كامل الحساني يكتب لـ(اليوم الثامن):
كيف جعلت ايران أمريكا (قرقوز في سرك) الشرق الأوسط
لَما أعاد الغرب والأمريكان دولة ايران بعد أن سلب ثورة ١٩٧٩ الوطنية إلى سلطة عمامة الملالي المتأسلمة كان الشرق الأوسط والعالم غير مكترث كثيرا لان الجميع كانوا قد أخطأوا في تقديراتهم معتقدين بأن ذلك انقلاب شاذ عن حركة التاريخ سرعان ما سيصطدم بواقع عصر الدولة المبنية، لكن الأمريكان والغرب بدل أن يحاصروا نظام العمائم بما يدعون به من قيمهم العليا المرتبطة بحكم القانون والديمقراطية ومواجهة المد الديني الرجعي المسلح راحوا هم يلبسون ثورة المجاهدين الأفغان العمائم ضد السوفيت مستنسخين نفس العمامة الإيرانية للثورة على السوفيت، وظلوا الأمريكان مرة يتفرجون على النظام الإيراني ومرة يجاملوهم حتى استطاع هذا النظام أن يخلق أفضل بيئة للإرهاب وللفاسدين المتسترين بالدين، ولم تقبل بها دول المنطقة فحسب بل اضطرت بعض تجمعات دول الشرق الأوسط للإنضمام لتوائم إيران ومنتجاتها من الميليشيات والعصابات المرتبطة بها.. إما مستسلمين لها للبقاء على قيد الحياة أو مناصرين ومنضمين لهم من اجل الوظائف والنفوذ والامتيازات، حتى أن الرأي العام اليوم يصغي لقادة ميليشيات إيران من بيانات وتصريحات حسن نصر الله والحوثي وابن الصدر أكثر من استماعهم إلى قيادات دولة محترمة في الشرق الأوسط.
سياسة الاحتواء الأمريكي لإيران والعقوبات التي أصبحت بطولات
واستمرار أمريكا والغرب بتجاهل هذا الواقع أو التصريح به ثم ممارسة الترقيع مع النظام الإيراني بما اسمته بسياسة الاحتواء ودرج ورفع وإعادة درج بقائمة العقوبات لم يخلق إلا عدم ثقة شعوب هذه المنطقة بالفاعلية والمصداقية الأمريكية والغربية وقدرتها على ضبط النظام في دول الشرق الأوسط بل وضعفت الثقة بالأمريكان بكل بؤر التوتر بالشرق والغرب خاصة بعدما سمحت أمريكا لايران بتسليح حزب الله و قبولها بواقع تأثير ايران على مقدرات العراق، ثم تفرجت عليها وهي تقاتل أول ثورة للسوريين ضد نظام بيت الأسد الإجرامي، وتسلل حرسها المسمى بـ الثوري بدول الربيع من البحرين إلى اليمن حتى أصبحت أمريكا في نظر الشرق الأوسط الفاقدة لسيطرتها التقليدية بفرض النظام وضعف ثقة المجتمعات العربية والإسلامية وجديتها بإحترام قيم حكم القانون وقيم العدالة بهذه المنطقة الحساسة من العالم حتى تكاد تخسر هذه الأيام تضحياتها الأمنية والمالية والمبدئية ضد التطرف الإسلامي من القاعدة التي فرخت داعش ثم عودة طالبان الذي فُسِر عودتها للحكم في أفغانستان على أنه أكبر فضيحة للمشروع الأمريكي والحضاري بالقرن الواحد والعشرين، ونتائج هذا الانسحاب المخزي الذي شجع روسيا لتشعل الحرب في القلب الأوربي بينما إندفعت إيران لتشعل الحرب بجمر الصراع العربي الإسرائلي بين حماس والجهاد وحزب الله والميليشيات العراقية واليمنية التي جعلت من الشرق الأوسط سيرك ترقص فيه أمريكا.. فمرة تضربها بعين الأسد ومرة تضربها من البحر الأحمر، ومرة تضربه من عين كاوه في أربيل ومرة تضربها بمناطق تواجدها مع قسد.
