محمد فيصل الدوسري يكتب:

التصعيد الإسرائيلي-الإيراني.. استراتيجيات الرد

استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق يثير تساؤلات كثيرة حول تداعياته، وردود الفعل المحتملة من إيران، في ظل التوترات الدائمة في المنطقة، إثر تداعيات حرب غزة.

ومن المعلوم أن طهران قد تستخدم مجموعة متنوعة من الأدوات والمليشيات للرد على الهجوم.


قد تختار إيران التصعيد العسكري الحذر كجزء من رد فعلها، من دون جرها إلى حرب شاملة، وقد يكون بتنسيق مع الولايات المتحدة وحلفائها لحفظ ماء الوجه، من خلال استخدام الصواريخ الباليستية أو المسيرات لاستهداف أهداف إسرائيلية.

وسيكون الرد الإيراني عبر مليشياتها مثل حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، لتنفيذ هجمات انتقامية للمليشيات على إسرائيل، أو حلفائها مثل القوات الأمريكية الموجودة في العراق وسوريا، إذ من الممكن للمليشيات شن هجمات صاروخية محدودة، ما يحقق التوازن في الرد دون الوقوع في فخ التصعيد الكبير، كما يمكن لإيران استخدام سلاح الهجمات السيبرانية ضد أهداف إسرائيلية في المجال الرقمي، ما يتيح لها القدرة على التأثير والضرر دون الحاجة إلى التصعيد العسكري.

رغم رغبة إيران في الرد على الهجوم الإسرائيلي على الأقل على مستوى التصريحات النارية، فإنها تواجه تحديات متعددة، خصوصاً التوازن بين الرد القوي وتجنب التصعيد الكبير الذي قد يؤدي إلى تصاعد النزاع في المنطقة.

ولهذا، قد تستخدم إيران على الصعيد الدبلوماسي استراتيجية الضغط السياسي عبر القنوات الدولية، للتعبير عن استنكارها للهجوم وطلب الدعم الدولي لموقفها، ما قد يضع ضغطاً على إسرائيل، والمثير للغرابة استهداف إيران نفسها تاريخياً عدة مقار للسفارات والقنصليات بما فيها الدبلوماسيون.

وتظهر التطورات الجديدة في المنطقة، أن إيران تستخدم مجموعة من الوسائل لتعزيز نفوذها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية، فمنذ هجوم "طوفان الأقصى" استطاعت استدراج إسرائيل إلى خرق الأنظمة الدولية، بحرب الإبادة في غزة إلى استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، ومن الواضح أنها تستغل المظاهرات في الأردن لزعزعة الاستقرار الداخلي، وزيادة التأثير الإيراني، وهذا التصاعد في حدة الصراع واتساعه، يتزامن مع انعدام رؤية واضحة للإدارة الأمريكية في واشنطن، ما يعقد الوضع ويجعل من التوصل إلى حلول سلمية وتفاهمات دبلوماسية تحديًا أكبر.

على الرغم من وجود خيارات متعددة لإيران للرد على الهجوم الإسرائيلي، فإن كل هذه الخيارات تأتي مع تحديات ومخاطر قد تكون لها عواقب خطيرة، خاصة بالنظر إلى ردود الفعل المحتملة من إسرائيل والولايات المتحدة، وبالتأكيد إسرائيل تدرك نقطة الضعف الإيرانية، وعلى هذا الأساس اتخذت قرار تصفية محمد رضا زاهدي، وهو قيادي بارز في الحرس الثوري الإيراني، فهي تعلم أن أي رد إيراني محتمل، يجب أن يكون محدودًا ومحسوبًا، مما يؤكد محدودية القدرة الإيرانية على الرد، وبالتالي الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، يعد جزءًا من استراتيجية أوسع، تهدف إلى تأكيد الردع وإظهار القوة الإسرائيلية، دون الدخول في تصعيد مباشر مع إيران.

تستخدم إيران سياسة الصبر الاستراتيجي، وذلك عبر التحكم في الخطاب السياسي والإعلامي وإدارة التحديات الداخلية، بهدف الحفاظ على نفوذها الإقليمي، وهو ما يتطلب توازنًا دقيقًا بين الرد على التحديات والحفاظ على مكتسباتها، وقد تعمل على مبدأ حروب الظل بشكل غير مباشر، من خلال دعم المليشيات والجماعات الموالية لها وتنفيذ العمليات السرية، ويمكن أن تكون هذه الاستراتيجيات فعالة في المدى القصير، إلا أنها قد تزيد من التوترات في المنطقة، وتؤدي إلى تصعيد أكبر على المدى الطويل.

بالطبع إسرائيل مستعدة للرد بقوة على أي هجوم يستهدف مصالحها أو مواطنيها، ومن الواضح أنها مستمرة في عمليات التصفية الانتقامية، دون أخذ العواقب الدولية بعين الاعتبار، فمن الواضح أن الغطاء الغربي لها واسع، رغم تجاوز عدد الضحايا في غزة 33 ألف قتيل و75 ألف مصاب، ما يفسر الجرأة الإسرائيلية في عملياتها ضد المدنيين الأبرياء، بما فيها عمليات التصفية ضد عناصر الحرس الثوري الإيراني وأدواته في المنطقة.