كامل الحساني يكتب لـ(اليوم الثامن):
انتصر القمع وانتشر الفساد وعزلت إيران الأمريكان
في أول قمة أمريكية للديمقراطية وحقوق الإنسان بشهر ديسمبر ٢٠٢١ عزل الرئيس الأمريكي دول فاسدة أو قمعية تسلطية من هذا المؤتمر العالمي مثل روسيا والصين وإيران وكل الدول العربية عدى اسرائيل والعراق، وقد قال الرئيس الأمريكي في حينها أن التزامنا الوجودي بقيم الديمقرطية وحقوق الإنسان وحكم القانون هي التي تمثل قوتنا العالمية ومصدر قوتنا الذي لا ينضب، وهي الميزة الدائمة لأمريكا، ولكن بايدن وفريقه بالخارجية تحولوا من دعاة للحفاظ على قيم الإنسان ينتظر العالم منهم أفعال إلى مثرثرين يثيرون السخرية والشفقة حتى من عموم الشعب الأمريكي، وخاصة بعد قبولهم بسياسة التعامل مع الدكتاتوريات والفساد سواء مع بوتين روسيا أو خامنئي ايران، وهذا ما اعترف به رئيس وزراء بريطانيا جونسون لما كان أول تعليقه على الحرب التي أشعلها بوتين ضد أوكرانيا بالقول؛ بأن ما يجري من حرب بقلب القارة الاوربية التي قد تشعل حرب عالمية ثالثة هي نتيجة تعاملنا بالواقعية مع أنظمة دكتاتوريّة قمعية فاسدة في روسيا أو غيرها.
أما إذا عدنا للرئيس بايدن وفريقه فبدل أن يواجهوا منظومة القمع والفساد الروسي ضد أوكرانيا التي أرادت أن تطهر نفسها من الدكتاتورية والفساد وتدخل نادي دول الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون الغربية من خلال التأكيد بعدم التراجع عن قيم أمريكا العظمى راحت دوائر الخارجية الأمريكية بسياستها السطحية مستمرة تجامل وتقبل أنظمة دكتاتوريّة قمعية فاسدة في الشرق والغرب من نظام مادورا الفنزويلي إلى النظام الإيراني، وقد يقبلون بظل السياسة والسطحية وهذا الاستسلام للتصالح حتى مع النظام الجاهلي لطالبان!
أما أخر مسلسل الإنتكاسات الأمريكية والعالم الحر من السياسة الترقيعية السطحية لفريق بايدن لصنع وتنفيذ السياسات الخارجية هو القبول بالإستسلام للدول الخارجة عن القانون وحقوق الإنسان ليس للحفاظ على دولارها العالمي من الانهيار أو الترويج لصناعتها الحربية مثلما يقال وإنما لدعم اسرائيل في حربها الإنتحارية ضد الفلسطينيين؛ متناسين أو متغافلين بسياستهم السطحية أن تبريد الصراع السياسي و العسكري بقضية الصراع الاسرائيلي الفلسطيني والعربي ليس بالتستر والتوسل أوالتسول من دول لا تحترم حقوق الانسان وحكم القانون أو "رشوة" دول الشرق بدعم أمني أو بمساعدات مالية وعسكرية على حساب سمعة وأموال الأبرياء المساكين من دافعي الضرائب الأمريكان وإنما باعادة ثقة الشعب الأمريكي ودول العالم بإصرار القيادة الأمريكية بالإلتزام بسياساتها المؤسسة على قيمها العليا.
ولو رجعنا للواقع نجد أن الأمريكان يستطيعون ممارسة الانبطاح الدبلوماسي لدول عربية أو إسلامية او رشوة حكومات دول الطوق الإسرائيلي، والسؤال الغائب عن أصحاب القرار الأمريكي هو: إلى متى سيقبل الشعب الأمريكي أن يضحي جراء هذه السياسات المنافية لقيمهم الوجودية ؟ الأمر الآخر إذا كان مقرري السياسات الخارجية الأمريكية يستغلون أنظمة قمعية في المنطقة؛ فهل نسوا أن نصف مليار عربي و مسلم في الشرق الأوسط يغلون على مدار الساعة لحد الإنفجار ويصلون خمسة صلوات يوميا لله ضد إسرائيل الظالمة قبل وبعد الصلاة للرب للخلاص من قادتهم والفاسدين والظالمين؟ ويمكن بأي حملة شعبية أو فتوى دينية شرعية أن يتحول هذا الغضب الى قنبلة أو قنابل بشرية تهدد الوضع الوجودي لاسرائيل وكل الأنظمة التي تريدون منها سياسات إندماجية، كما أن دعم إسرائيل وإقناع دول عربية بقبول دمجها بالمنطقة لا يتم بدعم تسليحها بأثقل القنابل الغبية خلافا لأصحاب الذمة والضمير عند الشعب الأمريكي وكل الدول على وجه الكرة الأرضية، أو أن تستخدموا الفيتو أربع مرات ضد (Jury ) الإرادة العالمية ، من يريد المصلحة الوجودية لاسرائيل "الديمقراطية" لا يتهاون مع أيران أو بقية الأنظمة القمعية وإنما أن يقوم بالتأكيد بدعم حقوق الإنسان والقوانين الحقوقية الدولية لا أن يفرض عقوبات على حكام المحكمة الدولية تلك المؤسسة العالمية اليتيمة الباقية على قيد الحياة التي قد تردع قادة الأنظمة القمعية المنتجة للإرهاب والفساد، كما أن السباق (بالصهينة) بين الرئيس بايدن والمرشح ترامب وأعضاء الكونغرس ديمقراطيين وجمهوريين ولو ضد مصالح الأمة الأمريكية هو ليس إيمانا بالدين اليهودي، لأنني أجزم بأن أغلبهم لم يقرأوا التوراه وإن قرأوها لم ولن يصدقوها لسبب بسيط أن التوراة وكل الأديان السماوية لا تبيح الذبح الجماعي للإبرياء بحجج تاريخية أو حتى لأسباب أمنية وجودية، ولهذا فالحقيقة التي أصبحت مكشوفه للداخل الأمريكي وخارجه هي أن الباعث الدافع لكل المتورطين بدعم إجرام إسرائيل - ظالمة أو مظلومة - بحق الأبرياء الفلسطينيين هو فساد سلطوي صارخ من أجل استمرار الحصول على منافع ونفوذ قيادية أو تجنب فضائح فساد قيادي يمكن أن تشعلها لوبيات يهودية، ولهذا سيكون من الوهم لي ولغيري من الواهمين بسياساتكم لدعم حكم القانون ومكافحة الفساد أن نصدق من الآن فصاعدا جدية القيادة الأمريكية بالدفاع حقوق الإنسان والديمقراطية وحكم القانون ومكافحة الفساد المرتبط بوجود النظام الإيراني وبقية الأنظمة والميليشيات المرتبطة به أو المتشبه بها، ونفس الشيء حتى بالنسبة للناخب الأمريكي فأنهم إذا تجاوزوا عجوزات الرئيس بايدن الشيخوخية لن ينسوا إصراره على لبس ثوب الصهيونية بل أن تعطل الدراسة بمدراس القانون الامريكية العظيمة بسبب التظاهرات الطلابية وتعاطف أغلب أساتذتها أو إستقالاتهم الفردية أو الجماعية ليس لأن سياسة حكومتهم منافية للقيم الأمريكية أو أن قادتهم يقبلون-الرشاوى ـ الانتخابية أو تجنب غضب قوى النفوذ المالي للمجانين اليهود وإنما تأكدهم بأن دروس القانون التي يتدربون عليها لم يعد لها جدوى للدراسة والتعلم وهم يشاهدون (بثا حيا) بالصورة والصوت أن قادتهم لا يهمهم إلا إرضاء اللوبي المالي اليهودي ولو أدى إلى نحر قيم أمريكا ومصالحها القريبة والبعيدة.
بالنهاية نقول أن الشعب الأمريكي والعالم قد تعود على مسلسل انتكاسات السياسات الخارجية الأمريكية من ردود الإفعال التي أعقبت ١١ سبتمبر الى خروجها الفضائحي من إفغانستان وتعثرها في العراق والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحجم كلفتها الأمنية والسياسية والإجتماعية والمالية على الشعب الأمريكي والعالم المتحضر عموما، ولكن الأمر الخطير في هذا المسلسل المؤسف تحول مهندس السياسة الخارجية الأمريكية من قائد ومبادر ومقرر ومنفذ لعزل إيران من أجل وقف برنامجها النووي إلى محافظ أو ناقد للتقارير الغربية ضد البرنامج النووي الإيراني، ثم تمنح أمريكا عدوة النظام القمعي الإيراني الضوء الأخضر لتعزية بحادث سقوط وموت المجرم رئيسي في قلب الأمم المتحدة في نيويورك أو التسامح مع النظام بدعمه لميليشياته الإجرامية من أجل "رشوة" إيران لضبط ميليشياتها حتى تكمل حليفتهم إسرائيل المذبحة بغزة، ونسوا بأن هذه السطحية بالسياسة شكلت كارثة الكوارث على اسرائيل قبل الامريكان، لأنه وببساطة من الآن فصاعدا لن تهدأ منطقة الشرق الأوسط بحروب ومنازعات ضحيتها الفلسطينيين والإسرائيليين الأبرياء وربما معهم اليهود في كل العالم، ذلك لأن كل خصوم الأمريكان من الروس والصين و ايران والعرب والمسلمين وبقية أمم العالم، وقد عرفوا الآن بوضوح وللأبد ما هي اليد التي توجع القيادات الأمريكية وتعزلهم حتى عن أولادهم، واليوم وغدا لناظره حاضرٌ وقريب.
كامل الحساني* رئيس المركز الوطني للبحوث والدراسات القانونية والقضائية في العراق