتى ولو كانت قاسية فلغة الحُلُم من قبل البعض لا تكون مؤثرة عندما يكون اللئام هم الأغلبية، ويقول العزيز الكريم (وأكثرهم للحق كارهون) والحق محدود وفي ظاهره قليل ضعيف لكنه في الحقيقة نوعي قوي ولا يضاهي بأسه بأس.

للعبرة من الموقف؛ عَرِفت النفسُ في مرحلة ما شخصية حليمةً ذات رؤية تكاد تكون على ضعف حالها هي الأنضج والأفضل سياسياً بين كل ما هو مطروح سياسيةً ومنطقاً، وكان يجمعها الموقف ببعض السفهاء السياسيين المدعومين خطيئةً كأولئك الذين في طهران وولاتها التابعين، وقاموس البلطجة ذاك القابع في تل الربيع... وأشباههم كُثُر، وكان دور هؤلاء المتردية هو عرقلة كل شيء لا يكون من قبلهم، وارباك الموقف على الرغم من كثرة الجمع الحاضر المنضبط الذي لم يعيرونه أي تقدير أو إهتمام، وعلى هذا النحو تستغرق الجلسات ساعات طوال بل وأياماً أحياناً؛ في حين أن الدقيقة بعمر العمل السياسي والنضالي لها ثمنها وقيمتها، وضريبتها أيضاً، وتوالت الجلسات والمواقف على هذا النحو عبث وتخريب وعرقلة وشق للصفوف دونما نقد بناء أو طرح بديل مناسب يخدم الصالح العام، وكان الحُلم في كل مرة حاضراً لتلك الشخصية الحليمة بعقلانية وتحفظ وترفع وامتناع عن المشاركة في المصادقة على أي عمل فيه وضاعة أو خلل، وجلسات تلو جلسات وفشل وتردٍ تلو الآخر حتى طفح الكيل في إحدى الجلسات، وهنا لم يعد للحُلمِ مكان وحضرت الغيرة والحمية على المنطق والعلم والقيم والصالح العام الذي تستوجب حمايته التضحية سريعا بتركٍ مؤقت للدبلوماسية والقيم الشخصية الاعتبارية لمعالجة الموقف وإعادة بوصلة المسار من جديد وبشكل أفضل على طريق القيم والأخلاق والصالح العام فما كان من تلك الشخصية الحليمة إلا أن كشرت عن أنيابها بردود جافة صلبة ولم تجدي.. فبردود صلبة حادة وها قد بدأ تأثيرها لكن ذلك لم يأتي بالنتيجة المطلوبة ولا يزال هؤلاء رغم انكسار شوكتهم قليلاً على سلوكهم المُشين، وهناك حضر من يُنشد بيتاً للمتنبي يقول فيه لا تشتري العبد إلا والعصى معه إن العبيد لأنجاس مناكيد، وثارت ثورة الحليم على اللئيم وقُلِبت الطاولة على الرؤوس وبدأت طفايات السجائر والأحذية أجلكم الله في التطاير، وانطلقت اقسى وأشد العبارات حدة ووجعاً حتى بات المتطاولين وداعميهم في وضع هزيل ومهين ومخجل أمام الجميع، ورُفِعت الجلسة بفشل ذريع وبعد ساعات تراكض الداعمون بدون سفهائهم نحو معالجة الموقف وإنقاذه واستعرت نداءات الهواتف بمنطق مُختلف وسليم، واتخذت الأمور بعد ذلك مساراً واحداً كان فيه الحليم مُكرماً سائدا وكان اللئام تلاميذ مطيعين منضبطين في الإطار الرسمي الجمعي بعد الجلد.

الموقف فيما يتعلق بنظام الملالي وولاتهم وداعميهم هو صورة طبق الأصل من ذلك الموقف، ويستوجب نفس الرد وبكامل التفاصيل بل وأشد من ذلك، فاستحضار الخيارات الثورية التي هي ممثلة للحق على الدوام أمرٌ فرضي ومقدس لقلب الطاولة على رؤوس الأوغاد الداعم والمدعوم المستهتر.. وينطبق الحال على كل من يشبههم في تل الربيع وغيرها. 

كشفت أحداث فلسطين وغزة حقيقة نظام الملالي وأدواتهم، وكذلك كشفت حقيقة الغرب وكيف هي مواقفهم مع الملالي، ولم يكن ترؤس سفير الملالي في جنيف للمنتدى الاجتماعي لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة إلا دليلا من الأدلة على ذلك بالإضافة إلى تصريحات الأمريكان وغيرهم.. ومن يحلل تصريحات إبراهيم رئيسي الأخيرة يجد أن الأمر أبعد من ذلك بكثير.

على كل حال لم يدع الإيرانيين من أنصار المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق.. لم يدعوا نظام الملالي وسفيره يستمتعان بهدية الغرب هذه لهم حتى باتت غصة في حلق خامنئي كما وصفتها افتتاحية منظمة مجاهدي خلق.. تلك الهدية التي تتضمن تغاضياً وتسامحاً صريحاً مع جرائم نظام ولاية الفقيه داخل إيران وخارجها، وما ذلك بغريب ولا عجيب على الغرب فقد دأب تيار المهادنة والاسترضاء في الغرب على ذلك لكنه لم يصل إلى هذا المستوى الفج الذي نراه اليوم.

