د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
رأس الأفعى في إيران؛ غياب الرادع وتغير مسرح الأحداث
تغير مسرح الأحداث بالمنطقة بعد حرب تحرير الكويت مباشرة وقيام منطقتين عازلتين في العراق في منطقة الخط 36 شمالا كانا بداية رسم الخريطة الأولى.. حيث المنطقة الآمنة التي أقامتها قوات التحالف الدولي المسماة بـ (قوات المطرقة) في حينها، والتي كانت تتخذ من تركيا مقراً وبعضوية كل من على الترتيب أمريكا وبريطانيا وفرنسا ثم تركيا الدولة المضيفة، وكانت مهمة هذه القوات مراقبة المنطقة الآمنة وما يجري فيها وقد شملت هذه المنطقة ثلاث محافظات بشمال العراق (أربيل - دهوك - السليمانية) وقد أصبحت هذه المنطقة بفعل العامل الدولي منطقة حكم للأحزاب الكردية العراقية؛ وعلى غرار الخط 36 شمالا كان هناك الخط 32 جنوبا في جنوب العراق واقتصرت منطقة الخط 32 جنوبا على حظر الطيران فقط.. كانت العملية برمتها بدءا من تحرير الكويت وما تبعها إلى قيام الخطين 36 و32 عبارة عن مشروع كبير لنزع قدرات الدولة العراقية وليس قدرات الحكومة العراقية بدليل أنه على الرغم من انتهاء الحرب وتحرير الكويت ووقف إطلاق النار وإعلان الأمريكان أن العملية قد تمت بنجاح وانتهى كل شيئ في خيمة صفوان وجفت الأقلام وطويت الصحف إلا أنهم فرضوا حصاراً جائراً على الشعب العراقي كانت نتيجته التدميرية أشد واقسى من كل الحروب التي مضت ولولا مخطط سلطة المجتمع الدولي لسلب أموال العراق بحجة التعويضات لاستمر الحصار حتى عام 2003 أو أكثر من ذلك.
في خضم هذه الأزمات والمستجدات في منطقتي 36 و 32 عمل نظام الملالي على بناء أوكار له في المنطقتين بشكل سري وشبه سري وتمكن من العراق منذ ذلك الحين وبدأ بتغيير مسرح الأحداث إقليمياً بمباركة أمريكية وتغير مع ذلك شكل الحدث الذي يصنعه نظام الملالي بعد نزع قدرات العراق الذي كان حجر عثرة أمام مخططات الملالي؛ فالوصول إلى سوريا بريا يحتاج أراضي العراق أو تركيا الأرض صعبة المنال.. العراق هو الهدف والمستهدف للوصول من خلاله إلى سواحل سوريا ضيعة الملالي على البحر المتوسط، وبعد غياب العراق كقدرة ورادع لمن تسول له نفسه بالمنطقة أصبح تغيير نظام الحكم في العراق مطلبا استراتيجيا لدى الملالي أكثر من الغرب وقد بارك الأمريكان والغرب ذلك، وأصبح أحمد الجلبي رجل الملالي على رأس هذا المشروع، ومهد له الملالي الأرضية في منطقة الخط 36 الذي يهيمنون عليه ويحكمونه كليا وأعدوا له العدة حتى سنة 1996 الذي كان بداية مشروع احتلال العراق الذي اكتمل سنة 2003 وهنا أصبح خط الوصل والوصال بين الملالي وضيعتهم سوريا جاهزاً بعد أن شاركوا في احتلال العراق إلى جانب القوات الأمريكية والقوات الأخرى المشاركة وكانوا مستعدين لأدنى من دور كمبارس في هذه المشاركة لتحقيق مآربهم والهيمنة على العراق وبالتالي الهيمنة على المنطقة بأسرها.. ليس ذلك فحسب بل وجعل العراق باحة خلفية لهم يديرون عليها صراعاتهم ويصفون عليها حساباتهم، وللتاريخ رفض الأتراك استخدام أراضيهم لدخول واحتلال العراق منها كما رفضوا المشاركة في قوات التحالف الدولي في العراق تحت لواء التحالف أو من يقوده وأرادوا إن تواجدوا فيكون تواجدهم كقوة مستقلة تتركز في المناطق الشمالية والغربية ورفض الأمريكان وبعض العراقيين ذلك ومنهم عراقيين كانوا بيادق مطيعة أليفة تحت أقدام الأتراك فلما دخل الامريكان العراق تمردوا وعضوا اليد التي قبلوها بالأمس وجعلت منهم زعماء وأصحاب جبالٍ من الأموال.. والمهم تغيرت الخريطة كليا بعد العراق، وتغير مسرح الأحداث وينفرط عقد السبحة وينتظر العرب موعدهم.. ولا خيار سوى الصمود وسحق رأس الأفعى في طهران أو التسليم للمشهد الأخير قبل الزوال في مهب الريح.
وللحديث بقية... وإلى عالم أفضل.
د. محمد الموسوي / كاتب عراقي