ماريا معلوف تكتب لـ(اليوم الثامن):

إيران بعد مقتل رئيسي وانتخاب بزشكيان والعلاقة مع واشنطن

شهدت إيران في الخمسين اليوم على حدث تاريخي أرخى بظلاله ليس فقط على نظام الملالي وإنما على علاقة إيران مع محيطها الإقليمي والدولي، وخصوصا مع الولايات المتحدة، وتمثل بحادث تحطم المروحية الرئاسية التي كانت تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان اضافة الى ممثل الخامنئي في ولاية اذربيجان الشرقية الايرانية ومحافظها إضافة الى طاقم الطائرة، وماكاد الخبر يؤكد حتى أعلنت الخارجية الأميركية عن تعازيها لوفاة الرئيس ابراهيم رئيسي والوفد المرافق، وان واشنطن ستواصل مواجهة الدعم الذي تقدمه إيران الملالي للمجموعات الإرهابية، اضافة الى دعم حقوق الشعب الإيراني بالحرية ونيله كافة حقوقه الانسانية، ومنع انتشار الأسلحة الخطيرة أو التقدم في البرنامج النووي الإيراني، وبدا لافتاً طلب طهران مساعدة واشنطن في حادث مروحية الرئيس الإيراني إلا انها لم تتمكن من توفيرها لأسباب لوجستية، وفي المعلومات انه قبل أيام من وقوع الحادث، طالب المسؤولين الإيرانيين باستبدال الطائرات الأميركية التي يستخدمها المسؤولون بأخرى روسية، حتى يتسنى لهم تحديث أجزائها والحصول على قطع الغيار اللازمة، خصوصاً وأن الطائرة المنكوبة هي مروحية من طراز "بيل 212" أميركية الصنع، يعود إنتاجها لعام 1968، وكانت طهران قد حصلت عليها قبل ثورتها في 1979.

هذا واعتبر مراقبون ان وفاة او مقتل الرئيس ابراهيم رئيسي لن تؤثر على السياسة الأميركية تجاه طهران، وهذا ما ذهبت اليه وزارة الخارجية الأميركية بأن واشنطن لن تغير موقفها الأساسي تجاه إيران الملالي، وأنها ستستمر في تحميلها مسؤولية سلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة بأسرها، وذلك استناداً الى عدة نقاط وهي :

أولاً احتمالية عدم تغير سياسة إيران الخارجية خصوصاً وانه من غير المُحتمل أن تشهد ملفات إيران الإقليمية والدولية تغييرات جوهرية في اعقاب وفاة الرئيس ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته، في ظل هيمنة الولي الفقيه والحرس الثوري التابع له على إدارة الملفات الخارجية.

ثانياً يتمثل في سيطرة التيار الأصولي المتشدد على البرلمان الإيراني

ثالثاً بسبب هيكلة نظام الملاليوالتي تعتبر شديدة التعقيد، حيث يتشكل من مؤسسات قوية وعقيدة وأيديولوجية راسخة، وللأفراد والأشخاص فيها تأثير محدود.

وفي سياق متصل يرى متابعون أن معظم المسؤولين الأميركيين قد أكدوا على أن الولايات المتحدة لن تغير سياساتها لأن النظام الإيراني نفسه لن يشهد أي تغيرات جذرية لسياسات إيران على الساحة العالمية، وذلك كون إيران في الايام الخمسين التي مضت كانت منكأفئة الى حد ما كونها كانت التحضيرات من أجل الانتخابات الرئاسية التي ينص عليها الدستور الايراني بأن تجرى خلال 50 يوماً من وفاة الرئيس او فقدان القدرة على القيام بمهامه الرئاسية ، على ان يتولى النائب الأول للرئيس مهام الرئيس الى حين انتخاب رئيس جديد، وهذا ماجرى بالفعل حيث ترشح 80 مرشحاً استبعد مجلس صيانة الدستور 74 مرشحاً ليخوض غمار السباق الرئاسي الايراني 6 مرشحين توزعوا على النحو التالي 5 مرشحين من التيار المحافظ ومرشح واحد من التيار الاصلاحي، هو الدكتور الجراح طبيب القلبالدكتور مسعود يزشكيان وزير الصحة السابق في عهد الرئيس روحاني والمقرب من الرئيس الأسبق الاصلاحي السيد محمد خاتمي، والذي دعا خلال حملته الانتخابية الى الحوار مع الغرب وتحديداُ مع واشنطن اضافة الى الحوار مع الشرق، وبالفعل حسمها مرشح التيار الاصلاحي بزشكيان بعد نال في الجولة الثانية من الانتخابات اكثر من 16 مليون صوت من اصل 30 مليون ناخب.

اما وقد حسم مصير الرئاسة الايرانية لصالح التيار الاصلاحي. يبقى السؤال المركزي كيف ستكون علاقة واشنطن بطهران على الرغم من استمرار المحادثات الاميركية الايرانية غير المباشرة في سلطنة عمان، والجدير ذكره ان ايران  التزمت خلال الفترة الانتقالية بسياسة التهدئة وتجنبت المواجهات المباشرة، وبرزت ملامح هذا التوجه مع تصاعد الحرب في غزة وجبهة جنوب لبنان، حيث لم تشجع طهران على توسعت الحرب، وهذا ما أكده وزير الخارجية الايراني بالوكالة باقري كني في جولة شملت لبنان وسوريا وقطر دعا فيها الى ضبط النفس وعدم توسعت الحرب.

أخيراً يمكن القول إن وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته، لن تكون لها تداعيات كبيرة على الاستراتيجية الأميركية تجاه طهران، وذلك بالاستناد الى انه قد يكون من المرجح ان تستمر ايران بغض النظر من فوز المرشح الاصلاحي الدكتور مسعود بزشكيان، فقد يكون من المبكر الرهان على تغيير سياسة طهران في المنطقة وبالتالي ستستمر واشنطن بسياستها الاستراتيجية في التعامل مع ايران الملالي، إلا إذا حدث تغيير هيكلي في بنية نظام الملالي.