لم يتوقف النهج الإجرامي لنظام الملالي في إيران على ما ارتكبه هذا النظام داخل إيران بحق معارضيه من إعدامات ومجازر إبادة جماعية كمجزرة سنة 1988 التي راح ضحيتها أكثر من 30 ألف سجين سياسي، وأحكام سجن تعسفية وإعدام قاصرين وقتل أطفال وفقاً لتقارير منظمات دولية وتحقيقات مقرر الأمم المتحدة البروفيسور جاويد رحمن؛ لا بل قد شملت أيضاً على جرائم ومجازر إبادةٍ أخرى بحق المعارضين الإيرانيين عناصر مجاهدي خلق سكان مخيم أشرف ومن ثم سكان مخيم ليبرتي وقد شهِد على تلك الجرائم والمجازر نواب برلمانيين أوروبيين وأحد كبار موظفي الأمم المتحدة العاملين في العراق في حينها السيد طاهر بومدرا الذي شهد على ذلك وعلى محاولة بعض القوى والدوائر التستر على ما حدث ويحدث، وكذلك لم تقتصر جرائم نظام الملالي داخل وخارج إيران على الإيرانيين فحسب بل شملت ملايين من العراقيين شيعة وسنة ومسيحيين وأيزيديين، وقد كان نظام الملالي على تنسيق مع القاعدة، وأحد صناع داعش وفق لتصريحات مسؤولي النظام أنفسهم، وجاءت بعد مأساة العراقيين واللبنانيين مأساة اليمن وسوريا ثم مأساة الشعب الفلسطيني المتفاقمة بسبب نظام الملالي وما فعله بالصف الوطني الفلسطيني وختموها بخذلان أهل غزة...، ولو كان الملالي محبون لفلسطين وشعبها فليجيبونا عن حال الفلسطينيين في العراق وما حدث لهم بعد الغزو سنة 2003 علما بأن الملالي كانوا ولا يزالون الآمر الناهي في العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.

يقول السيد طاهر بومدرا: "إن رئاسة نظامٍ يُعد من أبرز مُنتهكي حقوق الإنسان لمؤسسةٍ حقوقية تابعة للأمم المتحدة استهزاءٌ بالأمم المتحدة والمبادئ الدولية المعترف بها واصفا نظام الملالي بأنه رمزاً لانتهاكات حقوق الإنسان، كما ذكّر بتأكيد المقرر الخاص لحقوق الإنسان الدكتور جاويد رحمن على انتهاك نظام الملالي لحقوق الانسان الأمر الذي انعكس على التقرير الأخير لأمين عام الأمم المتحدة السيد انطونيو غوتيريش مشيراً للتناقض وعدم تماشي التقرير مع تعيين ممثل النظام الإجرامي رئيساً للمنتدى معتبراً هذا التناقض مظهراً آخر من مظاهر الخلل في هذه المنظمة الدولية، وأشار إلى تجربته عندما كان مسؤولا عن حقوق الإنسان في العراق وممثلا للأمين العام فيما يتعلق بمخيم أشرف حيث كان يتم اخضاع التقارير لرقابة أنظمة الأمم المتحدة لاخفاء ما كان يحدث.

بعد استفحال الوباء الذي أهلك الشعب الإيراني ممتداً من طهران إلى منطقة الشرق الأوسط ومستهدفاً الدول العربية على وجه التحديد وبمباركة غربية، وبعد أن ظهرت بوضوح حقيقة العلاقة بين نظام الملالي والغرب لم تعد هناك أية ضرورة أو مبررات لوجود لغة تسامح أو مهادنة مع نظام لم ترى المنطقة منه خيراً ولن تراه، ولا يوجد حلاً الآن.. الآن الآن وليس غدا قبل فوات الأوان سوى قلب الطاولة على رأس هذا النظام ورأس من يسانده ومهما تكن النتائج والخسائر الآنية المقبلة فلن تكون إلا مقدمة لنصرٍ وخيرٍ عظيمين، وهذه رسالة للجميع.. للشعب الإيراني وشعوب المنطقة لم يعد هناك خياراً صالحاً في الأفق.. فإما الخضوع والخنوع والبقاء في ظل هذه الأجواء المشينة التي يفرضها نظام الملالي وداعموه، وإما قلب الطاولة على الرؤس وإسقاط نظام الملالي بثورة عارمة جبارة ترسم مستقبلا جديداً لإيران والمنطقة بأسرها.. وعلى العرب إسناد الشعب الإيراني في ثورته من أجل الحرية والديمقراطية الحقيقية وليست تلك القشرية التي يدعو إليها الغرب وهي فوضى هدامة ولا شيء غير ذلك.. والثورة والحرية والديمقراطية الحقيقية هي تلك التي توفر الكرامة والعدالة الاجتماعية والرقي والازدهار للبشر.. لقد أصبح قلب الطاولة على الرؤوس خيارا لا مفر منه ولا ينبغي تأخيره.

كاتب عراقي