ضياء قدور يكتب لـ(اليوم الثامن):
أسباب وعواقب موجة الهجرة غير المسبوقة في إيران
يشهد اتجاه الهجرة في إيران، الذي يشمل طبقات اجتماعية متنوعة، من المهنيين ذوي المهارات العالية إلى العمال، تحولاً عميقاً، ويكتسب زخماً كل يوم.
إن تحليل البيانات الإحصائية لا يؤكد على الزيادة الكبيرة في أعداد الهجرة فحسب، بل يسلط الضوء أيضًا على التسارع السريع لهذه الظاهرة، مما يجذب انتباه وسائل الإعلام الدولية.
وقد أدت الضغوط الاقتصادية والسياسية الداخلية، التي تفاقمت بسبب شبح الصراع المحتمل، إلى تغذية نزوح جماعي متزايد للإيرانيين الباحثين عن فرص في الخارج. تكشف بيانات مرصد الهجرة الإيراني عن زيادة كبيرة في طلبات اللجوء وتأشيرات الطلاب وتصاريح العمل، مما يشير إلى حقبة من الهجرة الجماعية غير المنضبطة التي تعيد تشكيل التركيبة السكانية للأمة.
يسلط التحليل الإضافي الصادر عن منظمة التنمية الاقتصادية والتعاون الضوء على معدل النمو غير المسبوق في الهجرة إلى الدول الأعضاء الثرية في إيران بين عامي 2020 و2021. وارتفع عدد المهاجرين الإيرانيين من حوالي 48000 في عام 2020 إلى 115000 في عام 2021، وهو ما يمثل زيادة مذهلة بنسبة 141٪ خلال عام 2021. سنة واحدة.
وبالتوازي مع ذلك، أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن ارتفاع بنسبة 44% في عدد اللاجئين الإيرانيين في عام 2022 مقارنة بالعام السابق. في الوقت نفسه، يشير مرصد الهجرة الإيراني إلى العام الثامن على التوالي من النمو في عدد الإيرانيين العاملين في الخارج، حيث ارتفع من 49 ألفًا في عام 2013 إلى 70 ألفًا في عام 2021.
وبالرجوع إلى نتائج دراسة شاملة، حدد المرصد عدم الاستقرار الاقتصادي، وتحديات الحكم، والنظرة المتشائمة للمستقبل، والتطلعات إلى حياة أفضل في الخارج، والسعي وراء الحريات الفردية والاجتماعية، كعوامل محورية تدفع الإيرانيين نحو الهجرة.
ويؤكد بهرام صلواتي، مدير مرصد الهجرة الإيراني، أن 80% من الهجرات لها دوافع اقتصادية وسياسية. فقد شهدت السنوات الأربع الماضية مشاكل اقتصادية وارتفاع معدلات التضخم، إلى جانب قمع الاحتجاجات الشعبية، والتوترات الإقليمية، ودعم النظام للجماعات الوكيلة، مما ساهم بشكل كبير في زيادة الهجرة الإيرانية.
في حين أن الدول الأوروبية وأستراليا وكندا والولايات المتحدة كانت تقليديًا الوجهات الرئيسية للمهاجرين الإيرانيين، فقد شهدت السنوات الأخيرة تنوعًا في أنماط الهجرة. هناك زيادة ملحوظة في عدد الإيرانيين الذين يبحثون عن فرص في دول الخليج العربي، بما في ذلك قطر والعراق والإمارات العربية المتحدة وعمان وتركيا.
وهناك اتجاه مثير للاهتمام وهو الهجرة المتزايدة من إيران إلى العراق، وخاصة في قطاع صناعة النفط. وقد أدت الجهود الاستراتيجية التي يبذلها العراق لجذب المستثمرين الأجانب من خلال عقود النفط المتنوعة والأجور التنافسية إلى تدفق المستثمرين والمقاولين والمهنيين والعمال الإيرانيين.
وقد أدت جاذبية العروض العراقية إلى رحيل المستثمرين الأجانب عن إيران، مما يهدد آمال النظام الإيراني في الحفاظ على الشراكة مع دول مثل الصين وروسيا.
وفي حين يظل العراق وجهة جذابة للاستثمار الأجنبي، تشير التقارير إلى أن المقاولين والمستثمرين المحليين يجذبون أيضًا الفرص المربحة، بما في ذلك الأجور الأعلى. وهذا يشكل خطراً كبيراً على صناعة النفط الإيرانية، ليس فقط من حيث خسارة الاستثمار الأجنبي ولكن أيضاً من حيث استنزاف القوى العاملة الماهرة.
وقد شهدت الأشهر الأخيرة زيادة كبيرة في عدد العمال المهرة وغير المهرة الذين يهاجرون إلى البلدان المجاورة، مع ظهور العراق كوجهة بارزة. وتشير التقارير الصادرة عن الغرفة المشتركة الإيرانية العراقية إلى أن العمال المهرة في العراق يكسبون حوالي 600 دولار شهريا، أي ثلاثة إلى أربعة أضعاف رواتب نظرائهم في إيران.
تساهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المعقدة في إيران في سيناريو تفضل فيه الطبقات المختلفة البحث عن فرص في الخارج.
وتؤكد الأسباب المتعددة الأوجه وراء ارتفاع معدلات الهجرة الإيرانية على التفاعل المعقد بين العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ومع استمرار الهجرة الجماعية، فإنها لا تفرض تحديات على الاستقرار الداخلي في إيران فحسب، بل إنها تشكل أيضاً تحديات أمام إمكاناتها للنمو الاقتصادي والابتكار.
إن معالجة الأسباب الجذرية للهجرة أمر ضروري لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار للمجتمع الإيراني.