ضياء قدور يكتب لـ(اليوم الثامن):
حركة العدالة لضحايا مذبحة إيران عام 1988
في صيف عام 1988، أعدم النظام الإيراني أكثر من 30 ألف سجين سياسي في غضون بضعة أشهر، وظل هذا الحدث، الذي أصبح يعرف باسم (مذبحة 1988) موضع تجاهل في الغالب لأكثر من ثلاثة عقود، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها قمع النظام وسرية الأمر، وسياسة الاسترضاء العالمية تجاه النظام والميل إلى غض الطرف عن جرائم الملالي.
وفي عام 2016، أطلقت المقاومة الإيرانية حركة العدالة لكسر الصمت الذي دام 30 عاماً على مذبحة عام 1988 وتسليط الضوء على تلك الجريمة ضد الإنسانية.
في عام 2017، أصدرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة الراحلة المعنية بحالة حقوق الإنسان في إيران، أسماء جهانجير، تقريراً كتبت فيه أنه :" بين تموز/ يوليو وآب/ أغسطس 1988، ورد أنه تم إعدام آلاف السجناء السياسيين، رجالًا ونساءً ومراهقين، وفقاً لـ فتوى أصدرها المرشد الأعلى آنذاك آية الله الخميني " ، واعترفت أيضًا بأن :" الأدلة الدامغة تُظهر أن آلاف الأشخاص قُتلوا بإجراءات موجزة " ، وأضافت :" إن لأسر الضحايا الحق في معرفة الحقيقة حول هذه الأحداث ومصير أحبائهم دون المخاطرة بالانتقام، ولهم الحق في الانتصاف، والذي يتضمن الحق في إجراء تحقيق فعال في الوقائع والكشف العلني عن الحقيقة؛ والحق في التعويض ".
في تلك الأيام، خلال فترة ولايته، قال المدعي العام للنظام جعفري دولت آبادي أنه :" بين الحين والآخر، يتم تقديم تقرير ضد إيران، بما في ذلك التقرير الأخير للمقرر الخاص لحقوق الإنسان، ومصدره الرئيسي ادعاءات منظمة مجاهدي خلق الإيرانية ".
ومنذ ذلك الحين، قطعت حركة العدالة شوطا طويلاً، إذ شارك في يوم السبت 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مجموعة من كبار خبراء الأمم المتحدة في مؤتمر عقد في نيويورك بمبادرة من منظمة العدالة لضحايا مذبحة عام 1988 في إيران (JVMI) ، ودعوا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى التأكيد على ضرورة محاسبة مرتكبي ومدبري مذبحة عام 1988، ورفض ثقافة الإفلات من العقاب على جرائم النظام الإيراني.
في هذا المؤتمر المهم، أشار البروفيسور جاويد رحمن، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، إلى عمليات القتل الجماعي لأعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية وقال :" إن أخطر مأساة شهدناها منذ الثورة الإسلامية – والأكثر إيلاماً – لا تزال قائمة، وهي الاختفاء القسري والإعدام بإجراءات موجزة وتعسفية لآلاف الأفراد في عام 1988، حيث أُعدم آلاف السجناء خارج نطاق القضاء بموجب فتوى أصدرها المرشد الأعلى آنذاك ونُفذت في سجون البلاد ".
وسلط البروفيسور رحمن الضوء على مساعي النظام المنهجية لتدمير المقابر الجماعية وتشويه الحقيقة، وقال :" إن الإخفاء الممنهج لمصير الضحايا، وعدم الكشف عن مكان رفاتهم، أو عدم تزويد أفراد الأسرة بمعلومات حول أسباب الوفاة أمر مقلق، ويشكل هذا الإخفاء، في رأيي، أيضاً حالات اختفاء قسري وجريمة ضد الإنسانية، لقد كانت المجازر التي أدت إلى عمليات إعدام بإجراءات موجزة وتعسفية، فضلاً عن حالات الاختفاء القسري، مصدر قلق بالغ للغاية بالنسبة لولايتي وكذلك العديد من الإجراءات الخاصة الأخرى للأمم المتحدة ".
