فاروق يوسف يكتب:
اليمن في لعبة الحروب المُقنَعة
هناك مَن يتساءل عن ضرورة الغارات الأميركية البريطانية على مواقع حوثية في اليمن وهناك مَن يشكك في أن يكون لتلك الغارات أي تأثير يُذكر. فالعصابة التي اختطفت الدولة ودفعت البلاد إلى التهلكة حين ربطتها بالعجلة الإيرانية التي تمشي عكس السير، لن يهمها ما يمكن أن تلحقه تلك الغارات من أضرار بآلتها العسكرية التي ستسارع إيران إلى تعويضها. فما دام الأمر يتعلق بالسلاح فإن إيران جاهزة للقيام بما يلزم. أما إذا تعلق الأمر بالحاجات الإنسانية كالغذاء أو الدواء مثلا فإن إيران تقف مكتوفة اليدين كما لو أن حطب موقدها هناك لا يعنيها في شيء. يخشى العالم أن يجوع اليمنيون. الخوف من المجاعة أكثر ضغطا من الشعور بما يشكله الحوثيون من خطر. ولكن هناك أصلا مَن يشكك بصدق نوايا الحوثيين في الوقوف مع الفلسطينيين ضد إسرائيل ردا على ما ترتكبه الأخيرة من مجازر في غزة.
وجدت إيران في حرب غزة مناسبة لشن حرب لا تخوضها بنفسها على المعسكر الغربي وفي واجهته الولايات المتحدة. حرب لن تخسر فيها إيران شيئا. كما أن الطرف المتضرر لن يفتح جبهة يعرف أنها ستقوده إلى مستنقعات، هو في غنى عن الانزلاق إليها. فهزيمة جيش نظامي أكثر يسرا من ملاحقة تنظيم مسلح، لا يمكن تشخيص أفراده ولا العثور على مخابئ أسلحته أو تحديد الطرق التي سيسلكها. وبالرغم من الصمت الغربي عن الدور الإيراني في ما تشهده المنطقة وهو صمت يشير إلى نوع من التواطؤ الذي سيؤدي يوما ما إلى إغراق المنطقة بطريقة، يصعب معها العثور على حبل نجاة فإن الغارات الأميركية البريطانية تنطوي على ما يشبه التلاسن أو العتاب الصاخب. ففي هذا الوقت بالذات لا يصح فتح جبهة جديدة في منطقة تشهد تحولا خطيرا في مسار المأساة التي مضى عليها أكثر من سبعين سنة. ليست إسرائيل وحدها قلقة، بل الغرب الذي وقف وراءها دائما. في ظل ذلك الوضع الملتبس لا يمكن تصديق ما بجري. فلا الحوثيون صادقون في شعاراتهم ولا الغرب مصمم على المضي في عقابه لما أسماه الرئيس الأميركي بالجماعة الارهابية في اليمن.
هو فصل آخر من مسرحية يُراد منها إخفاء الحقائق. فالغرب مسؤول بطريقة أو بأخرى عن تدهور الأوضاع في اليمن وصولا إلى تحول الجماعة الحوثية إلى واجهة حرب إيرانية ضده. وما جرى في العراق يمكن أن يقدم مقاربة أكثر وضوحا يمكن من خلالها فضح الموقف الأميركي على مستوى تقديم التسهيلات لإيران في مجال توسيع هيمنتها في المنطقة. فالولايات المتحدة هي التي فتحت حدود لعراق أمام الميليشيات الإيرانية وليس خافيا على أحد أن قواتها استعانت بتلك الميليشيات للقضاء على المقاومة العراقية إذ أن فرق الموت الأميركية كان لها دور كبير في الحرب الأهلية التي أشعلتها الميليشيات بعد حادث تفجير الضريحين في سامراء. كانت الميليشيات اختراعا إيرانيا غير أن الولايات المتحدة هي الطرف الذي غذاها ومدها بأسباب الحياة ومنحها شرعية ملفقة، ستكون في ما بعد عنوانا لهيمنتها على الدولة. اليوم تجد الولايات المتحدة صعوبة في التعامل مع تلك التنظيمات وهي تلجأ إلى عقابها عن طريق قتل زعمائها بين حين وآخر في محاولة منها للتهدئة. أما مصير العراق فإن ذلك شأن لا يهمها كثيرا ما دامت إرادة الشعب العراقي الحرة تحت السيطرة.
الجماعة الحوثية في اليمن ليست دولة. أما اليمن فقد صار شريحة جغرافية ليس إلا. لم يبد الغرب رغبة حقيقية في الوقوف مع الشرعية اليمنية التي أطاح بها الحوثيون ولولا السعودية والإمارات لما وجدت تلك الشرعية من يأويها ويدافع عنها. ولو حدث ما جرى في اليمن في أي مكان آخر في العالم لرأينا مجلس الأمن يصدر قرارات ضد الانقلاب داعيا إلى عودة الشرعية، غير أنه في الحالة اليمنية لاذ بصمت أعضائه الكبار وفي مقدمتهم الولايات المتحدة. أما ما جرى في الخفاء فإنه أمر يكشف عنه استمرار إيران في ضخ الأسلحة والمعدات العسكرية إلى اليمن تحت أنظار العالم. فاليمن هي مضيق باب المندب وهو واحد من أهم ممرات التجارة الدولية.
هي إذاً حرب عبثية من جهتين. جهة تدافع عن مصالح دولة تقع بعيدا عنها وجهة تحارب دولة من خلال إزعاج وكلائها. لا إيران تحارب ولا الولايات المتحدة راغبة في أن تلحق بها ضررا. أما الحوثيون فشأنهم شأن الميليشيات العراقية لا يملكون برنامجا سوى الحرب.