د. عيد النعيمات يكتب لـ(اليوم الثامن):

لماذا يا أمة العروبة؟

لك الله يا فلسطين.. لك الله يا غزة والشرفاء الأحرار من أمتي، وأنتم يا من وضعتم رؤوسكم بالرمل وتخليتم عن جزء من أمتكم أكلة لبغاث الطير تنهشه وترقبتم متى تنقض عليه؟ ألا ترون في التخلف عن قافلة غزة ومجدها نقص وهوان وخزي وأن المضي فيها عزة وكرامة ورفع للنفس عن العار الذي لا تُسقطه الأيام مهما فعلنا.. ألا ترون أنكم أيها المتخاذلون قد خالفتم شرعكم وأزحتم قداسة هويتكم وتنكرتم لتاريخكم.. ألن تراجعوا أنفسكم وتجلدوا ذاتكم.. أنظروا جيداً واعتبروا وتمعنوا... ؛ لقد فضحت دماء أطفال غزة واشلاء شيوخها ونسائها وقوافل شهدائها المباركة زيف العدو وإرهابه وخسته؛ وفي الوقت ذاته أظهرت عن مواقف ممن يدعون العروبة اسما وكشفت عار المدعين والمنافقين أصحاب الشعارات الفضفاضة الخاوية ؛ لكنها أيضا أبرزت نقاء المعادن وصدق المواقف وأهل التضحيات المطلقة من أهل المروءة والنبل العرب الذين ما كانوا إلا في صف العروبة وفلسطين ورووا بنجيع دمائهم ميادين العز والإباء ماضيا وحاضرا وما يزال ابناؤهم وأحفادهم يواصلون المشوار انتصارا للحق العربي فملأوا الشوارع والساحات رفضا للظلم وتنديدا بمن يدفعه ويدعمه وجابوا العالم محذرين ومناشدين وقدموا ما جادت انفسهم به رغم الحاجة والمسألة ...

على المرء أن يراجع نفسه فإن لم يكن يخشى الميعاد مع الله فليكن على الأقل حرا نبيلا عزيزا في دنياه لا يقبل الرذيلة وينأى بنفسه عن الدنية ؛ فحياء الكرام يحول بينهم وبين التردي في القول والعمل به، وإن لم يكن بالمقدور عمل شيء فلنعطر أفواهنا بالقول الطيب دفاعاً عن أنفسنا وليس عن أهل غزة؛ لأن هذه قضيتنا وهويتنا وشرفنا وعزتنا؛ ألا تتذكرون قول العزيز الكريم (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، ألا تتعظون من مواقف الشعوب الحرة الأخرى غير العربية وغير الإسلامية وقد حركت الأحداث فطرتها الحرة النقية السليمة دون إرث ولا تاريخ ولا سابق عهد...

مشاهد الجحيم في غزة تبكي الصخور وتفتتها ولا تحرك فينا ساكنا وهل تجمدت مشاعرنا تجاه نساء غزة الماجدات الحرائر اللواتي يصارعن الجحيم بقلوب مؤمنة راضية ويقدمن الشهيد تلو الآخر فصبرن وشكرن، ويوجهن أبناءهن نحو الصمود والتحدي والثبات...

تُخجلني المواقف التضامنية لأحرار العالم على كافة المستويات ومن كافة المواقع، لا بل وتبكيني تلك المواقف لأنها تذكرني بنعمة العزيز الكريم في جميع خلقه خاصة البشر إذ خلقهم البارئ المطهر أحراراً نبلاء محبين للخير بالفطرة؛ لكن البعض من البشر يستعبد ذاته بغمسها في الشر والرذيلة وتغليفها برداءة الأفعال أو يقبلون بالعبودية والاستعباد، ولا أقبل لأبناء أمتي أن يضعوا أنفسهم موضع سوء متدنٍ، وتبكي نفسي ويغمرني الحزن عليهم وعلى غفلتهم تجاه ما يحدث وما يحدق بالأمة من أخطار وتهديدات وهم ليسوا في مأمن عما يجري في غزة وربما ينتظرون أدوارهم، ولنا في العراق وسوريا وليبيا واليمن عبرة لمن يعتبر ...

بعيدا عن المزايدات ولغة المضاربة ولله الحمد والمنة نتقدم نحن الأردنيين الركب ونمضي كرأس حربة من أجل فلسطين وهويتنا وعزتنا وكرامة ولن يبخل فينا أحداً بأغلى ما نملك، وسنمضي خلف قيادتنا الهاشمية المعطاءة التي تقود حملة لإيقاظ ضمير العالم النائم وتصحيح مسارات سياسته...

 لن نطالب أحداً بأن يكون بحجم مواقف من يقف على الجبهة وعلى أطول خط للمواجهة...

لا نقول تخلوا عن قدسية رؤاكم الضيقة بل نقول أجلوها الآن مؤقتا.. ولكن لا تنسوا أننا جميعا كعرب محاصرين بين مؤامرات كيانين إرهابيين محتلين كيان نظام الملالي في طهران الذي يهدد وجودنا ويبث سموم المخدرات في أوساط شبابنا ومجتمعاتنا ولا يستحي من المتاجرة بدماء الشعب الفلسطيني قضيته، والكيان الآخر يحتل فلسطين ويتآمر على العرب ويبث كراهيته لهم في كل مكان ولن يكتفي بفلسطين وقد طال شره الجميع سواء بالقتل أو التطاول والقبح... استعيدوا مروءتكم وجميل شيمكم ونبل خصالكم التي ولدتم بها وورثتموها عن أخياركم وواجهوا أعداءكم.. ولا تتخلفوا عن ركب العزة فالركب طويل وفخره يستحق مبادرة الالتحاق به.. وإن لم يسعفكم الفعل فقولوا حُسنى وواسوا وادعموا بالكلمة الطيبة وتذكروا قول الله تعالى (والله غالبٌ على أمره) فلا تكونوا من الغافلين عن جمال الحق وعزة ورفعة طريقه..

وأختتم مقتبسا قول المتنبي 

   لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ 

فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ

لا تغب يا أخي.. لا تغيبي يا أختي حتى ولو بكلمة طيبة وانظروا إلى الدنيا كلها تناصر الحق في غزة.

المجد للأحرار الأباة.. المجد لك يا غزة.

النائب/ د. عيد النعيمات - الأردن