احمد سنان يكتب لـ(اليوم الثامن):

ثلاثون عاما على عقر ناقة البيض

كان النبي صالح عليه السلام قد دعا قومه لتوحيد الله، ولكن طائفة منهم عاندت وارادت تعجيزه فطلبت منه ان يخرج لهم ناقة عشراء من الصخرة. وكان الاتفاق أن يؤمنون بدعوته إذا هو نفذ لهم طلبهم ذلك. وهكذا ذهب الى ربه متذللا وراجيا منه يخرج ناقة من الصخرة، ففعل الله تبارك بقدرته وجلاله فاخرج لهم ناقة مليحة عشراء. وقد بين القرآن شروط التعايش مع تلك الناقة، أن لها شرب ولهم شرب فلا يتعدوه.    

نقض قوم صالح العهد فعقروا الناقة. ولما علم النبي صالح بأن ثمود ذبحوا الناقة، قال لهم كما جاء في سورة هود: "تمتعوا في داركم ثلاثة أيام"، فلم يصدقوا تهديده باقتراب عذاب الله عليهم. ويذكر المفسرون أن قومه أرادوا قتله، وقالوا: زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه وأهله قبل ذلك، وكان له مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه، فخرجوا إلى كهف وقالوا: إذا جاء يصلي قتلناه، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله، ففرغنا منهم. يقول الله تبارك وتعالى في ذلك: ﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [النمل:49]، ولما حل عليهم المساء هبوا لقتله، بعث الله صخرة من الهضب حيالهم، فخشوا أن تشدخهم، فبادروا الغار، فطبقت الصخرة عليهم فم ذلك الغار، فلا يدري قومهم أين هم؟ ولا يدرون ما فُعل بقومهم، فعذّب الله تبارك وتعالى هؤلاء هاهنا، وأولئك هاهنا. ويرجح المفسرون أن التسعة الذين وصفهم القرآن بأنهم ممن يفسدون في الأرض ولا يصلحون والذين أقدموا على عَقرِ ناقة النبي صالح (عليه السلام) والتحالف من أجل قتله هم: (مصدع بن دهر، ويقال دهم، وقدار بن سالف، وهريم، وصواب، ورياب، وراب، ودعمي، وهي، ورعين بن عمرو).

ووصف المفسرون الكيفية التي عذب الله تعالى بها هؤلاء القوم: بأن وجوههم صارت مصفرة في اليوم الأول، ولما جاء اليوم الثاني أضحت وجوههم محمرة، ثم أضحت في اليوم الثالث مسودة، ولما جاء اليوم الرابع تحنطوا، فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفلهم ففاضت أرواحهم.

هكذا أصبحت الناقة رمزية لكل فساد في الأرض من قبل أي جماعة كانت، فهي تهلك الزرع والضرع. فقد كان قوم صالح يشربون الذي حليب كانت الناقة تدره عليهم كل يوم دون أي جهد أو عناء منهم في رعايتها.

في مايو 1990 قذف نفق القلوعة بناقة البيض إلى حيز الوجود، ومثلت معجزة عصرية في زمن تعصف فيه التصدعات بالعالم، لم تكن أن تخلد بمخيلة أحد. لكن صالح وقومه أصروا كما يبدُ على تكرار عقر الناقة بصورتها المعاصرة. الفارق أن الأولين عقروا ناقة صالح وهم موقنون برغبتهم بقتلها وفقدا ن منافعها إمعانا في العناد والمكابرة، أما الآخرون فأرادوا قتل ناقة البيض مع الاحتفاظ بحليبها ومراعيها. لكن النتيجة المنطقية تحققت قُتلت الناقة وأكلت لحمتها ميتا وجف حليبها وتصحرت مراعيها.

إذا لا تنفع المناحات على الناقة المغدورة. ولا تنفع معادلات المنطق الصوري في البرهنة على صواب ما كان خاطئا أو خطأ ما كان صائبا. لا يمكن الركون كثيرا على المقارنات القائمة على الانتماء المناطقي لمناضلين معينين في محاولة إلباس أخرين نفس الصفات.

يذكرني الذين يرفعون صورة البيض إلى جانب صالح بأولئك القوم الذين رفعوا المصاحف على أسنة الرماح وهم على ضلال. الرافعون الصورة اليوم هم أنفسهم الذين أزاحوها مع انطلاق أول رصاصة إلى قلب الوحدة. يقول شخص: (إن الاحتفال بيوم تحقيق الوحدة اليمنية يعتبر تتويجها لمسيرة النضال والكفاح)، يااااااااااه ايه العظمة. عبارة ليس لها أي مدلول. هل هي الوحدة أم الاحتفال. إذا كنت الوحدة فأين هي؟ وإن كان الاحتفال ابترعوا كما تشاؤون.

نحن نناقشكم كيف كان ينبغي أن تكون الوحدة، بينما أنتم تجادلونا في الوحدة التي عقرتموها. لا نختلف في المفهوم المجرد، بل في الواقع الملموس.