ملالي إيران ترفض حل الدولتين
رغم الدعوات الإقليمية والدولية بحل الدولتين لحل النزاع وللأبد بما فيها المطالب المعلنة من قبل أصحاب المصلحة والضحايا الفلسطينيين أنفسهم، لكن إعلان النظام الإيراني على لسان وزير الخارجية عبداللهيان برفض مشروع حل الدولتين وبظروف المذابح التي تُرتكب ضد الفلسطينيين يُثبت للعالم أن النظام الإيراني لم ولن يريد أي استقرار لأنه باقي على قيد الحياة بالفوضى التي جرت وتجري بالشرق الأوسط.
الحل
لما أعلن شمعون بيريز قبل وفاته بأن إنقاذ الدولة الإسرائيلية بدمجها بمنظومات حكومية قمعية فاسدة لا تحترم قيم الإنسان تتحداها أو تغذيها إيران وأعوانها بالمنطقة، وذكر أن حتى ذباب مزابلها سيجعل بقاء إسرائيل بهذه البيئة القذرة أمر صعب دون أن تقوم إسرائيل بمساعدة هذه الشعوب على تنظيف نفسها من حكومات مارقة فاسدة، ولكن أمريكا وإسرائيل لم يسمعوا هذه النصيحة الذهبية، فراحوا يؤسسون لإتفاقيات تطبيع مع مزابل حكومية قاتلة وفاشلة وفاسدة، ولهذا بالفعل اليوم إسرائيل وأمريكا تتلقى ذباب النظام الإجرامي في كل مكان بالشرق الأوسط، حروب وفساد بمسيرات وصواريخ ومافيات ومخدرات وأشكال من وسائل الخراب الشامل، من قندهار وحتى المغرب العربي، وربما إذا بقي العالم يتفرج على أفعال نظام طهران لن يكون من المستبعد أن تقوم المجموعات الإيرانية بالإستهتار بالحياة البشرية في هذه المنطقة لانتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية وأخرى من أسلحة الدمار الشامل تنحر بها مجتمعات بأكملها في الشرق الأوسط.
ليست دعوة للحرب ضد إيران
رغم إني ومن معي من الأحياء كنا وما زلنا جيل من ضحايا النظام الإيراني سواء بجنديتنا أيام أطول حرب معه بثمانينيات القرن الماضي أو أيام تسببه بخسارتنا أول مشروع لحرية العراق عام ٢٠٠٣، ونحن هنا لا ندعو لتدخل حربي لإسقاط النظام وإنما ما نتمناه من الأمريكان والغرب عموما أن ينهوا مشروع الاحتواء الفاشل ونظام العقوبات الإستعراضية (البطولية ) لملالي إيران وأعوانهم، وأن يكونوا صادقين مع مثلهم العليا من خلال حملة ملاحقة قانونية وقضائية.. محكمة جدية ضد القادة المجرمين في إيران بالتعاون مع ممثلي الشعب الإيراني داخل وخارج إيران كسبيل وحيد لفضح النظام ومحاصرته داخليا وخارجيا ليؤدي ذلك لإسقاطه على يد الشعب الإيراني نفسه، وإلا سيبقى نظام ايران مصدر قلق وزعزعة لأمن الشرق الأوسط والعالم، والتي سماها كسينجر قبل وفاته بأسابيع بان الفوضى (Disorder)التي سببها هذا النظام الذي خلق هذه الأزمة العالمية بين الفلسطينيين وإسرائيل والشرق الأوسط عموما والتي تعيد اليوم التشكيك بالقناعات حول تعريفات الإرهاب والنضال وخسارة أمريكا والعالم كل تضحياتهم في سبيل القضاء على إرهاب القاعدة وداعش ووكلاء إيران من الميليشيات وإذا بقي الأمريكان والغرب بهذه العشوائية في التعامل مع نظام إيران ستصبح مفاهيم الحرية والديمقراطية وحكم القانون ومكافحة الإرهاب والفساد للحفاظ على النظام والإستقرار بمفردات لا يصدقها حتى البلهاء في العالم...
كامل الحساني محامي عراقي
رئيس المركز الوطني للبحوث والدراسات القانونية في العراق