سمير داود حنوش يكتب:

هل سقطت طائرة رئيسي أم أُسقطت

ما إن تم الإعلان عن اختفاء طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وفريقه حتى ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي وأغلب القنوات الفضائية في العراق بسيناريوهات يعزز أغلبها فرضية المؤامرة حين ذهبت إلى تشخيص المتآمر والمتآمَرِ عليه في محصلة لإظهار الحقيقة.

العراقيون لم تغادرهم ثقافة الحروب والمؤامرات منذ اغتيال العائلة المالكة، ووفاة الرئيس عبدالسلام عارف في حادث تحطم طائرته بالقرب من مدينة البصرة عام 1966، مرورا بحروب الخليج الأولى والثانية والحصار وانتهاءً بسنوات ما بعد 2003 واحتلال العراق من قبل أميركا.

وبعيدا عن الإدانة والتأييد لتلك السيناريوهات حين جعلت من أغلبية الجمهور اليوم يتحول إلى مُشكك ومُتسائل ومُحلل لحادثة سقوط الطائرة، وهذا يعتبر في بلد يعيش ظروفا غير طبيعية مثل العراق أمرا طبيعيا.

استخدام مصطلح "الشهداء" في الإعلام الرسمي الإيراني أوحى بأن الحادث كان مدبرا وأربك إيران في البداية وأحرجها، خصوصا عندما طلبت المساعدة من الجانب التركي وهي التي كانت تتباهى قبل أسابيع بعشرات المُسيّرات التي دكّت إسرائيل

بدأت تكهنات العراقيين وازدادت الشكوك عند مقطع لفيديو انتشر كالهشيم بين النار للعرّافة اللبنانية ليلى عبداللطيف عندما تنبأت في بداية عام 2024 بحادث سقوط طائرة سيَشغل العالم خلال الأشهر الأولى من هذا العام، ليزداد السؤال غموضاً فيما إذا كان هذا الحدث بفعل توقعات عرّافة أم عمل استخباري؟

ورغم أن إيران أعلنت عن إجراء تحقيق في ملابسات الحادث، إلا أن العراقيين استبقوا النتائج بقصص وتفسيرات عن ملابسات الحادث ربما تستعين بسيناريوهاتهم لجان التحقيق!

المروحية التي سقطت هي من نوع Bell-212 أميركية الصنع في الستينات وقد شاركت في حروب فيتنام حيث تم تطويرها لاحقاً عندما اشترت إيران تلك المروحيات من كندا عام 1998، وقامت بتحويرها من مروحية عسكرية إلى مدنية مع بعض التعديلات التقنية وأفضل التجهيزات التي تلائم الديكور الداخلي للطائرة وأقصى درجات الراحة أثناء الرحلات.

كان العراقيون بأسئلتهم التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي وكأنما يوحون بمعرفتهم المسبقة بنتائج التحقيق، أو الإيحاء باسم وعنوان الفاعل من خلال تحليلات تزيد من الاحتمالات الصعبة في فهم ما جرى، حيث تشاركت بعض الفضائيات مع جمهور مواقع التواصل في زيادة الشك والارتياب عندما استضافت بعض الخبراء العسكريين لتفسير ما حدث أو تحليل أسباب الحادث، حيث شارك الجميع بالبحث عن جواب لسؤال هو: كيف سقطت الطائرة الرئاسية التي تنقل رئيسي، بينما واصلت الطائرتان المرافقتان الرحلة؟ ومن هي الجهة التي منحت الطائرة إذنا بالإقلاع وسط الأجواء الرديئة؟ وإذا كان هناك عطل أو خلل فني أو سوء أحوال جوية، فلماذا لم يحصل أي اتصال بين قائد الطائرة الرئاسية والسرب على الأقل؟

كان تحليل الصور والفيديوهات ومن خلال ما عرضه هؤلاء الخبراء يعزز فرضية تحطم المروحية في الجو بدليل أن ذيل المروحية انفصل عن هيكلها وسقط سليما على الأرض، بينما احترقت  أجزاء كبيرة من الهيكل، في حالة تحدث فقط عند تحطم الطائرة في الجو قبل أن تصل إلى الأرض حسب تحليل الخبراء.

فرضيات البعض ذهبت إلى وجود أيادٍ إسرائيلية في الحادث خصوصا مع تزايد النفوذ الإسرائيلي في أذربيجان الجارة الشرقية شمال غرب إيران

أحد الطيارين الذين سبق لهم وأن شاركوا في طلعات جوية أضاف أن الجهاز “آر.تي” يؤمّن اتصالا بين الطيارين كتشكيل ومع القاعدة على الأرض، وإذا حصل أي طارئ يقتضي الهبوط الاضطراري يعطي الطيار نداء استغاثة إلى القاعدة الأرضية، ويضيف ذلك الخبير أن الطيار يحصل على “صمت لاسلكي” لاستيعاب كل المعلومات التي يُدلي بها.

وذهبت فرضيات البعض إلى وجود أيادٍ إسرائيلية في الحادث خصوصا مع تزايد النفوذ الإسرائيلي في أذربيجان الجارة الشرقية شمال غرب إيران، التي ربما كانت تراقب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان والوفد المرافق لهما أثناء عودتهم من مراسيم افتتاح سد على الحدود بين إيران وأذربيجان بمشاركة الرئيس الأذري إلهام علييف، ولطالما اشتكت إيران من تزايد النفوذ الإسرائيلي في أذربيجان وخاضت صراعا سريا معها بسبب تلك العلاقة مع إسرائيل.

استخدام مصطلح “الشهداء” في الإعلام الرسمي الإيراني أوحى بأن الحادث كان مدبرا وأربك إيران في البداية وأحرجها، خصوصا عندما طلبت المساعدة من الجانب التركي بمُسيّرات لاكتشاف موقع سقوط المروحية في مثلث برمودا الإيراني! وهي التي كانت تتباهى قبل أسابيع بعشرات المُسيّرات التي دكّت إسرائيل.

والغريب هو النفي الإسرائيلي لأي ضلوع لها في الحادثة قبل أن توجّه إليها أصابع الاتهام.

وسواء كان الحادث مؤامرة خارجية بهجوم سيبراني مُدبّر أو من الداخل الإيراني خصوصا مع تزايد الحديث عن خليفة المرشد الأعلى علي خامنئي الذي كان إبراهيم رئيسي أحد المرشحين لخلافته، واختيار ابن خامنئي بديلا، فإن جميع السَرديات أو الفرضيات التي تتوجه إليها أصابع الاتهام في سقوط مروحية الرئيس الإيراني تدخل إيران في مرحلة جديدة من التفاهمات والصراعات على السلطة قد توسّع من قواعد الاشتباك وتُدخل المنطقة في حروب قادمة.