مهدي عقبائي يكتب لـ(اليوم الثامن):

أهداف خامنئي من إشعال الحروب في المنطقة

إن قيام النظام الإيراني بإشعال نار الحرب في غزة وما نشاهده من صور مؤلمة للأطفال المذعورين والمتروكين في المستشفيات والتي تؤلم قلب كل إنسان تعيد إلى الأذهان مرة أخرى التساؤلات: ما هو هدف النظام من إشعال الحروب في المنطقة؟! لماذا يهدر على الحروب أموال الشعب الإيراني الذي هو في أمسّ الحاجة إليها؟ لماذا ينفق دعاة الحرب كل هذه الأموال لشراء وصنع القنابل والصواريخ في سوريا وفلسطين ولبنان إلى درجة أنه في مقابلة مع الجزيرة قال إسماعيل هنية بوضوح إن النظام الإيراني أعطى حماس 70 مليون دولار لمشروع واحد فقط؟! ومع تعاظم الأزمات داخل إيران لماذا يشتري النظام لنفسه متاعب إضافية؟! ردًا على هذه الأسئلة، هناك وجهتا نظر مختلفتان عموماً، يكمن الاختلاف بينهما في النظر إلى مكانة نظام ولاية الفقيه وتماسكه وقوته الداخلية.

في الوجه الأول يلجأ النظام إلى إشعال الحرب من موقع القوة وتوسيع نفوذه وتصدير الإرهاب إلى الدول الإسلامية، وبهذا الموقف فإن خامنئي مرتاح للوضع داخل البلاد ويعتبره مستقراً.

ولذلك، فكّر في فتح البلاد مثل غزاة التاريخ، وهو الآن يريد توسيع نطاق سيطرته وسلطته بالنفخ في نار الحرب بالمنطقة، وأول الدعاة إلى وجهة النظر هذه هو خامنئي ولي فقيه النظام الذي يقول: «الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها أصبحت أقوى يوماً بعد يوم وستزداد قوة في المستقبل أيضاً» (شبكة خبر الحكومية، 14 تشرين الأول/ أكتوبر).

كما يمكن قراءة صيحات قادة الحرس الثوري والأجهزة الأمنية بنفس المنظور، وهم يظهرون قوتهم باستمرار ويهددون بتوسيع الحرب :" استمرار هذا الوضع يمكن أن يدفع جهات فاعلة أخرى إلى دخول الساحة... ومع استمرار هذه الأعمال الوحشية، هناك احتمال لأي رد فعل من جانب الجماعات" (الحرسي باقري، 19 تشرين الأول/ أكتوبر).

لكن في وجهة النظر الثانية، فإن الحرائق الإقليمية التي يشعلها خامنئي ترجع إلى أزمات مستعصية وانحطاط وضعف داخلي، كلُّ ما يقلق نظام ولاية الفقيه هو الخوف من انتفاضة داخل إيران، ويجب أن تقاس كل حركته الداخلية والخارجية بمقياس "منع ولجم الانتفاضة" ، أي أنه إذا أشعل حريقاً فإن الدخان يكون تمويهاً للوضع الداخلي ولتصدير الأزمات والمشاكل.

ولكل عمل وتدخل إقليمي يحسب مائة مرة بمؤشر «الانتفاضة» ، فهو يتجنب كل ما يثير الانتفاضة ويرحب بكل ما يؤخرها أو يهمشها ويساهم في تحجيمها.

تقول هذه الرؤية: إن خامنئي فعل كل شيء لمنع انتشار الاحتجاجات بعد الانتفاضة، فزاد من الاعتقالات، وزاد بشكل جنوني من عدد الإعدامات، وحطم أرقاماً قياسية فيها، وطرد العديد من أساتذة الجامعات، وتم إيقاف العديد من الطلاب عن الدراسة، وأعاد اعتقال العديد من المعارضين السياسيين الذين أطلق سراحهم... لكن لم ينجح أي من هذه الإجراءات، ولم يهدئ من غليان المجتمع. وبسبب هذا الوضع الداخلي الخطير، رحب خامنئي بالأحداث الأخيرة في غزة التي تسببت في مقتل وتهجير الشعب الفلسطيني.

الآن حكومة الملالي عالقة في الأزمة التي سببتها حربه في المنطقة، تارةً يصرح بأنه لم يكن له دور فيها، وتارةً اخرى يقول إنها كانت جزءً من خطته.

وقال الحرسي رمضان شريف، المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني: طوفان الأقصى كان انتقاماً لاغتيال الحرسي قاسم سليماني العزيز على يد الأمريكان والصهاينة.

لكن على الفور، دفعَ خامنئي مسؤولي النظام إلى المشهد ليقولوا إننا ارتكبنا خطأ، ومثل هذا البيان غير صحيح؛ من رئيسي إلى الحرسي سلامي وقاآني، ظهر الجميع إلى المشهد وقالوا إنه ليس لهم أي دور في هجوم حماس.

لكن بعد 9 أيام، قال الملا علم الهادي إمام الجمعة، الذي يثق به خامنئي ووالد زوجة إبراهيم رئيسي: إن جبهة المقاومة هذه أنشأها الراحل قاسم سليماني بحسب كلام المرشد الأعلى (خامنئي)، وطوفان الأقصى كان نتاج تضحيات الحاج قاسم سليماني وقيادته وخططه، هذا الشهيد العاروري رئيس مكتب حماس في بيروت قال إن قاسم سليماني ذهب إلى غزة ثلاث مرات، وتم إنشاء الأنفاق الموجودة في غزة باقتراح عماد مغنية وتصميم وتخطيط قاسم سليماني، وأوجدت هذه الأنفاق في غزة بفكر وتخطيط هذا الرجل، قيادة هذا الرجل خلقت طوفان الأقصى. 

ما الذي يجعل خامنئي يستخدم سياسة خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء؟ هل يخاف من حرب خارجية؟ والحقيقة أن ما أرعبه هو في مكان آخر: "انتفاضة الشعب الإيراني".

هذه حقيقة يجب على قادة النظام أن يعترفوا بها، لأن نظام الملالي لا يشعر بأي تهديد من الحكومات الغربية التي تقوم سياستها الرسمية على الاسترضاء مع النظام؛ لكن ما أخاف النظام الملالي وزعزع استقراره هو إرادة الشعب ومقاومة إيران.

الخلاصة، إن إشعال الحرب في المنطقة هو أيضاً لقطع الطريق على انتفاضة الشعب والقوى الثورية، لكن هذه الورقة أصبحت محترقة أيضاً بالنسبة للنظام.

*کاتب إيرانی وعضو في المجلس الوطني‌ للمقاومة الإيرانیة