الوحدة قلتم بريئة مما جرى... نعم لكنكم لستم بريؤون ولا يمكن استبدالكم.............

الموقف من الوحدة هو الموقف من الدولة علاقة تاريخية. هكذا علمنا المناضلون الذين تمت تصفيتهم تباعا. لا يمكن ان تكو وحدويا بينما تختطف الدولة في قبو بيتك.

ليس مخيفا كثيرا أن يحتفل من وأد الوحدة في أول أيامها، لأنه سبق له أن حطم أمل بناء الدولة في لحظة بزوغه، ألم تظهر أولى القطاعات المسلحة في قرى دعاة الاحتفال، لكن الحمدي لا يستطيع أن يقدم لنا السردية مكتملة، لا زلت أتابع بعض وثائقيات عنه كان سيزور عدن، هي الجريمة الكبرى التي استدعت العقوبة الرادعة العاجلة والقضاة والجلادون يقفون على الناصية، هي مجرد وثائقيات ولكن ليس هو.

المقارنة بين عبد الفتاح إسماعيل وبين علي عنتر تصدق في أمور كثيرة فالأول ولد في تعز ولكنه نشأ وترعرع في عدن في أوساط الطبقة العاملة وتشرب ثقافة المدينة وأصبح ابنا أصيلا لها هذا إذا كنا نصدق مقولة مؤسس علم الاجتماع وبقية علماء الاجتماع أن الإنسان ابن بيئته التي نشأ فيها. ذلك أن هذه المقولة مبرهن عليها علميا، وأما الثاني فقد ولد في الضالع وهاجر الى الكويت بحثا عن لقمة العيش وهناك اندمج في المجتمع والحركة السياسية حيث تأطر في حركة القوميين العرب وأسس فرعها في الضالع. جمعت الرجلين الظروف المعيشية والسياسية كما جمعتهما حركة القوميين العرب وجمعتهما قضية وطنية واحدة هي التحرر من الاستعمار والامامة معا. وكللاهما شاركا في الدفاع عن سبتمبر وكلاهما شاركا في ثورة 14 أكتوبر وكانت البلد معبد مقدس، وجمعتهما رؤية واحدة لمبادئ وأسس الدولة الموحدة، وهما قطعا لم يكونا ليقبلا بما تعوا إليه اليوم. فما الذي يجمع بين طرفي المعادلة الأخرى التي أوردها السفير السابق علي العمراني.

في معرض مقارناته يقول الاستاذ علي العمراني: "اللواء عيدروس الزبيدي من المنطقة التي ولد فيها المناضل علي عنتر، وهو- أي علي عنتر- وحدوي عظيم ويمني صميم. وينتمي الدكتور العليمي إلى الحجريّة مثل المناضل عبد الفتاح إسماعيل، الوحدوي العظيم أيضاً، ويكاد العليمي، أن يكون أقرب إلى عدن، من عيدروس، من الناحية الجغرافية والاجتماعية"، هذه مقارنة شوهاء لانعدام وجهها. فالرجلين الأخيرين ينتميان لمدرستين مختلفتين وغير متجانستين وبيئة سياسية واحدة منقسمة بين طرفين منتصر ومهزوم.

وفي خضم المقارنة يصب العمراني جام غضبه على العليمي كما يفعل في كل مناسبة تسنح له، حيث يقول: "الدكتور العليمي لا يتحدث عن شيء يخص وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، لكنه يتخذ قرارات وترتيبات، بما يجاري "تطلعات" الانفصاليين"، وهذا بذاته برهان على خطل المقارنة، وبمقدور كل منا قرأه ذلك حسب أمنياته طبعا. نحتاج على التفكير بأسلوب جديد يستوعب ليس فقط المصالح بل والمتغيرات.

الأستاذ علي العمراني أكثر من يكتب فضائل عن الوحدة، - هو ليس الوحيد- ولكن في كل كتاباته لم يقدم أي رؤية بناءة أو مشروع جديد قابل للصياغة والحياة على أرض الواقع. فالوحدة عنده مترافقة بتعميدها بالدم، وهو بالطبع لا ينفي مساهمته في حرب التعميد تلك لأنها كانت ضد إعلان الانفصال، مع أنه يعلم ويتجاهل ذلك عن عمد كما يفع زملاؤه أن بيان فك الارتباط جاء بعد 23 يوما من إعلان صالح للحرب يوم 27 ابريل 1994 من ميدان السبعين بحضور كبار قومه. واليوم لا نرى حاجة للبحث في مصير من عقر ناقة البيض، لقد مزقوا كل ممزق.

لفضح قاتل النفس البريئة، قال الله لليهود أن يضربوا القتيل الذي قتلوه ببعض البقرة التي ذبحوها بعد جدال عقيم" " فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون" فلما ضرب به حيي وأخبر بقاتله ثم عاد ميتا كما كان. بماذا ستضربون ناقة البيض؟؟؟