ماريا معلوف تكتب لـ(اليوم الثامن):

أبعاد وتداعيات صفقة الـ F-16 بين واشنطن وأنقرة

استضافت واشنطن بين 9 و 11 تموز (يوليو) قمة حلف الناتو على مستوى القادة، وتزامنت القمة مع الذكرى الـ 75 لتأسيس الحلف الأطلسي. تصدرت المحادثات فيها عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وما تعنيه تلك العودة وما لها من تداعيات على واقع حلف الناتو، إضافة إلى الحرب الأوكرانية التي صُرف عليها أكثر من 60 مليار دولار، ناهيكم عن مسائل تتعلق بتعزيز بعض قوى حلف الناتو، خصوصًا وأن تلك المسألة بدأت قبيل انعقاد القمة الأطلسية في واشنطن.

في هذا السياق، أعلنت وزارة الدفاع التركية في 13 حزيران 2024، قبل ما يقارب الشهر من قمة الناتو، عن توقيعها لاتفاقيات مع واشنطن من أجل شراء مقاتلات من طراز F-16. واجهت هذه الصفقة تعقيدات وعراقيل من قبل الولايات المتحدة استمرت على مدار السنوات الثلاث السابقة من عمر إدارة الرئيس جو بايدن. أعلن ماثيو ميلر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في تصريحات سابقة، أن الصفقة مع أنقرة ستدعم مصالح الأمن القومي لكل من الولايات المتحدة وتركيا إضافة إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وأشار إلى أن المرحلة التالية من الصفقة الأمريكية التركية ستكون إنتاج وتسليم طائرات F-16.

سبق لتركيا أن تقدمت بطلب إلى الولايات المتحدة للحصول على طائرات F-16 لأول مرة في تشرين الأول (أكتوبر) 2021. جاء هذا الطلب بعد عامين من استبعاد الولايات المتحدة لتركيا من برنامج تطوير طائرات F-35 من الجيل الخامس، ردًا على شراء تركيا لمنظومة الدفاع الصاروخي الروسية من طراز S-400. والجدير بالذكر أن تركيا تعد واحدة من أكبر مشغلي طائرات F-16، حيث يتألف أسطولها الجوي العسكري من أكثر من 200 طائرة F-16 من الطراز الأقدم.

أقر مجلس الشيوخ الأمريكي في آذار (مارس) الماضي صفقة بيع طائرات مقاتلة من طراز F-16، إضافة إلى معدات محدثة إلى تركيا بقيمة 23 مليار دولار. من المتوقع أن تشمل الصفقة صواريخ جو-جو، وذخائر جو-أرض، وأجهزة استشعار وأنظمة استهداف. وافقت إدارة الرئيس بايدن على الصفقة بعد موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف الناتو، مما فسره المراقبون كرشوة أمريكية لتركيا لضمان موافقتها.

على الرغم من قوة تركيا الاقتصادية والتجارية وعلاقات الطاقة مع روسيا، إلا أنها تضطلع بدور مؤثر في الحرب الأوكرانية الروسية، إذ كان لأنقرة تأثير في تلك الحرب بما يتعلق بمرور القطع البحرية الروسية العابرة للبحر الأسود، ناهيكم عن توريد أنقرة إلى كييف طائرات بيرقدار بدون طيار.

أشار السفير جيف فليك، سفير الولايات المتحدة لدى أنقرة، إلى أن تركيا لا تزال راسخة في الغرب، وأن شراكتها مع واشنطن أقوى من أي وقت مضى، رغم الانقسام حول الحرب الدائرة في قطاع غزة ودور أنقرة في نقل بعض الرسائل إلى قيادة حركة "حماس" ضمن المفاوضات التي ترعاها واشنطن للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

أكد بعض خبراء الصناعات الدفاعية أنه يجب على تركيا التعامل بحذر مع الصفقة، حيث تسلط الضوء على أهمية تلك الصفقة وتداعياتها الإيجابية على العلاقات الأمريكية التركية بعد سنوات من التوتر بسبب استحواذ أنقرة على منظومة S-400. الصفقة ستتيح للقوات الجوية التركية الحصول على تقنيات الجيل القادم من طائرات F-16، والتكيف مع خصائصها المتطورة وأنظمة الملاحة المتقدمة.

من المتوقع أن تعزز الصفقة إمكانات الردع للقوات الجوية التقليدية لحلف شمال الأطلسي، وأن تضع تركيا كقائدة للدول الأطلسية التي تستخدم F-16. من المرجح أن تؤدي الصفقة إلى فتح مجالات محتملة أخرى للتعاون الصناعي الدفاعي، مثل مشاركة الولايات المتحدة في برامج السفن الحربية والغواصات التركية، أو التطوير المشترك للنظام الفرعي الأمريكي لبعض جهود الإنتاج الدفاعي العضوي في أنقرة.

ويقول الخبراء إن هناك عقبات يجب تخطيها، أبرزها إنهاء شركة لوكهيد مارتن للأعمال المتراكمة من أجل إنتاج طائرات F-16، كي تتمكن أنقرة من الاستفادة بسرعة من الصفقة مع واشنطن. ومن المتوقع أن تؤدي الصفقة إلى إعادة الثقة بين البلدين، ولكن نظام مثل النظام التركي الذي يمارس الابتزاز السياسي تجاه حلفائه لا يمكن الركون إليه والى تعهداته. لذا، يجب على قوى الناتو وعلى رأسهم واشنطن أن تكون حذرة في التعامل مع تركيا.