وفي تصريحاته، قال السفير الأمريكي السابق المتجول لقضايا جرائم الحرب، ستيفن راب، أنه :" لم تكن هناك عملية قضائية في سياق مذبحة عام 1988، إذ كانت هناك في الأساس محاكم تفتيش حيث كان الناس، بعضهم قد أكملوا محاكمتهم، تم تنفيذ الأحكام على ما يسمى بالجرائم السياسية، بإجراءات موجزة بطريقة تم فيها إخفاء جميع الحقائق والظروف، وأسماء الضحايا، ومكان الدفن، وكل تلك الأشياء حتى يكون لدينا هذه الانتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء ".
وفي إشارة إلى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية التي لم تستسلم للخميني وثبتت على موقفها، أضاف ستيفن راب :" لا يمكن القول إن ذلك قد تم حتى لأن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مسلمين شيعة؛ بصراحة، 90 بالمائة من الضحايا كانوا كذلك، وما شمله ذلك هو الأفراد الذين اعترضوا على هذا الاستبداد الثيوقراطي في إيران ".
وأشارت الدكتورة غرازينا بارانوسكا، عضو فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري، إلى الطبيعة المستمرة لجرائم النظام، وقالت :" إن حالات الاختفاء القسري هي انتهاك مستمر لحقوق الإنسان. … أي إلى أن تعترف الدولة بالاحتجاز أو تنشر معلومات تتعلق بمصير الفرد ومكان وجوده، وبالنظر إلى الوضع الذي نناقشه اليوم، فمن الواضح أن هذه الجريمة ليست كاملة، أي أن الدولة لم تعترف بها أو لم تنشر معلومات حول مصير الأفراد ومكان وجودهم ".
وسلطت آنا سامي، ممثلة JVMI، الضوء على أهمية هذا المؤتمر في الطريق إلى العدالة، وقالت :" إن ثقافة الإفلات من العقاب الموجودة في إيران اليوم تنبع من الفشل في محاسبة المسؤولين الإيرانيين عن ارتكاب جرائم ضد مواطنيهم، وعلى رأسهم عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري للسجناء السياسيين عام 1988 ، وكانت حالة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها مرتكبو الجرائم، الذين وصلوا الآن إلى مناصب عليا، كما ذكر المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان، إحدى النقاط المحورية للمناقشة في مؤتمر نيويورك ".
وأضافت سامي :" نحن نشعر بالقلق من أن عدم محاسبة مرتكبي مذبحة عام 1988 من قبل المجتمع الدولي يشجع السلطات الإيرانية على ارتكاب المزيد من الفظائع ضد المتظاهرين المنشقين والسجناء السياسيين... إن عمليات الإعدام التي تمت في عام 1988 والعديد من الأمثلة الأخرى لانتهاكات حقوق الإنسان، هي وصمة عار على ضميرنا الجماعي، ولا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يستمر الظلم والمعاناة...".
وقالت رئيسة الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، البروفيسورة ميلاني أوبراين، إن :" الإفلات من العقاب الذي يحيط بهذه الجرائم لم يؤد إلا إلى تشجيع مرتكبي الجرائم، ومع وصول إبراهيم رئيسي إلى السلطة، فمن الواضح أنه لن تتحقق العدالة للضحايا داخل إيران، وأن العنف مستمر ".
وقال ستيفن راب :" لقد رأينا تأثير الإفلات من العقاب الذي حدث في غياب العدالة على هذه الجرائم، والإفلات من العقاب يولد الإفلات من العقاب، إذاً لدينا نظام استمر في ارتكاب جرائم مروعة بعد ذلك في عام 2019 وقمع المظاهرات والأشخاص الذين يمارسون حقوقهم في التجمع والاحتجاج، والآن هذه الجرائم البشعة إلى حد كبير ضد المرأة منذ العام الماضي في عام 2022، وفي كل من هذه المواقف هناك الإفلات من العقاب وتوقع أن هذا النظام يمكن أن يفلت من العقاب ".
الخلاصة، إن روح الذين لم يستسلموا للخميني وضحوا بحياتهم من أجل الحرية تعيش في حركة العدالة التي انتشرت من طهران إلى ستوكهولم ومن لندن إلى نيويورك، لذلك، وفي مواجهة السعي الدؤوب لتحقيق العدالة ومحاسبة هؤلاء الشهداء، سيتم تقديم خامنئي والمسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة، سوف تسود العدالة.