محمد خلفان يكتب:
تخبط أمريكي جديد
يكشف تقرير نشره موقع "بوليتيكو"، أمس، عن أن هناك بعض الدول العربية، منها دولة الإمارات، تعمل على تقييد قدرة الولايات المتحدة بشكل متزايد على استخدام المنشآت العسكرية في أراضيها من أجل شن غارات جوية انتقامية ضد مليشيات موالية لإيران بالمنطقة.
المقصود في التقرير هي مليشيات "الحوثي" عن ثلاث أمور رئيسية أجد أنها تصب في صالح الدبلوماسية الإماراتية والتزامها بتعهداتها الدولية واحترامها لوعودها السياسية، وهذه الأمور هي:
الأمر الأول، أراضي دولة الإمارات ليست لاستهداف إيران أو غيرها: وبالتالي فالمسألة ليست في موضع تأكيد أو نفي ما جاء في التقرير بقدر ما يذكر العالم عن موقف دولة الإمارات في رفضها لاستخدام أراضيها لاستهداف الجار الإيراني أو التعرض لمصالحها وقد قيل هذا الكلام في أكثر من مرة، بل إن دولة الإمارات أبلغت المسؤولين الأمريكيين بذلك الموقف وبالتالي ما جاء في التقرير ليس جديداً بقدر ما هو تأكيد على التزام دولة الإمارات بتعهداتها الدولية،وبالتالي يحتاج إلى احترام وتقدير كون أن دبلوماسيتها متناسقة بين تصريحات قادتها وسلوكها الخارجي وهذا من نوادر العصر الحالي.
فما جاء في التقرير (بنظرنا) يتماهى مع الدبلوماسية الجديدة لدولة الإمارات التي بدأت في نهايات عام 2022، والخاصة بـ"تصفير المشاكل" مع العالم، خاصة الجوار الجغرافي، وشملت بذلك كل دول المنطقة بما فيها إسرائيل. وكانت الإمارات قد أكدت أن هدف سياستها الخارجية ينصب على التنمية والاستقرار، وبالتالي فإن زجها في أزمات وقضايا الآخرين حتى إن كانت مع الحليف الأمريكي ودخولها في مغامرات سياسية قد يتسبب في تخريب علاقاتها وتهديد أهدافها التنموية.
الأمر الثاني، ظاهرة التخبط الاستراتيجي الأمريكي.. إن ما حمله التقرير الأمريكي من اتهام دولة الإمارات في تصعيب مهمتها العسكرية هو دليل عن حالة جديدة من "ظاهرة التخبط الاستراتيجي" لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فمن إزالة مليشيات الحوثي من قائمة الإرهابية الأمريكية بعد وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، وكأنه يناكف الإدارة السابقة حتى على المصلحة الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية، إلى قرار إعادة إدراج الحوثي مرة ثانية في القائمة الإرهابية، مؤخراً، ودون خجل حيث رسم علامة استفهام كبيرة حول قدرة هذه الإدارة على تقييم مهددات الاستقرار العالمي، وهي من المهام الرئيسية لكل إدارة.
إن مليشيات الحوثي هي إحدى أذرع إيران التخريبية في المنطقة، وهناك غيرها من هذه المليشيات في المنطقة ودولة الإمارات تعرضت لهجوم صاروخي بواسطة هذه المليشيات، ولكنها لم تلق أي دعم من الحليف الأمريكي الذي يفترض أنه استراتيجي وتلزمه تعهدات بالمساعدة في الحماية لها، وبالتالي أن يُطلب من دولة الإمارات المشاركة في هذه الحرب بعدما استطاعت أن تضع حداً لهذه المليشيات فليس من المنطق ولا العقلانية في تعريض أمنها الوطني ومصالحها للتهديد مرة ثانية، خاصة أن الحليف "غير موثوق" به.
الأمر الثالث، محاولة فاشلة في التخفيف من العبء السياسي.. واضح أن مسألة إلقاء اللوم على دولة الإمارات هو قرار سياسي من البيت الأبيض والهدف منه هو محاولة لتخفيف "عبء الفشل العالمي" المتكرر لإدارة الرئيس بايدن في إدارة الملفات الوطنية الأمريكية والعالمية، بدءاً من الحرب الروسية-الأوكرانية وعدم القدرة على حلها، وصولاً إلى حرب إبادة لشعب "غزة" التي بصدد دخول شهرها السادس دون أمل لأن ينصت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لمطالب بايدن لإيقافها.
هناك مستويان لتفسير ما يحدث. المستوى الأول أن هذه الإدارة الأمريكية تعيش حالة من "الترهل" في قراراتها ومواقفها السياسية الدولية، وتعاني حالة من العجز في حسم مواقفها الاستراتيجية فتجدها تستفز دولا كبرى مثل الصين وروسيا في مواقف لا تعبر عن كونها دولة مسؤولة عن استقرار وأمن العالم.
والمستوى الثاني أن إدارة الرئيس بايدن باتت مكشوفة أمام الرأي العام الأمريكي قبل الرأي العام العالمي من تخبطها، وبالتالي فهي (الإدارة) تحاول تخفيف العبء السياسي الذي بات يهدد مستقبل الديمقراطيين خلال الانتخابات الرئاسية القادمة.
من الممكن أن يصل المراقب لعمل الإدارة الأمريكية الحالية إلى قناعة طريفة بأن الموجودين في البيت الأبيض غير واعين بما يفعلون بمكانة الولايات المتحدة الأمريكية، بل تعبر سياساتهم بشكل واضح عن عدم المسؤولية في فهم ما يحدث في العالم.